عرض مشاركة واحدة
قديم 12-26-2010, 10:04 PM
المشاركة 24
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
مرحبا بالإخوة جميعا
وشكرا للشقيقة منى غنيم على تفضلها بفتحه .. والتعليق هنا سيقتصر على أحوال التعليم المصري الذى عالجته الدراسة ومن ثم فهو معالجة مخصصة له ..
والموضوع خاص ـ كما تفضلت الأخت منى ـ بدراسة عن التعليم المصري اختارت جانب الضرب فى المدارس والدروس الخصوصية وطفقت تعالجه وتحاول أن تتوصل منه إلى سبب أزمة التعليم
ويؤسفنا أن نقول أن الدراسة ما كان لها أن تصل لنتيجة واقعية أبدا !
لماذا ..
لأن أزمة التعليم فيها مسببات رئيسية , وأخرى فرعية ,

والدراسة ركزت فى الفرعيات وطفقت تبحث عن تأثير الضرب وتأثير الدروس فى عملية التعليم دون أن تنتبه أو ينتبه المشاركون فيها من الأصل لجوهر القضية ..
أين هو هذا التعليم أصلا , والذى تنعى الدراسة تأثره بالعوامل التى تحدثت عنها ؟!
لا يوجد تعليم أصلا فى مصر حتى يمكن أن نتباحث ونتداول المؤثرات السلبية عليه يا سادة ,
فهذا الموجود فى المدارس ليس تعليما والناجحون والراسبون فيه ليسوا طلابا
بل مجرد آلات ميكانيكية تم تدريبها على فن إجابة الإمتحانات .. لكنها لم تتعلم شيئا ولن تتعلم وفق هذا النظام القائم الذى يدور محوره حول إجادة الإجابة فى اختبار آخر العام ثم رمى الكتب بعد ذلك !
ولعل أبرز الأدلة على ذلك :
أن مجموعة الطلبة الحاصلين فى الثانوية العامة منذ عام 95 على نسب مئوية فادحة تجاوزت المائة فى المائة !!
هؤلاء الطلبة عندما دخلوا الجامعات لم يسمع بهم أحد ,
مع أنه من المفروض أن مستوياتهم العلمية التى أهلتهم لتحصيل هذه النسب الخرافية التى لم يتمكن منها زويل ولا حتى أينشتين , المفروض أنها تؤهلهم ليكونوا عباقرة فى جميع المجالات !
فلم يخرج منهم عبقري أو شخص غير تقليدى حتى يومنا هذا !
وظلت العبقريات المصرية حكرا على الأجيال الماضية فقط والتى كان سقف نجاحها لا يتجاوز نسبة السبعين أو الثمانين فى المائة
وهناك بحث ميدانى قامت به مجلة الشباب المصرية قبل سنوات تتبعت فيه أوائل الجمهورية فلم تجد منهم أحدا برز أو تفوق فى الجامعة كما كان بارزا فى سنوات التعليم الأساسي
وهو أمر طبيعى
لأن التعليم الأساسي مجرد تلقين وتديب ميكانيكى ليس مهمته أن يتعلم الطالب منه شيئا أو يكتسب الخبرات الأولية بالتراكم بل مهمته الأصلية أن يحفظ الطالب أكبر قدر من الأسئلة والأجوبة وبعدها يصب ما حفظه فى قوالب الإجابات ويخرج بنسبة مئوية كالتى رأيناها ونراها !
والتعليم المصري فى انحدار مستمر منذ ثلاثين عاما , وتلاشي منه العلم شيئا فشيئا , ثم تدخلت البرامج الأمريكية بعد تغير السياسة المصرية من الشرق إلى الغرب ليصبح التعليم فى مصر تحت رعاية هيئات استشارية أجنبية
!
قامت بنفس الدور الذى قامت به إنجلترا فى التعليم المصري فى بدايات القرن العشرين عن طريق وزيرها الشهير دانلوب
عندما فرض سياسة تعليمية هدفها الرئيسي إبعاد اللغة العربية والثقافة العربية عن مناهج التعليم
وتم بالتدريج عملية تجريف لأى قيمة علمية موجودة فى المناهج لا سيما القيم الدينية والتاريخية واللغوية !
وتم تبسيط المطلوب من الطالب إلى أقصي درجة وفرض اللغات الأجنبية منذ أول عام دراسي له وانهاء القيمة العلمية لعلوم الشريعة واللغة حتى وصلت درجة الإنحطاط إلى أن بعض طلبة الإعدادية والثانوية لا يجيدون الكتابة بالعربية أساسا !
مجرد الكتابة فضلا عن قراءة القرآن أو علوم الإعراب !
والمواد التى يدرسها طالب اليوم فى اللغة والدين عبارة عن وريقات لا تغنى شيئا ولو قارناها بما مضي سنجد أن طلبة الإبتدائية منذ نصف قرن كان مطلوبا منهم حفظ القرآن كاملا فضلا على دراسة ألفية بن مالك فى النحو قبل الإنتقال للمرحلة الثانوية وفى الأدب يدرسون المنتخب فى أدب العرب أحد المراجع الثقيلة فى تاريخ الآداب العربية
وفى الجغرافيا يدرسون جغرافيا الوطن العربي كله فى المرحلة الأساسية
وفى التاريخ يدرسون التاريخ الإسلامى ويليه التاريخ الحديث ثم المعاصر
هذه هى المناهج التى أخرجت عبقريات مصر فى العلوم والآداب والفنون
فظل التخفيف والتجريف مستمرا حتى انتهى الدين كمادة دراسية من الأصل سواء باستبعاده من المجموع الكلى أو بانهاء وجوده من الأصل واستبداله بمادة علمانية تسمى مادة الأخلاق !
أما اللغة والنحو فحدث ولا حرج !
فطالب الثانوية المتفوق اليوم يستحيل عليه أن يعرب جملة واحدة خارج المنهج الذى تدرب عليه ولا يستطيع التفرقة بين الحرف والفعل والاسم
!
وفى بقية المواد مورست الضغوط لتخفيف القيمة العلمية فيها , ومن يتأمل مناهج اليوم ويقارنها بما كان عليه الحال منذ نصف قرن يتعجب حقا !
فما كان مقررا على طلبة المدارس الإبتدائية من علوم ورياضيات تجده اليوم هو مقرر طلبة المدارس الثانوية !

[COLOR="rgb(85, 107, 47)"]هذا بخلاف نقطة فى منتهى الخطورة ..

وهى إنهاء ظاهرة التعليم التراكمى , بمعنى أن الطالب ينسي تلقائيا كل ما درسه خلال العام الدراسي بمجرد الإنتهاء منه والإنتقال إلى العام الذى يليه
وهو ما لم يكن يحدث بالطبع فى الماضي حيث تظل المناهج تتراكم وتتوسع فى نفس الإطار بحيث يكون الطالب مطالبا بكل ما سبق له دراسته فى الأعوام السابقة وهو المفهوم الحقيقي للتعلم
ولاحظوا أننا لم نتحدث إلا عن التعليم نفسه , وأهملنا ما تبع ذلك من ظواهر مخزية حيث تحولت المدارس إلى أوكار عصابات وأصبح المدرسون والمعلمون يجالسون طلبتهم فى المقاهى ويقيمون معهم علاقات شخصية !
وأصبحت الدراسة عبارة عن صفقات مالية يؤديها الطالب للمدرس كى يلقنه ما يصبه فى ورقة الإمتحان والتى تجيئ بفعل الضغوط السياسية عبارة عن إمتحانات تكاد الأسئلة فيها أن تجيب نفسها !
منتهى الاستخفاف والسهولة ومن المستحيل أن تجد امتحانا واحدا يمكن أن نحكم عليه بأنه امتحان به بعض الجدية

فكان الواجب على صاحب الدراسة أن يبدأ فى البحث عن الأساس أولا ليعرف هل يوجد لدينا تعليم أصلا أم لا , قبل أن يصرف جهده فى دراسة المؤثرات
لا سيما وأن هذه المؤثرات عبارة عن تدبير إعلامى متقن هدفه الوحيد نزع احترام المعلم من قلب الطالب ولهذا وجدنا الإعلام ينشر بتوسع شديد كل حادثة ضرب شاذة وقامت الدولة بسحب كل الصلاحيات التى يمتلكها المعلم ليكتسب الهيبة أمام طلبته
وهى الهيبة التى كانت أجيالنا تتفوق بسبب احتفاظها بها ,
فعميت جماهير الناس عن الهدف الحقيقي وقبلت تلقينها بأن المدرسون كلهم متوحشون وهاتكى أعراض , وكانت النتيجة أن أصبح المدرس فى أضعف موقف والطالب فى أقوى موقف فانتهت العلاقة بينهما بطبيعة الحال
وقد عاشت المدارس طيلة عشرات السنين وفيها المدرس يمتلك حق تأديب الطالب ولو بالضرب غير المبرح وذلك بتشجيع من أولياء الأمور نظرا لأن الطلبة فى السن الصغيرة من المستحيل أن تلتزم بشيئ لو لم يكن هناك عقاب وردع
والشيخ الشعراوى مثلا حكى فى أكثر من مناسبة كيف أنه كان يهرب من مدرسته ويريد العمل فى حقل والده وأذاق والده الأمرين حتى استقام , وضربه شيوخه فى سائر سنوات دراسته ,
ومع ذلك خرج العالم العلم الشعراوى
وبمثل هذا تربت كل الأجيال التى أخرجت عظماء الأمة ولم يعتب أو يستنكر آباؤهم أن يضربهم المدرسون طالما كان فى الضرب حدود معقولة ,
وهو أمر طبيعى للغاية كما قلنا وبغيره تفسد العملية التعليمية لأن الأطفال ـ بطبيعتهم ـ من المستحيل التعامل معهم بالإقناع لأنهم لا يعرفون إلا سياسة العقاب أو التشجيع والترغيب
ووفقا لسياسة مرسومة تم نزع هيبة المعلم ونزع سلطاته ثم نزع شخصيته بعد ذلك عن طريق التضليل الإعلامى كما قلنا , وعن طريق التضييق المتعمد فى دخول المدرسين لكى لا يجد المعلم قوته فيمتهن الدروس الخاصة رغما عن أنفه !!
والكارثة الكبري أن الجماهير لا تعرف أنها خاضعة لعملية تضليل منظمة ومرسومة ,
ولا تدرك الغالبية العظمى أن احتفاء وسائل الإعلام بحوادث الضرب الفردية التى لا تتعدى واحد فى المائة ألف إنما تهدف بذلك إلى تعميم وتنفير الناس من الأسلوب القديم الذى أخرج الأجيال من قبل
دون أن يقف أحد منهم ليسأل نفسه عدة أسئلة منطقية
لماذا خرجت العبقريات من القدامى ولم تخرج من المعاصرين رغم أن القدامى تعرضوا لمنهج الضرب كقاعدة أساسية ولدراسة مناهج علمية ثقيلة ؟!
المفروض ـ طبقا لما يروجه المغرضون ـ أن الأسلوب القديم فى التعليم يورث العقد النفسية , والأسلوب الجديد يورث العطاء والألمعية ,
فأين هذا الفرض من نتائج الوقائع ؟!

الأمر الأكثر خطورة ..
أن نزع هيبة المدرس والمدرسة من قلب الطالب تسبب فى انتشار الإنحلال الخلقي لدرجة مروعة , وبينما كانت الأجيال القديمة إذا رأت المعلم مارا بشارع مجرد مرور تترك الشارع كله هيبة واحتراما له ..
وجدنا الأجيال الحالية تتبادل السجائر والمخدرات مع مدرسيهم !
وبعد أن كانت أجيالنا السابقة لا يجرؤ الطالب فيهم أن ينظر مجرد نظرة إلى زميلته فى المدرسة وإلا ناله العقاب فى المدرسة وفى البيت أيضا
أصبح الحال فى عالمنا اليوم ما تشير به الإحصائيات من وجود آلاف من حالات الزواج العرفي بين طلبة المدارس الثانوية والإعدادية !!
والأنكى والأشد إثارة للغيظ أن ملتقي العشاق هو نفسه أبنية المدرسة التى كانت تنظر لها الأجيال السابقة كما تنظر للكعبة !
فليتنا ندرك



[/COLOR]