الموضوع: داء ليس له دواء
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
12

المشاهدات
2937
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
10-21-2019, 09:58 AM
المشاركة 1
10-21-2019, 09:58 AM
المشاركة 1
افتراضي داء ليس له دواء
خرج الميكانيكي من الورشة يقود سيارة مرسيدس حمراء موديل 76- الخاصة بعمران الذي فاز بعد طول انتظار بجائزة ال 1000 جنيه استرليني للقصة القصيرة ، وبجانبه على المقعد الامامي عدد من الاوراق لقصة قصيرة ،سهر من أجلها ليالي ،طرزها بكلمة من هنا وجملة من هناك
وبمجرد وصوله إلى البناية التي يسكن في أحد شققها عمران ،حمل رزمة أوراقه وصعد السلالم ،عند باب الشقة شعر بالتوتر فرفع يديه إلى السماء ثم صوب اصبعه نحو الجرس .. ،ثوان وإذا الباب يفتح ويظهر عمران ،فسلمه المفتاح وبأدب جم انحنى واعطاه الأوراق وهو يتوسل بعينيه قائلا : سيدي هذه هي القصة التي اخبرتك عنها ارجو ألا أكون قد أزعجتك
فرد عران بتواضع :لا ،لا تفضل ولكن ما أخبار السيارة
رفع الميكانيكي رأسه وقال : كانت في حاجة لبعض قطع الغيار ،استطعت تجميعها عن طريق معارفي ،أنت تعلم أن سيارتك قيمة وتحفة أثرية نادرة وهي الان بحالة جيدة
نظر إليه عمران وكأنه بدا حائرا وسأل باختصار : كم الحساب ؟!
ابتسم الميكانيكي وقال بخجل مصطنع : لا ، لا يوجد حساب بيننا ، لا أطلب سوى رضاك
تنهد عمران وقال : إِذاً تفضل بالجلوس وأخذ يقرأ بصوت مسموع :
"دخل ليلا غرفته الكئيبة التي تملؤها الفوضى نفض فراشه المطوي الذي مزقه الزمن ونام ....
فجأة رفس اللحاف وقام من فراشه مذعورا اثر كابوس أزعجه ،جلس وأخذ يتمتم ثم نفث عن يمينه وشماله ورمى بجسده المنهك ،استيقظ مرة أخرى على صوت دوي الرعد وعلى زخات المطر وهي ترشق نافذته ،فتح النافذة فرأى في الشارع وعلى ضوء المصباح رجل عجوز -انحنى ظهره وحرث الزمن تجاعيد وتجاويف عمت وجهه - واقفا يرتجف تحت وابل المطر فأسرع لنجدته ،وبمجرد وصوله مد له يده فدفعه العجوز وقال : اتركني أتظن أنك ارحم من ربي ألا ترى ايه الأحمق انني استظل برحمته .........
رفع عمران عينيه عن الورق ونظر إلى الميكانيكي لبرهة ثم عاد إلى القراءة
وبمجرد انتهائه رمى بالأوراق جانبا ... والتفت إلى الميكانيكي والذي كان يراقبه في خشوع وقال : لابد لك من تطوير نفسك هذه القصة تحتاج للكثير من العمل وفوق ذلك فكرتها ......
زحف الضيق إلى وجه الميكانيكي وقال بصوت حزين : ألم يعجبك شيء فيها ؟!
فرد عمران سريعا: قلت لك إن فكرتها مستهلكة
فقال الميكانيكي : إذا كانت الفكرة مستهلكة سأتطرق لمشكلة أخرى لكنني سأطلب منك التوجيه والتعليق عليها أيضا ،إذ كان ممكننا ؟
قال عمران : لا مانع لدي هذا عملي ،ولكن لم تخبرني كم هو حسابك ؟
قام الميكانيكي من مكانه مودعا وقال بحزم :لا ،لا شكرا كما قلت لك ليس بيننا حساب ...
بعد شهر مر عمران مضطرا للورشة بعدما توقفت سيارته في إحدى الطرقات
فوجد نفسه وجه لوجه أمام الميكانيكي ،فصاح الميكانيكي مرحبا: أهلا سيدي أهلا بأديبنا القدير
شعر عمران بالإحراج وقال باِنْكِسَارٍ: لقد تعطلت السيارة في الطريق العام ..
فرد الميكانيكي بفرح هات المفتاح سأحاول إصلاحها وإن لم استطع سأقوم بسحبها لا عليك ،وأسرع وسحب كرسي كسر إحدى دعائمه وقال :تفضل استاذي استرح ، وصرخ على أحد مستخدميه قائلا :اعمل فنجان قهوة لأديبنا ..... وتابع أعطني العنوان موجها كلامه لعمران
التفت إليه عمران مندهشا وقال : ها .. العنوان سأذهب معك ..
هرول الميكانيكي إلى دولاب العدة واختار عدد من المفاتيح والمفكات وهو يردد : لا، لا اترك عنك هذا العناء اتركه لنا .... ثم اختفى لثواني وعاد وبيده مجموعة من الأوراق لطخت أطرافها بالشحوم والزيوت وقال بأدب وبابتسامة فيها توسل هذه القصة الجديدة ادعو الله أن تعجبك
نظر إليه عمران بانزعاج ونزع الأوراق من يده وأخذ يقرأ :
" بدأت الديوك بالصياح واستيقظ الصبح من نومه وبدأ الليل يلملم ستارته السوداء معلناً بداية يوم جديد فاسحاً لأشعة الشمس الطريق لتظهر المدينة ومبانيها العظيمة ولكن هذا اليوم كان مختلفاً فهنالك إعصار في الأفق يقترب أرسل أنفاسه على الكون كأنه اخطبوط يمد أذرعه التي اخذت تقترب رويداً رويداً ........
توقف عمران ...... ،ورفع رأسه ونظر للميكانيكي والذي ما زال واقفا وقال بضجر: ألم تغادر بعد ؟!
ابتسم الميكانيكي ابتسامة سخيفة وقال : هاه بالطبع سأتركك وصرخ على أحد عماله وغادر ....
بعد ثلاث ساعات عاد الميكانيكي يقود السيارة وبمجرد خروجه منها قال وهو يلهث :عذراً أديبنا القدير على التأخير تم تغيير بعض القطع ولم نجد لها بديل إلا في التشليح كما تعلم السيارة تحفة أثرية من الصعب إيجاد قطع غيار احتياطيه لها ،على كل حال هي الآن في حال جيدة ،وبالنسبة للقطع التالفة هي موجودة في صندوق السيارة تركتها احتياطا قد تحتاجها مستقبلا
رفع عمران نفسه من على الكرسي بثقل وقال : كم كلفك ذلك
ابتسم الميكانيكي ابتسامته المعهودة وقال : ليس بين الخيرين حساب ....
وتابع ولكن أخبرني هل أعجبتك القصة ؟!
سرح عمران بفكرة لثوان وقال بعد تردد : مازالت هنالك مشكلة
فقال الميكانيكي مذعورا : تقصد أن الفكرة مستهلكة
فرد عمران : لا اقصد العناصر غير مترابطة الحبكة ......
قاطعه الميكانيكي والذي كان متوترا يفرك يديه وقال بنغمة حزن :
لم تعجبك ايضا ؟!
شعر عمران بالأحراج وأخذ يلتفت يمينا وشمالا ثم قال بعد تردد :لا هي جيدة .. حاول مرة أخرى وبطريقة أخرى ،لا تفقد الأمل إنني أرى تقدماً في هذا النص ...
تهلل وجه الميكانيكي وصاحب عمران مودعا وهو في قمة الفرح حتى صعد سيارته وأدار المحرك وتحرك لعدة أمتار ...
فجأة ،توقف وخرج من سيارته واتجه للميكانيكي والذي أسرع إليه فقام عمران بوضع كفيه على كتفي الميكانيكي وكأنه يريد أن يحتضنه وقال بحنان: لقد أنعم الله عليك بمهنة تدر عليك المال ،مالك وللكتابة ،استمع إلي يا بني جيدا : الإنسان ابن بيئته يشرب من منابع أرضه ويتكلم بما تراه عينه
أقول لك بصراحة إن أحلامك لن تبحر في بحر السراب ،ستتبخر ولن تقلع في أرض خلت من الغيوم والسحاب ،من أين سيأتي لك الإلهام وأنت لا ترى سوى شمس تتربع في كبد السماء في الصيف والخريف والربيع والشتاء ،ونباتات مغبرة لا ثمر لها، ولا ظل وإن وجد فهو مسكن لأفعى تتربص ،أو شوكة سترها التراب
نظر إليه الميكانيكي بحقد وصرخ بعماله قائلا : فكوا جميع القطع التي تم تركيبها في هذه الخردة ،والتفت إلى عمران وقال بغضب : هيا غادر ورشتي أيه المغرور واغرب عن وجهي
ابتسم عمران ساخرا وقال : انظر أيه الأحمق أنت في نعيم تبني وتهدم...
مالك ولعمل مصدره خيال وعائده سراب وأهله متسولون يدفعون المال ويطرقون كل باب .....
لم يعقب الميكانيكي على كلام عمران لعلمه أن الرجل على حق ولكن المشكلة أن حب الكتابة " داء ليس له دواء "