عرض مشاركة واحدة
قديم 07-15-2019, 06:14 PM
المشاركة 26
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)
(9)

بالخارج كانت الفوضى ضاربة بأطنابها كما هو متوقع..
عربات محترقة، وجثث متفحمة، وأدخنة تتصاعد لعنان السماء التي مازالت تجوبها الطائرات التي شاركت في دك القاعدة.. هناك عربات مدرعة لا يوجد عليها شعار النخبة تنتشر في المكان.. وتتخذ مواقع لها.. وأخرى تقوم بإنزال جنود مقنعين، أخذوا يتحركون بتلقائية وسرعة لإحكام السيطرة على كل شبر من أرض القاعدة..
ولم يكد حسن وليلى يطلان برأسيهما من وسط الركام، حتى فوجئوا
بالصيحات الهادرة تأمرهم بالتوقف والاستسلام..
رفع حسن كفيه مستسلماً، وصاح :
ـ نحن مدنيان..
لم يبد على الجنود المقنعين أنهم سمعوا شيئاً، وظلت المدافع الرشاشة مصوبة إلي رؤوسهم في تحفز.. رأى حسن من مكانه أحد الجنود يعتلي برجاً ليزيل من عليه شعار القرد والخنزير، ويضع مكانه شعار الرفاق الجديد !.. صورة رمزية لقط وفأر تحتهما عبارة:
) المجد الحقيقي للرفاق )
وارتجت القاعدة كلها بهتافات النصر المدوي.. أما حسن فقد حمد الله على أنه لم ينضم للمتمردين..
كان بعض الجنود قد خلعوا أقنعتهم مطمئنين، ثم استلوا مديهم وأخذوا يدورون بين جثث القتلى.. أشاح حسن بوجهه متوقعاً ما سيحدث من واقع خبراته العسكرية.. كانوا يفعلون هذا دائماً مع أعداء النخبة.. التمثيل بجثث الأعداء عادة محببة للجنود المنتصرين.. وهؤلاء لم ينسوا بعد ما تعلموه من خلال خدمتهم في جيش النخبة الأممية.. لاحظ حسن في أعينهم نظرة شهوانية لا تخطئها عين.. نفس نظرة عين الضابط النخبوي وهو مقبل على تعذيبهما في القبو..
من كان يتصور أن ذلك الضابط السادي وجنوده، صاروا الآن جثثاً يتم العبث والتمثيل بها بلا حول ولا قوة..
كان الجهد والإعياء قد بلغ من حسن وليلى مبلغه، والجنود لا يتفاهمون إلا بالمدافع.. لم يرهم يتبادلون الكلام فيما بينهم إلا فيما ندر، فمعظم تفاهماتهم إشارات بالرأس والسلاح..
ثم وصلت أخيراً سيارة عسكرية هبطت منها رتبة عسكرية كبيرة..
هرول إليه أحد الضباط وأعطاه التحية العسكرية، ثم مال على أذنه وقال شيئاً.. أنصت صاحب الرتبة لكلام الضابط وعيناه تمسحان كل شبر في القاعدة.. قبل أن تتوقف عند حسن وليلى..
هز رأسه متفهماً، ثم اتجه ناحيتهما بخطوات واثقة..
ـ أخفضاً أيديكما..
لم يصدق حسن وليلى الأمر في البداية.. لكن أيديهما المتصلبة صدقت وانصاعت للأمر قبلهما.. تقدم الضابط الكبير من حسن وظل ينظر في عينيه بثبات مقلق.. حسن لا يذكر أنه خدم مع هذا الوجه من قبل.. لكن عيني الصقر التي تحدقان فيه الآن، لا يمكنها أن تنسى الوجوه بسهولة.. لكن فجأة وبلا مقدمات، مد الضابط الكبير كفه مصافحاً حسن بحرارة.. ابتلع حسن ريقه وجسده كله يرتج من أثر خضخضة المصافحة.. وتمنى من قلبه ألا يقرر مصافحة ليلى حتى لا ينخلع ذراعها في يده..
سأله الضابط الكبير هل هناك مدنيين غيركم بالقاعدة؟ فقلب حسن شفتيه بمعنى أنه لا يدري بالضبط..
ـ لم أر هنا سوى جنود النخبة..
سأله عن ظروف اعتقالهم، فحكى له حسن قصة خروجه للصيد مع ابنته، وكيف اخترقوا النطاق المحظور للقاعدة بالخطأ فتم اعتقالهم.. استمع له العسكري الكبير باهتمام شديد حتى انتهى، ثم هز رأسه بوقار وقال:
ـ لا بأس.. أنتم أحرار الآن .. والعالم كله في سبيله للتحرر من قبضة الطغاة ..
حاول حسن أن يبدو متحمساً مثله وهو يفرك جبينه بإرهاق قائلاً:
ـ في الصحراء حيث أعيش.. يوجد الآلاف من البدو بانتظار من يشعل لهم شرارة المقاومة.. أعتقد أنني قادر على جلبهم للانضمام إلى صفوفكم..
ابتسم الضابط الكبير وشد على يد حسن مرة أخرى قائلاً :
ـ سنوفر لك سيارة تنقلك إلى المكان الذي تريد..
قال حسن في شرود :
ـ فقط أريد سيارتي ..

***

فكر حسن وهو يقود سيارته المكشوفة عبر دروب الصحراء.. ما الذي سيكون عليه شكل العالم غداً؟
هل سينجح المتمردون فعلاً في القضاء على النخبة التي تدير العالم؟ أم ستستمر بينهم المنازعات والحروب على حساب البشرية؟..
هل سيتغير العالم برحيل نخبة ومجيء أخرى؟ ..
) ثوار اليوم طغاة الغد..)
هذه العبارة كانت ترن في أذنه بقوة وهو يستمع لذلك الضابط الكبير في القاعدة..
هل هناك فارق بين جنود النخبة والمتمردين عليها.. ربما كان الفارق الوحيد بينهما في الرمز والشعار..
من حسن حظه أنهم قد أبقوا على حياته تبعاً لحكمة :عدو عدوي صديقي..
سألته ليلى :
ـ هل ستعود إليهم كما ذكرت ؟
ابتسم في شرود، ثم رد سؤالها بسؤال :
ـ ما رأيك ؟
ـ لن تفعل .. كنت تخدعهم فقط ..
رمقها بنظرة جانبيه، ثم عاد يركز على الطريق.. بينما ظلت هي ترمقه بثبات.. إنها تحب تعبيرات هذا الوجه المنهك.. خصوصاً حينما يبدو عليه التأثر.. يبدو نبيلاً مغترباً تهفو نفسه إلى وطن..
سألته :
ـ ما هي خططك المستقبلية ؟
الإجابة كانت مرسومة هناك في خياله منذ فارقا القاعدة ..
سيعيد بناء كوخه الذي احترق.. سيحاول تعويض ليلى عن حياة التشرد التي عانتها مع العصابات.. من يدري.. ربما وجد لها زوجاً شاباً من البدو كذلك..
لقد تعلم أن الحياة يمكنها أن تبتسم فجأة وفي أحلك الأوقات ..
ومهما كشر لك المستقبل عن أنيابه، فالأمل في أن يكون الغد أفضل لا ينقطع .. حتى وإن كان هذا الأفضل على مستواك الشخصي..
فللكون سننه التي لا تتبدل ولا تتغير..
كررت سؤالها.. ماهي خططك المستقبلية؟.. فانتبه من شروده والتفت إليها قائلاً :
ـ المستقبل يا ليلى.. قطعة من الغموض المقلق والمثير..
قالت بعد تردد:
ـ أنا.. أنا خائفة.
هنا شاعت على وجهه ابتسامة حزينة وهو يهمس :
ـ الآن نضجت يا ليلى!

***

فارس وحيد جوه الدروع الحديد..

رفرف عليه عصفور وقال له نشيد..

منين .. منين.. و لفين لفين يا جدع..

قال من بعيد.. و لسه رايح بعيد..

***

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..