عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2015, 12:47 AM
المشاركة 14
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اقتباس .
[justify]في صالة العرض يبدو من خلف نعشها الزجاجي مهيأ للكرنفال...في تلك الليلة بالذات، خرجت من قوقعتك، نفخت برودتك في الهواء ، ورميت بترددك في إناء من طين وقلت :
- لا بد من رسم مخطط للحركة.
وقبل أن يسيل الحبر من ظفرك، وترسم العلامة الأولى، سقط منك سهوا قلمك، ورغما عنك سقط فكرك، فجلست عند موضع قدميها تحت شجرة زيتون، تحفر قبرا لسمكة ميتة، لم تكن ميتة، كانت نائمة تحلم بجدول بين شجرتين وطريق الى البحر...
ديكور متنقل :
ثم إن رجالا شدادا غلاظا، قرروا تشريف مولاتك بزيارتها في عقر دارها، وكما تعرف يا صاحبي، فسيذكرون أعمالها الجليلة، وما أسدته للبلد أيام المحنة الكبرى، سيترحمون على أبنائها الشهداء، ثم يأكلون ويشربون ويقهقهون...
فأقام الأصفر الدنيا، استدعى الحلاقين والحلاقات، وكل من لديه رأي في الديكور والتزيين، لمعوا أسنانها، قوموا اعوجاج شفتها السفلى، نظفوا أظفارها، رطبوا شعرها...ولما انتهوا ونظر إليها الأصفر، اطمأن قلبه وعاد لوجهه بعض الاحمرار.
قال لك مقدم الحي ليلتها : ستكون غدا باكرا، عند باب وجه مولاتك في الاستقبال، أنت وأهلك الكبار والصغار.انتصبتم على طول الطريق المؤدي إلى وجهها، كان الوقت يمر، والشمس تتحرك نحو قبة السماء، كان ابنك الرضيع يلهث كجرو، ابنتك تبكي وزوجتك المريضة بالربو توشك أن تختنق، تراجعت إلى الوراء، زوجتك تستند عليك، ابنك بين يديك، ابنتك تتمسك بثيابك...نظرت حولك، فتراءت لك شجرة زيتون.
قلت : نستظل الى أن يصلوا أو يؤذن لنا بالانصراف.أسرعت الخطى نحو الشجرة، فأتاك صوت من داخلها :
احذر، لا تقترب أكثر! تسمرت في مكانك ثم قلت : لو تسمحين أيتها الشجرة.
قاطعتك : لا لا تقترب أكثر أرجوك، قد اسقط اللحظة. فغرت فاك عجبا فأضافت :- اعذرني، ما أنا هنا لما ترغب فيه، أنا هنا مثلك واقفة للتزيين فقط.
- قلت متسائلا : كيف؟ كيف أيتها المباركة ؟
قالت : انتزعونا البارحة أنا وأخوات أخريات، وقد أتوا بي أنا الى هنا : حفروا حفرة كالقبر، أدخلوا جذعي ثم شدوني بالحبال والأوتاد الى أن جفت الأرض من حولي فأزالوا حبالهم وأوتادهم.
قلت : لن تكون هذه إلا فكرة الأصفر.
وأطل عليك من عين مولاتك اليمنى بوجه أنثوي مصفر الشفتين بحوصلة طائر البجع.
خاطبك : أنت طويل اللسان، كم تريد؟
قلت مقهقها : في لساني؟!
صاح : في لسانك، في عمرك، في عائلتك، كم تريد؟
قلت : قبل ذلك أسألك!
لم يتكلم فقلت: أتعرف أن أبناءها حضروا البارحة حين كنت تحت برج إيفل تدخن سيجارك الثامن؟
لم يرد، فأضفت : وأنهم ضبطوا في جيبها ظفرك؟
أحنى رأسه وتابعت : وأنك دون جيبها لا شيء؟
وسقط القناع، فرأيت شكلا من شمع أصفر ينساب تحت ذقن مولاتك: عند القنطرة
الواصلة بين الجيب واليد، تشكل أفعى بقرنين والوقت صار ظهيرة، وفي البدء كان كذلك، يوم السباق للجلوس على أرائكها الوثيرة...في ذلك اليوم : في ذلك اليوم، قيل لا بد أن يكون، وحدد تاريخ ميلاده قبل أن يولد فأزاحوا أنفها
الشامخ، وبنوا لهم برجا للمراقبة، ثم تساءلوا : هل يكون الأول؟
قال قائل من أهله : لن يكون إلا الأصفر.
مازلت تذكر، خرجتم الواحد تلو الآخر، في كل جيب نصف ورقة، النصف الآخر مقابل الأخرى، وفي كل يد حلوى، وكان في الانتظار ممددا تحت خصلة من شعرمولاتك، يحادث في السياسة والتاريخ والاقتصاد ومستقبل الشعوب، أوصاكم خيرا بلونه، ووعدكم بتلطيف الهواء من الغلاء، وعلف كثير لبهائمكم.
سؤال غير متوقع :
أذكر يا صاحبي ثلاثة أسماء وشمت صدر مولاتك بالطين ...
ملاحظة :
إن عرفت واحدا فقط، فقد مررت بوجهها مرور العابرين.
إن عرفت اثنين فقد لامست أضلاعها البارزة.
وإن توصلت إلى معرفة الثلاثة فقد رأيتها في عريها التام.
وإن لم تتوصل الى شيء، فالجواب في خيوط تلك الرقعة التي تنسجها
بأهذاب عينيها الذابلتين..[/justify]


ا[font="arial"][justify]لحقيقة هنا بدأت متعة النص الحقيقية ,وفي هذا المقطع تجلت فكرته الرئيسه .واستطاع الأستاذ الطاهري يضبط إيقاع الفكرة بكثير من الحرفية التي تخبرها أنامل العازف الواثق .كما وبدا جلياً حالة النقمة على الواقع بإظهار تفاصيله المستبده ,والإضاءة عليها برمزية عالية التركيز وتورية خلقت عند القارئ قوافل أسئلة متلاحقة ,أرهقت عجل الإجابات للحاق بها والسير معها ........[/justify][/font

خروج من القوقعة في ليلة الكرنفال ,يشي بشبه احتجاج ,أو بعض تفكر في واقع الحال , لم يمهل سيلان الحبر من ظفره فسقط القلم وسقط الفكر ,تحت شجرة الزيتون قبر لسمكة وكيف تكون حية ولايجوز لها أن تموت يكفي أن يحفر قبرها في ظل شجرة الحياة المباركة في الأمر كنز والسمكة رمزه الحرص عليه بمواراته ربما ليوم ما في مكان ما ..
يغوص الأستاذ الطاهري في إشكالية بنيوية لسلطة ما في مكان ما .ويأخذنا إلى حيث الأسئلة المستنكرة والأجوبة الحائرة .رجال فيهم من الشدة مافيهم والغلظة مايشي بجبروت مستبد من السطوة شبيه الخوف ,تمتد أذرعهم في كل الأمكنة وفي كل مكان لهم من يسير أعمالهم ومقدم الحي شاهد الحالة وذراع طويل لسلطة المتسلطين ,مهمته أن يزين ويجمل ويخفي حقيقة الواقع ,بمباركة الحجر والشجر والبشر والكل يساق خارج إرادته هازجاً مصفقاً . ودكة للحوار قرب شجرة الزيتون أظهرت عجر وبجر المتسلط واستلابه للإرادات ,كما وأظهر سمة ملتسبة لمواقع النخبة وأصحاب الفكر الذين في غالبهم يسوقون للنهج ويلمعون صورته يركبون الموج المتلاحق لمصلحة التموضع ......صورة جلية لواقع حال الأوطان ولرافعتها الواهنة في ذهنية القائمين عليها ,وسوق القطيع الذي تبرره الحاجة وضيق ذات اليد ..........
أما عن الثلاثة سؤال الأستاذ الظاهري ...فأنا أراها من وجهة نظري التي أرجو أن ترقى لعمق هذا النص ...فهي ثالوث دمارنا ..الفقر والجهل والاستبداد ....
بقي لي الرجاء بأنني استطعت أن أقارب بهذه القراءة المتواضعة عمق وبلاغة هذا النص الذي أوسع مدى الذائقة وأفرد أجنحة الخيال ........ودوماً إعجابي بهذا الحرف الذي يهدي هذا المنبر سلاف إبداع تنتشي له الذائقة ..
تقديري للرائع دائماً الأستاذ مصطفى الطاهري مع خالص الود

هبْني نقداً أهبك حرفاً