عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
13

المشاهدات
5760
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
11-28-2014, 12:31 AM
المشاركة 1
11-28-2014, 12:31 AM
المشاركة 1
افتراضي للآلئ ريم و ماسات موباسون
لآلئ ريم وماسات موباسون

خرج من ورشة ريم بدرالدين نص فاخر عنونته بإشارات لؤلؤية مصرة على وصفه بمشروع قصة قصيرة ربما لكونه لا يستجيب حسب رؤيتها لأدبيات القصة القصيرة في الأدب الحديث ، وقد ارتأت أن لآلئها في حاجة إلى إعادة تركيب في عقد يستجيب لفتنة القصة القصيرة ، ذات البعد الشعري و القوام المكثف والمنسجم ، وتملك كل مقومات صياغة النص وفق تلك الأبعاد مع الحفاظ على مركزية الفكرة و متانة الوحدات البنائية .

عندما قرأت النص كانت قلادة جي دوموباسون تتلالأ ماساتها على مقربة من عيني ، و رجعت بالذاكرة إلى ماساتها الساحرة الوضيئة في عنق ، بطلة النص وهي ترقص في ليلتها الباذخة مع البارونات ، حلم جميل مر على عجل تاركا البطلة تعود إلى واقعها المرير الذي تأزم تأزما حقيقيا .

انطلقت ريم من ليلة الزفاف حين أشعت لآلئ بطلتها مطوقة عنقها ممتطية فستان البهجة ، ليكون بعدها العقد عنوان وجودها فبه تشرب نخب السرور كما به تحلي مرارة الشدائد متعطرة بالماء . قبل أن يناله نوع من التجاهل الملفوف بالاحترام والتقدير ، و من ثم يسكن علبة فاخرة كما سكنت قفصها الذهبي ، دون أن تنقطع الصلة بينهما ، حيث يتم تجديد الرابطة المتشكلة بين البطلة وعقدها رغم ما يثيره اللقاء من شجن ، فهذا اللقاء الحميمي تعكره رائحة العلبة التي تصيب البطلة بنوع من عدم الرضا . و في غمرة تلك المفارقة رجحت كفة العقد فارتبطت البطلة بالعقد والرائحة معا .

القاصة لم تقف عند هذا الحد ، بل مددت زمن النص ، لتصل إلى بغيتها الرمزية ، فترى عقيق العقد كمحطات تاريخها و وجودها ، فهو ذلك الرفيق الذي ينصت و يستوعب فيرسل إشارات دعم و مؤازرة . لكن ظهور الحلي الذهبي الذي لا مناص من القبول به لأنه ثمرة عمر و ثمرة كد متواصل زعزع أركان العقد فأطلق آهات كإشارة لتحول خارج عن السيطرة . بل عندما همت بإعادة الألق إليه و تلميع صورته بماسات انكسر و زاغت حبات اللؤلؤ ومعها انطفأت رغبتها في الحياة .

قد يكون عقد ريم بدر الدين مختلفا نوعا ما مع قلادة موباسون الذي يحكي عن امرأة شابة جميلة محبة للحياة لم تسعفها طبقتها الاجتماعية للظفر بزوج ميسور فاضطرت لتبني حياتها مع موظف ، و لحضور حفلة فاخرة مع النبلاء اضطرت لاستعارة قلادة ماسية عند صديقة حالفها حظها ، لكن حفلتها انتهت بمأساة ضياع العقد فاضطر زوجها للاقتراض و تأجيل كل الأحلام ليوفر ثمن القلادة . فكانت العشر سنوات الموالية تقشفا ومهانة في سبيل دفع تذكرة ليلة واحدة ، لتفقد الزوجة رقتها وملاحتها معا بل شاءت الصدف أن تلتقي مع صديقتها الميسورة التي لم تتعرف عليها إلا بعد أن ذكرتها بهويتها ، فتأسفت لما أصابها من ضمور ، ففسرت لها سبب ذبولها، لتصفعها بحقيقة أن العقد الذي استعارته منها لم يكن حقيقيا بل كان مجرد نسخة زائفة من القلائد الماسية .

الحياة عند موباسون زائفة تماما فكدّنا و بذلنا لابد أن يأتي يوم نراه فيه مجرد تفاهة ، فالمعاناة كفيلة بجعل كل ذي قيمة شيئا تافها في النهاية ، فكثيرا ما أغرتنا وأغوتنا أشياء و رحنا نلهث وراء سرابها الواضح . فطبيعة موباسون الناقدة و هيمنة رؤيته الرافضة و القلقة جعلته يسبر الواقع في نصوصه وخاصة تلك التي تحمل رشة سخرية فتجعلها جذابة و قوية جدا .

ريم بدر الدين تعطينا الحياة بمنظار مختلف نوعا ما دون أن تجعلها ذات قيمة حقيقية ، فتجعلنا نساير و حتى نقبل بانعطافاتها و نتحاور معها ، رغم أننا في الأخير سنغادرها غير راضين ، وغير قادرين على كبح اندفاعها نحو التجديد المتواصل الذي يعطي للخلف إمكانية الإرتقاء و الإحساس بالوجود.
حب الحياة حاضر بقوة في هذا العمل ، الرغبة في التطور الرغبة في الفعل ، إعطاء قيمة للحب ، فريم تقول أننا رغم الحقيقة الزائفة للحياة و كون الموت لها بالمرصاد ، فلا بأس أن نقتنص منها الممكن ، ولو أن لوعتها أحيانا مؤذية و رائحتها كريهة ، و التقدم في العمر يصيب الرغبة فيها بهشاشة ، لكن هذا لا يمنع من إتمام الرسالة .

موباسون قيد بطلته بأحلام كبيرة ليكسر ليونتها ورقتها و يخرجها من طبيعتها و مرغ كبراءها في وحل البؤس والشقاء ، ليؤكد على حقيقة الحياة الزائفة . بينما ريم بدرالدين جعلت الزواج رباطا جميلا رغم أن الملل قادر على فعل فعلته لكن لا يجب أن نستسلم بل نحافظ على الحد الأدنى من إنسانيتنا ، فهي ترسخ أن الحياة ليست مفروشة بالورود والأحلام فيها يمكن أن يطالها القدم و يفرغها من ألقها و التجديد أمر آت لا محالة ، وقدرتنا على تقبله ليست دوما ممكنة ، و انهزامنا أمامها أمر واقع في النهاية .

أكتفي بهذا القدر رغم أن طبيعة النص الواقعية و نفسه الفلسفي و روحه المتحولة تغري بالمواصلة .

على العموم هذا النص ليس عاديا أبدا .