عرض مشاركة واحدة
قديم 08-16-2010, 08:17 AM
المشاركة 3
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** ما بعد الرحيل ..
ويلٌ يتربص بصُبحي .. ويتلصص إلي خلسة من حائط الوقت ..
الصمتُ أو ما يشبه السأم ..وثُلةٌ من المنغصات ..وبقايا أرق التصقت بوعييي فأزالت إيماءة للنوم كانت تنكس في أحداقي ..
ما زالت القناديل واجمة في أزقة يتبختر - بين عتماتها - الليل , وما كادت الأنسام الهزيلة تلوذ إلى فوج الضوء القادم من المدى .. حتى عم الفراغ شئ من السخونة , وانتعاشة الصباح تنفست بصعوبة ..
ويحي .. مازال الكون كما هو .. يتوالى بالرتابة المماطلة وأنا هنا أركل جسد الوقت بتنقلات عشوائية - تائهة - فوق أرض حسبتها صلبة , ما أعيه - فقط - أنني أمتطي الانتظار الذي تقزَم ظله .. وتسمر في دهليز الضجر لا يحرك ساكنآ ..
أنا لم يعد يغويني الحنين بتسلق سفح الوهم ..ولا أجيد همهمة للفأل أتمتم بها كلما راودني الأمل بظهور الطيف ..أنا .. لم أعد أمتهن سوى التأوه كلما استحضرت ذاكرتي بعضا من المساءات الملونة بالزيف .. أحداث ممزقة من قفار الماضي .. تهبط على جمجمتي بثقل الوداع الأخير ..
أحداثٌ .. ووجهكَ الملتصق بخيالي .. وألم ..
أتراك هناك .. كما كنت هنا ؟
مسافرُ أنت يحط رحاله في أحلامي ..
أحلامي التي تلفظ أنفاسها الأخيرة .. أحلام وسكرات للهم تنهمر وراء قضبان مسيجة بالزيف .. وظل يرتحل عنوة على تجاعيد حجرتي ..حجرتي التي تنفض الآن من خطواتك .. وقفزاتك .. وألوان ضحكاتك , وهذا الليل القاتم .. وذكرى لائحة لتقطيبتك , بعبوس اجترح ذهابك وأنت تلملم وجودك وتحمل حقيبة الصمت وترحل ..
قلت لي - ذات بداية - تنفي عنك ظلال الإنقياد :
- أنا لستُ كما تظنين , أنا رجل حر .. سليل لذوي بأس في الزمان , ولا أحد يتبنى قراراتي ..
تقول وكأنك في مواجهة مع المجهول .. مع إنبثاقات هائلة من معاني الرضوخ , أو لعلها أسوار في ذاكرتك وعليك تخطيها :
- افهميني .. ثمة أعراف علي أن تجاوزها ..
في أمسية تالية كالطهر صوتك حدثني عن قريتك .. عن سيفك المغمود .. وذاك الشيخ الذي يسكن سفح الجبل , حدثتني عن المطر .. وسيرك التائه في أحراش الليل , قلت لي :
- وتذكرتكِ في تيهي .. وضحكت لمشاكستك .. وعفويتكِ ..حتى تبدد الظلام ..
وفي ليلة تعانق فيها بوحنا , شددت رحالك إلى قلبي .. أتيت من وراء أسواري تسرع المسير إلى عالم كان يشحب فقط من بياضك , كنت حينها مثل طفل يطوف حولي ويعابثني , كنت تنثر روائح الأمل وعيي .. وتقول :
- أريد أن أبقى معكِ إلى الأبد ..
لكنك رحلت .. تركتني وانجرفت وراء الوهم الذي سلبك نحو المدى , تركت حقلي خاليآ من أصداء بوحك ..من طرائفك .. وسخريتك اللاذعة , هنا .. كنت أطل من نافذتي على فجرك .. وهناك .. كنت أكتب معك ترانيم للنجوم والقمرونحن نحلق إلى فضاءات كانت الأفلاك فيها تحتفل بنا , كنت أُسمعكَ بوحي ليشمخ عشقك بأنيني .. ولتصب على حواسي طائفة من الشعر الشهي .. كنتَ وكنا .. فلما ذبلت سعادتنا .. لما انكسرت أحداقي .. أتراك هناك كما أنت ؟.. هل اختطفت حواسك أميرة تشبهني .. هل همست بلواعجك إلى طيف آخر يمثلني ..يحمل قسماتي الواجمة بصلفك , إذ أهرول على متن قلب تلحف بضباب من القسوة .. كان هو قلبك ..
- سامحيني .. أرجوكِ ..
بعد حين من العذاب تقول هذا ..بعد أن شهرت ندمك المغموس بدماء شوقي , وناحت نائحة العمر تبددك من صدري ,, وجومك - يا عمري - أنهار كانت تتدفق على ضفاف حيرتي , وجومك المنقوش للتو على تنهداتي .. وغرورك المترصد سعدنا ..أنى له أن يُبديك سوى غريب مر على واحتي .. ثم حن إلى وجوه بعيدة في جوف الماضي ..
( أتراك هناك كما كنت هنا ..!) .. وأنت تتباهى بدماء ورثتها عن جدك العظيم .. وتلجم انكساري في حضورك , أتراك كنت تقنعني بأن عشقنا كالأشجار التي تموت شامخة , ثم بيدك تنحر عنق شجيرة بالكاد نمت في قلبي وترعرت ..!
وأنت تهمس بنظراتك الكسيرة لأنك لست جديرا بقلب أبيض أضاء حول طيفك وهجآ .. وأنت تقول :
لا أريدكِ أن تغضبي مني أرجوك ِ..!
حل الغضب سيدي .. فأي رجل أنت حتى تُفلسف عناء الأرواح والأفئدة .. أي مسافر تكون إذ تهبط على جزيرتي بوابل من رياح السلام الوقتية ..!؟
أجل .. يا ذهول ينهش ذاكرتي .. ويأكلُ كل فألي ..أي كائن هو أنت ..؟
((( أتراك هناك .. كما .. كنت .. هنا )))
الأفق مازال غائمآ بالضباب .. وأشباح حولي تتنازع وحدتي , طيفك فقط الباسم بينها ..طيفك - وكأني أتمناه - ألق يبدد سرمدية وجعي .. طيفك وأنا .. وصوتك المتلعثم بالعذوبة .. فأجلس .. أسقط ترنحآ .. ثم ألتحف بمعطفك .. أتشمم روائحك .. وصغيرك يدنو مني .. يلتصق بدمي .. قطعة منك تركتها لي كالحلم ..يعبث بأصابعي , ثم يرفع نحوي وجهآ كوجهك .. يسألني ببراءة تشبه طفولتك :
" متى سيعود أبي ؟ .."
أنتفض على مجون الجرح .. أتململ .. وأعُدّلُ من جلستي , يعاود " قلبي" سؤاله بإجابة بيضاء .. ذاتُ النبرة العنيدة التي تغلف حنجرتك :
" سيعود أبي .. أليس كذلك ..؟ "
أتمتم له وحدقاتي تُطاردك في المدى .. ونفحات من دغدغة أمل .. بأنك حقيقي .. وهذا طفلك .. وها أنذا :
" لا بد وأن يعود يوما .. مهما تشعبت به المسافات .. لأننا وطنه الوحيد ..."
تحيتي