عرض مشاركة واحدة
قديم 07-14-2019, 04:20 PM
المشاركة 25
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)
(8)

فكوا قيده وأوقفوه في مقابلة التابوت.. هنا رأى النصال الحادة التي تبرز من جوانبه، وفي القاع صورة لامرأة فاتنة ..
يقوم هذا التابوت بالإطباق على الضحية في عناق حميم دامي تمزق النصال فيه كل شبر من الجسد..
قال الضابط النخبوي لحسن ساخراً :
ـ بالرفاء والبنين..
تمايل الجنود على بعضهم البعض كالسكارى وهم يضحكون..
بينما ليلى تصرخ:
ـ اتركوه يا حثالة..
التفت إليها الضابط قائلاً في نشوة :
ـ سبي أكثر يا لوسي.. تعرفين أن هذا يثيرني..
ثم اقترب من حسن وهمس في أذنه:
ـ إنني أتساءل.. ما هو إحساسك وأنت مقبل على هذا المصير البشع؟
التفت إليه حسن بوجهه، فتلاقت أعينهما للحظات، شعر خلالها بمدى تلهف الضابط على الإجابة.. لعله سأل هذا السؤال لكل من مرو من قبله على السيدة الجميلة..
ـ أشعر أنني مقبل على التحرر من هذا العالم الغريب..
تنفس الضابط بعمق وهو يرمقه بعينيه الميتتين..
ـ لن يكون الأمر سريعاً.. سيمضي أبطأ مما تتوقع..
ـ لقد تعذبت لسنوات طوال.. لن يضيرني ساعة أخرى..
ـ أنت رجل شهم وشجاع وحكيم..
ووضع يده على عاتق حسن وهو يردف :
ـ وهذا ربما أفادك في العالم الأخر.. لكن هنا..
هنا دوى صوت إنذار جعل الضابط يبتلع عبارته ويلتفت للجنود الذين أرتج عليهم بفعل المفاجأة.. كأنها أول مرة في حياتهم يسمعون صوت أجهزة الإنذار .. صاح بهم الضابط:
ـ ألم تسمعوا الإنذار؟..
انتفض الجنود منتبهين واندفعوا عبر الباب مسرعين.. بينما التفت الضابط لحسن وقال في مقت :
ـ أنت أكبر وغد محظوظ قابلته في حياتي ..
ثم تركهم ومضى مغاضباً خلف رجاله.. وانغلق الباب خلفهم بدوي هائل ثم ساد الصمت.. لا شيء سوى صوت صفارات الإنذار الممض يثير الأعصاب ويشتت التركيز..
قالت ليلى وهي تتهانف :
ـ أنا لا أريد أن أموت.
ـ لم يحن أجلنا بعد يا ليلى..
قالها حسن وهو ينظر ليديه الحرتين.. لقد نسوا تقييده في غمرة فزعهم.. اقترب من ليلى وهو يحجل على ساق واحدة ، و بدأ يعالج قيدها وهو يقول:
ـ لا أريد أن أصدق هذا.. لكن يبدو أن العالم بالخارج يتغير..
هنا دوي صوت انفجار شديد ارتجت له الحجرة وصرخت لوسي في لوعة..
ـ هل قامت الحرب؟
ـ ربما..
لم يفلح في فك قيدها فأعانها على القيام وهو يردف :
ـ لنستعين بتلك الآلات المرعبة في فك قيدك..
تناول أداة حادة، ربما كانت تستعمل في سلخ الضحايا المساكين يوماً ما، وجعل يعملها في قيدها من وراء ظهرها..
ولم تكد تحرر يديها حتى دوى انفجار ثان جعلها تقفز متعلقة بحسن..
ـ المكان سينهار فوق رؤوسنا..
ـ نحن في قلب قبو أسفل قاعدة عسكرية.. اطمئني إنه قبر ممتاز..
دوي الانفجار الثالث وكان أعنف من سابقيه، فصاحت ليلى وهي تتشبث بحسن أكثر:
ـ لا أريد أن أدفن هنا!
هدأها واتجه لفحص الباب.. قال:
ـ سأعرف كيف أفتح هذا الباب وسنغادر..
قالت في ذعر :
ـ سيقتلوننا لو فررنا..
نظر لها في غيظ فأدركت مدى غباء عبارتها ..
هنا سمعوا صوت طائرات تحوم فوق المكان.. بعدها تتابعت أصوات انفجارات متتالية..
سألته :
ـ ما الذي حل بالعالم الخارجي؟..
قال وهو ينظر لآلات التعذيب بتركيز :
ـ هناك قوات منظمة تهاجم قاعدة للنخبة.. المتمردين على الأرجح..
ـ وهل هذا جيد؟
نظر لها في حيرة .. ولم يدر ما يقول..
ـ قد يكون جيداً إلى حد ما.. لقد أخر نهايتنا على الأقل.. لا ندري من الذي سينتصر بالخارج.. ربما عاد جنود النخبة ليواصلوا ما بدأوه معناً..
ارتجفت لسماع عبارته، أما هو فكان قد استقرت عينه على أداة بعينها..
ـ لحسن الحظ لدينا هنا ألف طريقة لفتح هذا الباب..
وتناول مطرقة عملاقة معلقة على الجدار ، ثم ثبت سيخاً حديدياً عند موضع المزلاج وبدأ يدقه بالمطرقة.. بعد مزيد من الجهد والعرق وتسلخ الكفين استسلم الباب ..
وعبره حسن وليلى وهما يتحسسان مواضع الأقدام..
تساءلت لوسي وهي تنظر لسقف القبو الذي يهتز بفعل الحرب الدائرة:
ـ ترى من الذي سيربح المعركة؟.. النخبة أم من خرج عليها؟..
قال وهو يثب بصعوبة فوق درجات السلم الحلزوني معتمداً على السيخ الحديدي :
ـ لا أجد فارقاً كبيراً .. سترحل نخبة وتأتي أخرى وأعوانها ..
ـ أنت متشائم؟
ـ بل أنا أحاول أن أبدو متفائلاً من أجلك..
وصلا لنهاية السلم فوجدا نفسيهما في قلب ذلك الممر الذي يفضي للغرفة التي احتجزوهم بها.. وفي نهايته باب الخروج الرئيس.. لكن الخارج لا يبدو مشجعاً للخروج أصلاً..
هنا رأوا أحد الجنود يغادر الغرفة التي احتجزا بها فالتصق حسن بالجدار ووضع كفه على فم ليلى.. لكنه وقف موليهم ظهره..
كان ينشج..
إنه خائف مثلهم مما يجري بالخارج..
وضع حسن سبابته على شفتيه في إشارة واضحة لليلى كي لا تنبس ببنت شفه.. إنه يكره ما سيفعل .. لكنه مضطر له.. سيهاجم ذلك الجندي من الخلف بالسيخ الحديدي الذي حمله معه من مقتنيات حجرة التعذيب.. سيحصل على سلاح الجندي و.. عينا لوسي المتسعتين قالت له بوضوح :هذا خطر جداً.. لكن عيناه قالتا لها : اطمئني بالاً يا صغيرتي.. سينتهي كل شيء في ثوان.
أشار لها أن انبطحي أرضاً، كي لا تكون في مرمى نيران الجندي لو فشل هو في السيطرة علية، لكنه لم يكد يخطو خطوتين حتى استدار الجندي ناحيته وهو يشهر في وجهه مدفعه صارخاً:
ـ مكانك!
قالها ثم أطلق النار مباشرة دون أن ينتظر.. كان منهاراً تماماً وقد فقد التحكم في أعصابه.. وكان حسن مستعداً لهذا منذ البداية، فانبطح أرضاً بحرفية عالية لتمرق الطلقات من فوقه، بينما أخذت ليلى تصرخ كصفارة الإنذار وقد وضعت كفيها على أذنيها بسبب شدة دوي الرصاص في الممر.. الخطوة التالية هي أن يقذف السيخ الحديدي تجاه الجندي بكل قوته.. لكنه يدرك جيداً أن مهما بلغت سرعته فلن تسبق طلقات السلاح الألي..
هنا جاء الحل من فوق..
دوى انفجار ارتج له الممر بشدة، وتبعه انهيار جارف للسقف في الموضع الذي يقف فيه الجندي..
حينما انقشع الغبار، أدركا أن الانهيار قد دفن الجندي تحته..
لكنه سد عليهما الممر بالركام..
ـ ليلى.. هل أنت بخير؟
قالت وهي تسعل :
ـ لا أدري..
قال لها :
ـ كنت أخشى مغادرتنا للخارج أصلاً.. ربما كان هذا أفضل لنا حتى تهدأ الأحوال..
صاحت وهي ترتجف ذعراً :
ـ لكنني أريد أن أخرج من هنا..
كانت على وشك الانهيار.. نظر للفجوة التي أحدثها الانهيار في السقف ثم التفت إليها ومسح على شعرها المغبر بحنو..
ـ سنخرج يا ليلى.. لكن علينا أن ننتظر قليلاً حتى تنتهي الغارة..

***

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..