عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2010, 07:36 PM
المشاركة 67
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهمية الصوت كوسيلة اتصال


واللغة نظام بالغ التعقيد يتوسط بين مجموعة مقاصد وأغراض (المعنى المعرفي) مستخدم اللغة والبنى التركيبية الدلالية من ناحية ومجموعة الأصوات من ناحية أخرى. فاللغة تمكن المتكلم من تحويل أشكال الأفكار والمفاهيم إلى مبانٍ تركيبية دلالية، وتحويل هذه البنى إلى أشكال صوتية تتيح للسامع من داخل عقله تحويل هذه الأصوات مرة أخرى إلى نتاج صورة طبق الأصل للأفكار التي ابتدأ بها المتكلم. إن تحويل المعاني إلى أصوات يتيح للبشر نقل الأفكار من شخص لآخر. ويفترض أن للأفكار نوعًا من الوجود الكهروكيميائي في الجهاز العصبي (Noback and Demarest,1981). ومهما تكن الصيغة التي تتشكل بها الأفكار فإنها لا تنتقل من فرد لآخر بذلك الشكل وذلك لعدم وجود رابط عصبي بين شخصين منفصلين تمامًا ولعدم وجود معبر عصبي لغوي تستطيع الأفكار النفاذ من خلاله في شكلها الأصلي. وتوفر اللغة ـ مثلها مثل الأدوات التواصلية الأخرى ـ وسائل لردم هذه الهوة وذلك بتحويل الأفكار إلى وسيلة تمتلك المقدرة على الانتقال من جهاز عصبي مستقل إلى آخر غيره (Wilkinson, et al, 1974). لذا يعتبر البدء بالفهم الاستماعي في المراحل المبكرة من تعلم لغة منهجًا تدريسيٌّا قويـمًا لتعلم اللغات.

يمكن تعريف الوسيلة التواصلية بعدة طرق. ولأغراض هذه الدراسة البحثية فهي ناقل فيزيائي لمجموعات دلالية مجردة ذات معاني محددة. ويرتحل الناقل عبر الهواء بشكل جامد (أي الموجات الصوتية) ويوصل الرسائل المنتجة عن طريق مجموعات من الأصوات الجهرية والمهموسة إلى واحد أو أكثر من المشاركين في الكلام الذين يقومون بدورهم بمعالجة المعلومات المتلقاة عبر الأذن والتي توصلها إلى الدماغ والذي يقوم في وقت وجيز بفك شفرتها بطرق معقدة للغاية وعادة ما يتبع هذا الأمر استجابة شفهية موجهة إلى المرسل الأصلي والذي يصبح متلقٍّ للرسالة الجديدة التي قد تخدم أو لا تخدم أي أغراض تواصلية مفيدة اجتماعيٌّا أو ثقافيٌّا. لذا لا بد أن تكون الوسيلة التواصلية:

(أ) قابلة للمعالجة من قبل الأفراد الذين تأتي من عقولهم (أدمغتهم) الرسالة المراد توصيلها.

(ب) قابلة للفهم من الطرف المتلقي وذلك عبر وسيلة واحدة أو أكثر من حواس المتلقي.

بما أن القنوات المستخدمة في شتى أنواع التواصل الأساسي سواء أكانت بشرية أو حيوانية، تشمل كل وسائل الإدراك الحسية مثل: الصوت، البصر، والشم، وما شابه ذلك فإن للمرء أن يخمّن السبب الذي جعل من الصوت الوسيلة المستخدمة لنقل اللغة. وبإلقاء نظرة خاطفة على الأدبيات ذات الصلة يستطيع المرء أن يستخلص أن الجهاز السمعي المناسب لاستقبال الضجيج والصوت والذي يمكن بواسطته معالجة الصوت بشكل لطيف متوافر لكل الأسوياء من البشر. يظل عدد الأصوات المختلفة المتوفرة لنقل الرسائل صغيرًا للغاية مقارنة مع عدد وتعقد الأفكار المتنامية دومًا التي يستطيع الإنسان التواصل بها مع الآخرين.

من الواضح أن الصوت ـ من وجهة نظر عملية ـ يسمح ـ خلافًا للبصر ـ بالتواصل بغض النظر ما إذا كان المرسل والمتلقي على مرأى من بعضهما. وخلافًا لحاستي الشم والتذوق فإن السمع يتيح تنوعًا سريعًا ورائعًا في تدرجه مما يعتبر ضروريٌّا لنظام التواصل المعقد للغاية وخلافًا للمس وبعض استخدامات البصر الأخرى الشائعة فإن الصوت يعطي الحرية للأيدي لتفعل أشياء أخرى مع استمرار التواصل. ومن خلال مقدرة الأذن على اكتشاف الاتجاهات فإن الصوت يسمح للمتلقي أن يحدد (إلى درجة معينة) موقع المرسل.

إضافة إلى ذلك يمتلك البشر مقدرة خاصة على تذكر الصوت في ذاكرتهم قصيرة الأجل لفترة وجيزة بعد سماع الصوت ويستطيع السامع اختبار قدرته هذه بكل السهولة بملاحظة أن الكيفية التي قيل بها شيء تظل متاحة لثواني عديدة بينما أي شيء قد أبصر يختفي بمجرد زوال المحفز، ولم تنل هذه القدرة اللافتة للنظر رغم أهميتها في تعلم اللغات إلا قليلاً من الانتباه حتى يومنا هذا، غير أنها تمكن الإنسان من تذكر الأقوال اللسانية بشكل يسمح بمعالجتها ككل وليس كأجزاء متفرقة.

من المميزات الأساسية للصوت أنه ينتقل عبر الزمان والمكان في خط أفقي، ويتم توزيع الرموز في هذه الوسيلة بالضرورة على طول وعبر الأبعاد المكانية والزمانية، ولا بد أن تحدث إما تسلسليٌّا أو تزامنيٌّا فيما يخص بعضها بعضًا، والعائق الرئيس أمام الصوت في عدم دوامه، عدا فترة التذكر المختصرة المذكورة سابقًا، قد تم التغلب عليها خلال الألفية السابقة عبر تطور نظم الكتابة التي تكمل الصوت بوسيلة البصر، فعلى الورق ـ بالطبع ـ يوجد تمثيل عرفي لأبعاد الصوت المكانية والزمانية بالبعد الأفقي أو الرأسي للصفحة بحيث إن الرموز الكتابية وتعاقب الحركة من اتجاه آخر (من اليسار إلى اليمين في اللغة الإنجليزية على سبيل المثال) تمثل تدفق الصوت عبر الزمان والمكان.

وعليه فإن الصوت ينتقل من شخص إلى آخر أو آخرين من الموجودين داخل مدى الاستماع وعادة ما تتم إعادة تحويله داخل أجهزتهم العصبية إلى نوع من (صورة طبق الأصل) للمفاهيم الأصلية الموجودة في أذهان المتحدثين، وعادة ما تكون الصورة المطابقة للأصل (إعادة الإنتاج الفكري) غير مكتملة نتيجة للفروقات الحتمية بين الرصيد المفهومي لمختلف الأفراد وفقدان الانسجام الكامل بين نظمهم اللسانية (مما يمكن أن تكون نظمهم الثقافية كذلك)؛ ولكن حتى في تلك الحالة فإن اللغة تسمح مع ذلك بنقل المفاهيم من فرد إلى آخر بطرق لطيفة وفعالة بشكل ملحوظ.


يتبع ~ ~