عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2011, 09:21 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وكل هذا الإنفلات والرعب الأمنى فى عصر مبارك يفوق بعشرات الأضعاف ما تعانيه مصر الآن من حوادث متفرقة أشبه برقصة المذبوح لنظام لا يزال رهن صدمة الهزيمة الساحقة
هذا بالإضافة إلى أن كل ما حدث وما سيحدث ـ لو فرضنا وقوع ما هو أسوأ ـ إنما هو أمر طبيعى وفى الحدود الآمنة والمحتملة , بل هو أقل من الطبيعى فى الواقع إذا أردنا حكما منصفا ,
فما تحقق من إنجاز بكنس نظام مبارك كنسا من على قمة السلطة بعد ثلاثين عاما , وانتهاء عصر الديكتاتورية الفرعونية القائمة على صمت الشعوب بعد ستين عاما كاملة , ونزول الشعب لأول مرة فى العصر الحديث ليفرض كلمته كأمر واقع ,
هذا الحدث أعتى وأكبر وأهم من أن نغفل قيمته , وأن نستهول المقابل الطبيعى الذى ينبغي علينا دفعه كأثر جانبي لشفاء مرض عضال عمره ستين عاما طويلة !!
فأصبح حال المتوجسين والخائفين كحال المريض المصاب بمرض مزمن أصابه بشلل رباعى , ونجح الأطباء فى شفائه بأثر جانبي يتمثل بعرج خفيف , وبدلا من أن يتفاءل المريض ويحمد العاقبة , تجده يتخوف من هذا العرج ويتعاظم تأثيره عليه !!
ينسي المتخوفون ومن استهولوا المقابل المتمثل فى ثمنمائة شهيد , وفى ضحايا الفتنة , والإنفلات الأمنى الذين لم يتجاوزا العشرات , أننا حققنا بهذه التضحيات , ما كان يستحق على أقل تقدير ـ ثلاثين ألف شهيد على الأقل ـ لكى يتم إنجازه

ثبات النظام الحاكم بالقبضة الأمنية الهائلة المتمثلة فى قوات الشرطة البالغ عددها مليون ومائتى ألف جندى أمن مركزى , بتسليح وميزانية هائلة تعتبر هى الثانية من حيث الضخامة على مستوى العالم بعد الصين , بالإضافة إلى استقرار فى الحكم على مدى ثلاثين عاما بعلاقات وتحالفات دولية تحرص على هذا النظام بشدة لأنه مكنها من السيطرة على المنطقة طيلة هذه الفترة ,
نظام بهذه القوة , وبهذا الرسوخ , أين العاقل الذى يقول بإمكانية سقوطه فى ثمانية عشر يوما !!!
وأين العاقل الذى كان يتصور فدائية الشباب المتظاهرين وهم يجبرون الأمن على التراجع والإنسحاب ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور انحياز الجيش التام والمطلق للشعب ضد النظام دون أن يشذ قائد واحد من قادة الجيش فيكون عونا لمبارك ضد الشعب تحت ذريعة حماية الشرعية ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور انحياز الحرس الجمهورى ـ بإمكانياته الهائلة ـ إلى صف الجيش ورفض الأوامر بفض المظاهرات بالقوة , رغم أن الحرس الجمهورى معروف الإنتماء لرئيسه , ويحوز قادته على أعلى الإمتيازات ليحتفظ النظام بولائهم له ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور فشل خطة الفوضي الأمنية التى اعتمدها وزير الداخلية السفاح حبيب العادلى , عن طريق سحب الشرطة وإطلاق البلطجية على الآمنين بالسلاح الآلى والأبيض , وفتح السجون وإطلاق المساجين على الناس مع تحريضهم على الفوضي والتخريب , ففوجئت القاهرة وحدها بعشرين ألف هارب من السجون يعيثون فسادا فى الأرض !!! ويطلقون النار على منازل الآمنين مستخدمين فى ذلك عربات الإسعاف المسروقة !!
وأين العاقل الذي كان يتخيل أن ينجح المتظاهرون العزل فى ميدان التحرير فى 2 فبراير الماضي يوم موقعة الجمل فى التصدى لمحاولة بلطجية النظام فض الميدان بالقوة المسلحة , رغم أن المتظاهرين كانوا عزلا من أى نوع من السلاح , بينما خصومهم يتجاوزون العشرة آلاف بلطجى مسلحين جميعا بالأسلحة البيضاء والحجارة المحملة على ناقلات خاصة , بالإضافة لمدافع آلية فضلا على عدد لا يحصي من زجاجات المولوتوف , هجموا بهذا كله على الشباب فى قلب الميدان ,
وإذا بالشباب يصمدون للمعركة ثمانية عشر ساعة كاملة , وينجحون أيضا فى ردع الهجوم ردعا تاما ويسيطرون على الميدان من جديد ؟ وحاربوا خصومهم بحجارة قاموا بتكسيرها من أرصفة الميدان , واتخذوا لهم دروعا من صناديق القمامة حتى انتصروا !

تعالوا لنتأمل النتائج المتوقعة فى حال إذا ما تحقق أى خيار من الخيارات السابقة ..
ولنبدأ بموقف الجيش ..
ألم يكن من المنطقي والمتوقع أن ينحاز المشير طنطاوى قائد الجيش إلى مبارك , لا سيما وأنه ظل فى وزارة الدفاع منذ عام 1991م , أو أن ينحاز معه بقية قادة الجيش على اعتبار مبارك من أبناء المؤسسة العسكرية ,
لا أقول بانحيازهم بمعنى هجومهم على المتظاهرين , ولكن على الأقل الوقوف على الحياد ,
لكن هذا لم يحدث وجاءت بيانات الجيش كلها تؤكد على مشروعية مطالب المتظاهرين , وحماية الجيش لهم , ثم جاء البيان رقم (1) فجأة يوم 10 فبراير ليـُـــفشل آخر خطة لمبارك بالإفلات , عندما كانت مطالب المتظاهرين من الممكن أن تقتنع بالتفويض , إلا أن بيان الجيش الذى سبق خطاب التفويض جعل المتظاهرين يجزمون بوقوف الجيش معهم فلم يرضوا بديلا للتنحى الكامل !
ليس هذا فقط ..
بل إن الجيش تجاوز حتى أحلام المتظاهرين فى أيام الثورة , فلم يعط مبارك ضمانا بعدم المحاكمة مقابل التنحى عن السلطة , رغم أن هذا الأمر ساعتها كان مقبولا جماهيريا , وعبر عنه أكثر من ناشط سياسي , ومع ذلك رفض الجيش وحاكموه !

ألم يكن من المنطقي أن تنجح خطة الترويع الأمنى فى استسلام الشعب ووقوفه ضد المتظاهرين بعد إطلاق المسلحين من بلطجية النظام فى الشوارع والمنازل ,
وهل كان من المنطقي أن تنجح اللجان الشعبية وحدها بالعصي والأدوات البسيطة فى التصدى لهجمات البلطجية وردعهم وتحقيق الأمن فى البيوت بسواعد شبابها فى غياب تام وتواطؤ كامل للشرطة ؟!
ألم يكن منطقيا أن ينحاز الحرس الجمهورى للرئيس ,
على الأقل بما هو معروف من تنافس بين الجيش وقوات الحرس الجمهورى وما بينهما من حساسيات معروفة , فيقوم الحرس الجمهورى بحماية مبارك ويضطر الجيش للرد وتصبح حربا ضروسا تدفعه البلاد ثمنا غاليا لها حتى تحقق حريتها ؟!
وأمامنا الآن مثال ما يحدث فى ليبيا , وفى اليمن عندما تفرقت القوات المسلحة بين الجبهة الشعبية وجبهة السلطة ووقعت المعارك الضارية التى ستستمر بضحايا الله .. أعلم بهم حتى يتمكن الليبيون واليمنيون من تحقيق ما حققه المصريون ..
ألم يكن منطقيا أن يستغل النظم السابق بعد رحيله من الحكم , إمكانياته المادية الهائلة المتمثلة فى الأموال المنهوبة وفى رجال الأعمال المتعاملين مع النظام والمتحالفين معه , وقرابة مليون بلطجى ربتهم وزارة الداخلية فى حجرها , فى أن يضربوا استقرار مصر إلى مدى مفزع يتجاوز كثيرا ما حدث بالفعل
إن إمكانيات الثورة المضادة الواقعية , تجعلنا من المنطقي للغاية أن نتوقع كوارث أمنية لا يعلم حدودها إلا الله تتمثل فى عمليات إرهابية واسعة النطاق يشرف عليها ضباط أمن الدولة ورجالهم والبلطجية التابعين لهم ,
ورغم كل ذلك نجت مصر والحمد لله وكانت الثورة المضادة محكومة بالفشل فى كل خطواتها بتكاتف الجيش مع الشعب وعدم إنزلاق أغلبية الناس الساحقة لحوادث الفتنة ,