عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2012, 04:35 AM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وقد راجت عدة أكاذيب حول موقعة صفين وبحق الصحابيين الجليلين عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان منها :
* أن عمرو بن العاص تحالف مع معاوية فى طلب الخلافة مقابل ولاية مصر , وهذا من الكذب الغير سائغ لأن أصل مطالبة معاوية بالخلافة ما ثبت من أى وجه فكيف يتفق معاوية مع عمرو على شيئ لم يتحقق أصلا ولا كان معاوية طالبا إياه فى حياة الإمام على أبدا
وعن أبي مسلم الخولانى أنه دخل على معاوية فقال له :
( أنت تنازع عليا أأنت مثله )
فقال معاوية :
( لا والله إنى لأعلم أن عليا أحق وأفضل بالأمر ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا بن عمه وأنا أطلب بدمه فاتوا عليا فقولوا له أن يدفع لى قتلة عثمان وأسلم إليه الأمور )
وتكمل الرواية ( فأتوا عليا فكلموه فأبي عليهم ـ أى رفض عرض معاوية ـ ولم يدفع القتلة ) " [4]"
هذا مع ملحوظة أن معاوية لم يبدأ بقتال أبدا ولم يخرج على الإمام علىّ بسيفه ولكن رهن البيعة بتنفيذ مطلب القصاص وهو حق مشروع كفله الله تعالى لولى الدم فى قوله تعالى
[وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}
أى أن لولى الدم سلطان فى مطالبته بحق القتيل , وهذا ثابت بحق معاوية ولم يجادل به أحد .

أما إن قيل أن معاوية ليس هو ولى دم عثمان على اعتبار أن أبان بن عثمان على قيد الحياة وهو أحق بدم أبيه فيرد عليه بأن التشريع الإسلامى فى القصاص جعل ولاية الدم رهنا بالقدرة لا بقرب القرابة , وبالتعبير الدارج أن ولى الدم هو كبير العائلة التى ينتمى إليها القتيل وهذا باتفاق الفقهاء كما نقل بن قدامه وغيره
أما بشأن عمرو بن العاص رضي الله عنه فهو أحد المهاجرين وأسلم طوعا وينسحب عليه من الفضائل ما ينسحب على سائر المهاجرين , وقد مدحه النبي عليه الصلاة والسلام فى قوله ( نعم المال الصالح للعبد الصالح )
وقال فيه وفي أخيه سعيد بن العاص ( ابنا العاص مؤمنان )
فهذا شهادة المعصوم عليه الصلاة والسلام بالإيمان والصحبة والفضل لعمرو بن العاص فاتح الشام ومصر , وتلك الشهادة لا تنقضها روايات الكذابين التى ادعت أنه باع دينه بدنياه
ومن المختلقات والكذب أيضا أن على بن أبي طالب طلب من معاوية المبارزة فأيهما قتل صاحبه صارت الخلافة إليه ,
وهذا طعن فى على رضي الله عنه أنه ينازع بالقتال على الخلافة , فواضعو هذه الروايات من الزنادقة لم ينتبهوا أنهم يسيئون إلى على بأكثر مما يسيئون لمعاوية حيث جعلوه فى معرض المنافسة الدنيوية على الخلافة ,
وتكمل الرواية المختلقة أن عمرو بن العاص هو الذى برز للإمام على وقاتله الإمام وهزمه فلما أحس عمرو بالهزيمة كشف عن عورته أمام على ليتركه ,
وهذا كله كذب صراح
وتلك الروايات تناسب أخلاق الأعاجم الذين وضعوا أمثال تلك الأساطير دون أن يدركوا طبيعة المجتمع العربي والذى كان فى الجاهلية فضلا على الإسلام يموت دون كرامته ولا يفقدها
فلما جاء الإسلام تمم تلك الأخلاق والمكارم , ولو جاز لنا أن نتصور حدوث مثل هذا الفعل من محارب عتيد مثل عمرو بن العاص لكنا بذلك نطعن فى شهادة النبي عليه الصلاة والسلام فيه , بالإضافة إلى أن هذا الفعل ما كان ليفعله عبد رقيق وليس رجل بمروءة عمرو بن العاص وكرامته واعتزازه
هذا فضلا على أن الإمام على لم يطلب مثل هذه المبارزة من الأساس وهى من مختلقات أبي مخنف

* من المختلقات أيضا أن معاوية بن أبي سفيان أمر بسب علىّ بن أبي طالب على المنابر وزادوا فى الرواية أن بنى أمية ظلوا مدة خلافتهم يسبون عليا رضي الله عنه سبعين عاما حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأبدل ذلك الأمر
وهذا من ناحية السند ساقط لا أصل له وأورده الشيعي المعروف أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه الأغانى , وهو كتاب مسامرات لا كتاب تاريخ يعتد به فضلا على خلوه من الأسانيد المتصلة أو الصحيحة بالإضافة لشيعية صاحبه
أما من ناحية المتن ,
فمشكلة تلك الروايات أنها تتفق جميعا فى ضحالة فكر من ألفها , فالذى ينظر إلى صحاح السنة يجد فضائل على بن أبي طالب رضي الله عنه ملئ السمع والبصر وهى مكتوبة ومروية فى العهد الأموى فكيف يسبونه على المنابر ويشجعون العلماء على إبراز تلك المرويات
هذا فضلا على أن الطاعنين بتلك الروايات يتجاهلون أن الإمام الحسن بايع معاوية بالخلافة راضيا وعهد إليه معاوية بولاية العهد فكيف جاز للحسن أن يسلم أمر المسلمين لرجل غير صالح فضلا على أنه يسب أباه ؟!
وثبت حتى من كتب الشيعة أنفسهم أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يفدان على معاوية كل عام فيستقبلهما بالإعزاز والإكرام , فكيف يستقيم هذا مع أمره بسب أبيهما , "[5]"
ثم أين بنو هاشم وأين الصحابة من هذا الفعل وهم الجيل الذين امتدحهم الله تعالى لأنهم يأمرون بالمعروف وينكرون المنكر !
إنما الثابت الصحيح أن السب كان من جهة الخوارج ومن جهة النواصب الذين تخلفت عنهم الفتنة

أما ما يستشهد به الشيعة اليوم من رواية صحيح مسلم أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص بسب علىّ
فهذا كذب والرواية فى صحيح مسلم لا تحمل أمرا من معاوية بالسب بل تحمل استفسارا حيث يقول معاوية لسعد
( ما منعك أن تسب أبا تراب )
فأجابه سعد بترديد فضائل على بن أبي طالب وانتهى الحوار إلى هذا الحد فالأمر كان استفهاما من معاوية عن إنكار سعد لسب السبابين فجاء جوابه بالسبب , تماما كما نسأل نحن فى عصرنا الحالى أى داخل جديد فى الإسلام :
( ما الذى دفعك للإسلام ؟ )
فالغرض معرفة السبب وإلا كان هذا السؤال بناء على مقاييس الرافضة يحمل أمرا للمهتدى بالردة عن الإسلام !
* ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صحابي ثابت الصحبة ويثبت بحقه من الفضائل , ما يثبت لسائر لصحابة فضلا على أنه كان من كتبة الوحى بين يدى النبي عليه الصلاة والسلام وصح عنه أنه قال عن معاوية :
( اللهم اجعله هاديا واهد به ) "[6]"
وقد حكم بلاد المسلمين عشرين عاما تمر كالبلسم فى تاريخ الإسلام ازدادت فيه الفتوحات واستقر أمر الدولة ,
وقد قيل لعبد الله بن المبارك ( من أفضل معاوية أم عمر بن العزيز )
فقال بن المبارك ( تراب فى منخرى معاوية مع رسول الله عليه الصلاة والسلام خير من عمر بن عبد العزيز )
وهذا لما فى فضل الصحبة من مكرمة جعلها الله سبحانه وتعالى حقا لهذا الجيل الفريد
أما أخطاؤه ,
فكان منها أن أخذ البيعة ليزيد من بعده وكان يظنه صالحا وكفؤا للأمر , ولكنه ما أجبر مخلوقا على البيعة لولده , بل عرض البيعة له فقبلها من قبلها ورفضها من رفضها وكان الرافضون أقل فانعقدت ليزيد ,
ويزيد كان فى حياة أبيه يختلف عن فترة حكمه كما ثبت من شهادة محمد بن على بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية , حيث كان يـُــظهر التقوى والصلاح وله سداد رأى , بيد أنه بعد توليه الخلافة ظهر منه نزوعه للدنيا , وهو من ولاة الأمر الفاسدين فى الخلافة
بعكس أبيه الذى ثبت فضله من أكثر من وجه ,
فهذه هى قصة الفتنة من وقائع مصادرها المحققة , بعيدا عن روايات التزييف المعهودة ,
وموقف أهل السنة والجماعة من خلاف على ومعاوية رضي الله عنهما هو الموقف الواضح أن ما جرى بينهما قتال بين طائفتين من المؤمنين , كان الحق فيه لعلى بن أبي طالب ومعاوية كان مخطئا فى اجتهاده ,
وأصل عقيدة السنة أيضا هو السكوت عما شجر بين الصحابة , ووضع ما بدر منهم فى الفتنة من أخطاء موضعها الصحيح , فنحن لا ندعى فيهم العصمة لكن بالمقابل نرفض تلويث هذا الجيل بروايات مختلقة تخالف الواقع وتخالف صريح القرآن
وولايته ضمن الفترة التى امتدحها النبي عليه الصلاة والسلام فى حكم المسلمين حيث كان معاوية أول ملوك الإسلام
فالحديث الصحيح يقول :
( تكون الخلافة بعدى ثلاثون عاما ثم تكون ملكا ثم تكون حكما وجبرية )
فالممدوح هنا كان الخلافة الراشدة والملك والذم ألحق فقط بالحكم التالى على ذلك ..

هذه باختصار حقيقة الفتنة الكبري ..
وحقيقة أحداثها التى ينبغي لأى مسلم اليوم أن يعيها وأن يعي من قبلها فضل هذه الزمرة التى جعلها الله سبيلا إلى بلوغ دينه إلى كافة أقطار الأرض ..

يتبع إن شاء الله




الهوامش :
[1]ـ المصدر السابق
[2]ـ البداية والنهاية لابن كثير
[3]ـ مرويات أبي مخنف فى تاريخ الطبري ـ مصدر سابق
[4]ـ رواها الذهبي فى تاريخ الإسلام باسناد صحيح
[5]ـ الشيعة وآل البيت ـ إحسان إلهى ظهير
[6]ـ فضائل معاوية ـ للشيخ محمد أمين الشنقيطى