عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2012, 04:19 AM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
( 1)
معجزة علم الحديث
( أعظم عملية مخابرات فى تاريخ الإسلام )

من المعروف بالطبع أن مجال المخابرات ـــ بسبب السينما والقصص ـــ لحقه تشويه رهيب تسبب فى أن نظرة العامة للمخابرات ورجالها نظرة بالغة السطحية وفيها من إنكار فضل هذه الأجهزة الشيئ الكثير ,
فى الوقت الذى تمثل أجهزة المخابرات بالنسبة لكل دول العالم تقريبا درعا لا يُستغنى عنه ومجرد الخلل فيه يهدد الأمن القومى للبلاد بشكل يتفوق على سائر أنواع التهديد حتى التهديدات العسكرية ,
يعود ذلك إلى أن أجهزة المخابرات هى العقل الإستراتيجى المفكر للإجراء السياسي بكافة أنواعه , وهى وإن كانت هيئة غير سياسية إلا أنها هيئة تتحكم فى القرار السياسي عن طريق تقديم سبل اتخاذ القرار ونتائجه وتترك الخيار للقيادة السياسية
وسبب الظلم والسطحية التى تتعرض لها أجهزة المخابرات يتمثل فى سببين :
الأول : طبيعة عمل المخابرات الذى يكون النجاح فيه قرين الكتمان التام ولا يكون الإعلان قرينا إلا للفشل
الثانى : ما سبق بيانه من أن السينما والأقلام القصصية أعطت انطباعا للعامة بل ولبعض الخاصة أن عمل المخابرات عبارة عن رصاص يتناثر , وطائرات تصطدم فى جو إثارة يمكن تصوره فى الحبكة الدرامية , لكنه ليس كذلك فى واقع المخابرات

فعمل المخابرات فى الأصل هو عمل هادئ بعيد عن سائر أنواع العنف وعندما يلجأ للعنف ـــ لطبيعة بعض العمليات ـــ فإن هذا العنف يتم تضييقه إلى أقصي الحدود
ويتبقي العقل المفكر والمحلل والمعلومات الدقيقة هى صلب مجال المخابرات , الذى يُخرج منها للقيادات السياسية نتائج مذهلة قد تغير مسار شعوب بأكملها , أو تقلب ميزان القوى فى العالم كما حدث فى الحرب العالمية الثانية التى شهدت من الضحايا ما يفوق ستين مليون شخص ومع ذلك كان الفيصل فى النتيجة النهائية لعمل العقول الذى سقطت فيه المخابرات الألمانية أمام المخابرات السوفيتية والبريطانية , وتغير مسار الحرب ضد الألمان والمحور رغم فارق القوة المذهل بين الحلفاء والمحور لصالح المحور ,
فألمانيا أسقطت أوربا بأكملها وحصرت بريطانيا داخل حدودها واستعدت لغزوها , كما ألهبت اليابان ظهر الإتحاد السوفيتى وأسقطت مستعمراته , بالإضافة إلى أن ألمانيا سبقت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى السلاح النووى وكان سباق التسلح لصالح الألمان بفارق خطوتين كاملتين ..
ومع ذلك وعن طريق عدة عمليات مخابراتية رئيسية للإنجليز والسوفيات تمكن الحلفاء من تغيير نتيجة الحرب لصالحهم فى غضون شهور تعد على الأصابع , وكان أخطر هذه العمليات :
* عملية تجسس بريطانية ما زالت تفاصيلها غائبة حتى اليوم , تمكنت فيها بريطانيا من إقناع هتلر ببدء عملية بارباروسا أو ذى اللحية الحمراء لغزو الإتحاد السوفياتى رغم أن هذا الأخير عقد اتفاقية عدم إعتداء وفرت لهتلر التحرك بحرية تجاه بريطانيا , ولم يقتصر الأمر عند هذا فقط بل ورطت المخابرات البريطانية هتلر وعن طريق نفس الجاسوس المجهول بأن يوقف القتال فجأة وهو على بعد أربعين كيلومتر من موسكو مما كان له الفضل فى نهاية عملية غزو السوفيات بعد أن دخل فصل الشتاء وتكفل الجليد السوفياتى بتدمير الجيش الألمانى ماديا ومعنويا
فى نفس الوقت وعن طريق عملية مخابرات لا تقل كفاءة أوهمت المخابرات البريطانية هتلر أنها لغمت شواطئها بغاز النابالم الحارق عبر براميل منتشرة بطول الشاطئ تحيله إلى جحيم لو حاولت البحرية الألمانية مهاجمة الشواطئ البريطانية "[1]"
وارتعد هتلر للفكرة وعدل عن مهاجمة الشواطئ البريطانية رغم أنها كانت مجرد خدعة متقنة فلم تتمكن بريطانيا من تنفيذها لاتساع شواطئها وإستحالة توفير الطاقة المطلوبة لذلك ,
* بعملية مخابرات أخرى متقنة وبأوامر شخصية من وينستون تشرشل رئيس حكومة الحرب قامت المخابرات البريطانية بتسريب معلومات غير صحيحة للمخابرات اليابانية عن نية الأمريكان الهجوم على اليابان فقامت اليابان وبمنتهى الحماقة بمهاجمة أسطول الولايات المتحدة فى بيرل هاربر كضربة وقائية كان من نتيجتها إعلان دخول أمريكا للحرب وهو الهدف البريطانى الذى عجز تشرشل عن تحقيقه دبلوماسيا فنفذه مخابرتيا بامتياز
* كان درة عمليات المخابرات البريطانية ما قامت به إحدى أشهر وحداتها من الإستيلاء على الأرشيف البحري الألمانى بالكامل وبالتزامن مع هذه العملية تمكنت من ضرب مصنع الماء الثقيل الذى يعد مكونا رئيسيا من مكونات القنبلة الذرية ثم أتبعت عمليتها بنسف القطار الذى تم تعبئة الماء الثقيل فيه لمنع وصوله , وبهذا تأخر الألمان عدة خطوات فى سباق التسلح الذرى بعد أن كانوا على وشك تنفيذ القنبلة
* قامت المخابرات السوفياتية بتجنيد ريتشارد سورج أشهر الجواسيس فى العالم "[2]" والملقب بالأستاذ والذى تمكنت شبكته من تغيير مسار الحرب اليابانية السوفيتية بمعلومة عدم وجود نية لليابان فى مهاجمة الحدود السوفياتية ليطمئن السوفيات فيقومون بنقل نصف مليون جندى من الجبهة اليابانية لمواجهة الألمان على الجبهة الأوربية
وهكذا نكتشف أثر وخطورة ما تفعله المعلومات التى تجمعها أجهزة المخابرات وتضمها لبعضها البعض ثم تدخل مرحلة التحليل ثم أخيرا مرحلة القرار الذى غالبا ما يكون شديد التأثير على مصير الأوطان فى السلم أو الحرب "[3]"

ويمكننا تلخيص نقاط عمل أجهزة المخابرات فى النقاط التالية :
* أنها عمل يعتمد فى المقام الأول على جمع المعلومات أيا كان نوعها ومهما كانت تافهة أو تبدو بسيطة غير مؤثرة , فكل معلومة مهما كانت بساطتها هى معلومة بالغة الأهمية عندما يتم توظيفها فى مكانها الصحيح ,
* تأتى بعد ذلك مرحلة فحص المعلومات القادمة من سائر المصادر الداخلية والخارجية لمراجعتها والكشف عن صحتها وتصنيفها بواسطة أقسام مختلفة فى أجهزة المخابرات
* بعدها تأتى مرحلة التجميع والتنسيق بين مختلف المعلومات وضمها إلى بعضها البعض للخروج بنتيجة أو معلومة جديدة يصل إليها رجال المخابرات بالتحليل العقلي للمعلومات وفقا قواعد معروفة وتبدو الحقائق التى تتوصل إليها الأجهزة كأنها ضربٌ من التنبؤ الخارق
ولهذا السبب فإن معيار التميز الذى يميز جهاز مخابرات عن آخر هو الرجال , وظل هذا العامل قائما بالرغم من التقدم التكنولوجى الساحق الذى ساد عالم اليوم , وهو عامل مساعد نعم , لكن العامل الرئيسي براعة وحسن تدريب العنصر البشري وسرعة تفاعله مع العمليات وفق ظروفها , وقد رأينا ما فعلته المخابرات المصرية ونجحت فيه ببراعة كاملة فى خداع أقوى ثلاثة أجهزة مخابرات فى العالم , الأمريكية والإسرائيلية والسوفياتية عندما حققت مفاجأة حرب أكتوبر كاملة رغم وجود تقدم تكنولوجى هائل بين وسائل جهاز المخابرات المصري والوسائل التقنية الممنوحة من المخابرات المركزية لإسرائيل وأخطرها خدمة مراقبة القمر الصناعى للحشود وتحركات وحدات القتال , وهى حركة كان حتميا أن تظهر للقمر الصناعى الأمريكى قبل بدء الحرب مما يقلب ميزان المعركة لصالح إسرائيل , فما كان من المخابرات المصرية إلا أن قامت بالحصول على مسار القمر الصناعى الأمريكى وتحديد ساعات وجوده فوق الجبهة وتم إصدار الأوامر لوحدات النقل بإتباع خط سير مدروس بعناية علمية عن طريق خبراء الرصد , بحيث لا تتحرك الوحدات إلا فى فترات غياب القمر !
وهناك قسم يعد هو أخطر أقسام المخابرات الذى يقوم بفحص وتمحيص المعلومات , فليس معنى وجود جاسوس أو عميل لجهاز معين فى بلد أخرى يقوم بإرسال المعلومات فيقبلها جهاز مخابراته على علاتها , بل إنها تخضع لغربلة وفحص شديد الدقة والأساس فى تلك العملية أن كل معلومة مفترض فيها الخطأ وكل عميل يُـفترض فيه الشك أو خطأ التقدير
وقد رأينا ما فعلته معلومة واحدة مدسوسة من المخابرات البريطانية على المخابرات اليابانية أدت إلى اتخاذها قرار نسف بيرل هاربر على نحو أدى فيما بعد لضرب لهيروشيما ونجازاكى كرد فعل انتقامى من الولايات المتحدة لضحايا فى بيرل هاربر
وعمل المخابرات بهذا التعريف معناه فحص المعلومات واستبعاد المدسوس والخاطئ منها وانتقاء الصحيح فقط , هو عمل يمكننا أن نقول بإطمئنان أن الحضارة الإسلامية سبقت إليه أجهزة المخابرات الحديثة بعشر قرون على الأقل , وفى عصر كانت وسيلة التنقل فيه هى قوافل الجمال ووسيلة التواصل هى الرسائل التى تظل شهورا قبل وصولها ووسائل الإتصال فيه معدومة تقريبا , وفوق كل هذا كان العصر عصر صدق وحسن نية يصعب أن يوجد فيه من يتخذ الشك كقاعدة والثقة هو الإستثناء وهى قاعدة أساسية كما رأينا فى مجال المخابرات




الهوامش
[1]ــ استلهمت إسرائيل هذه الفكرة الجهنمية ونفذتها بالفعل أمام شواطئ قناة السويس لمنع أى محاولة للقوات المصرية للعبور , وقامت المخابرات المصرية بالحصول على عينة من سائل النابالم لدراستها وبعدها وبعملية معقدة تمكنت من الحصول على خرائط توزيع أنابيب النابالم من مكتب موشي ديان شخصيا ودون أن ينكشف أمر حصول المصريين عليها وقامت وحدة من الصاعقة المصرية فجر يوم المعركة بتعطيل تلك الأنابيب بربط الخراطيم المنفذة للسائل وسدت أفواه الخراطيم فى نفس الوقت بمادة لاصقة , وعندما حاول الإسرائيليون إستخدامها عند العبور كانت صدمتهم مذهلة
[2] ــ تم كشف شبكة ريتشارد سورج فى اليابان وحوكم وأعدم ولا زالت مراجع المخابرات فى سائر أنحاء العالم تمنحه مقعد أبرع الجواسيس جنبا إلى جنب مع عميل المخابرات المصرية رفعت الجمال الذى يتفوق على سورج فى أنه مارس عمله طيلة ربع قرن ولم يكتشف أمره قط , وهذه حالة لم تتكرر إلى اليوم
[3]ــ بسبب معلومة وصلت للمخابرات الأمريكية عن وجود أزمة قمح فى مصر فى الخمسينيات تمكنت الولايات المتحدة من إستغلالها لتهديد مصر بوقف تزويدها بالقمح كورقة ضغط تمنعها من بناء السد العالى , وتم اكتشاف مصدر المعلومة ومحاكمته
{ لمزيد من التفاصيل راجع ـ القضية رقم 1 ـ مخابرات عامة , عبد الله إمام }