عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2010, 06:01 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عندما قرأت روبرت فروست ذات مرة وجدت أن قصائده تتسم بالبساطة الشديدة و كنت في كل مرة أغادر دفتي ديوانه الشعري أسأل نفسي : هل كان روبروت فروست هذا العملاق الشعري يقصد الفكرة القريبة التي رأيتها في نصه الأدبي؟
لكن الغريب أنني كلما أمعنت في تذكر سطور القصيدة أكتشف معنى مخبوءا هنا أو هناك
لأجد فيما بعد أن وراء المعنى القريب تكمن فكرة فلسفية أرادها الشاعر
ربما تكون هذه المقدمة مستغربة فيما أنا أكتب ردا على قصة
هشام آدم في هذه القصة انتهج نفس منهج فروست حين قدم لنا قصة قصيرة تبدو في ظاهرها سردا لحدث ما عن شخص ما في مكان ما
لا يبدو كم كان هذا الشخص مهما و ربما مر في حياتنا الكثير من أشباهه
رجل يبدو بأصول ارستقراطية النشأة حيث أنه ينأى بنفسه عن أن يراه أحدهم و هو ثمل فيسلك طريقا جانبية حفظا لسمعته
يدخل الى الملهى بطريقة تنبىء عن مكانته الاجتماعية المرموقة
البطل جان كروز تزوج حديثا و بالرغم من أن زوجته وفية محبة و جميلة و تملك كل مقومات الزوجة الناجحة إلا أنها لا يريد ان يغير أيا من عاداته بما يتلائم مع ما ما يقتضيه الوضع الجديد
و بالرغم من أنه يحبها و يقدرها و يستمتع بوجودها قربه
هي عودت نفسها على التوافق مع عاداته و ما زالت تمتلك نفس المحبة له رغم أنه لم يضعها في أولوياته حتى عندما علم أنها تحمل جنينه لم يمنعه هذا من مرافقة اصدقائه في تلك الرحلة الأخيرة إلى الجبل
فيما كنت اقرأ بداية لم اقبل انصياعها له بهذه الطريقة و توقعت أن يكون هناك علاقة جانبية تعوضها هذا الجزء من الاهمال لكن هشام حول انتباهنا لمسار مختلف حيث بقيت مخلصة له وفيه لعهده بعد موته و بقي هاجسها الوحيد كيف ترى جثته المفقودة إلى أن اكتشفها الابن في رحلة مماثلة الى ذات الجبل
هشام برأيي أراد الفكرة العميقة المختبئة وراء قصة عادية جرت في قرية ما
كثير من الأشياء نقضي عمرنا في انتظارها بفعل قوة خارجة عن ذواتنا و لكن الحل يكمن فينا ...علينا أن نبذل جهدنا لنزيل عنها ركاما يغطيها كي نحصل عليها
تماما كما انتظرت الزوجة من يحضر لها جثة زوجها لكن الحل كان فيها او معها ..
الركام الثلجي دفن زوجها تحته
و هي تستصرخ الناس ليدلوها على الجثة
و من ناحية أخرى هي تحاول زيادة الركام بعدم إخبار الولد عمن يشبه أبوه و ما شكله
لا أدري من ناحية أخرى لم أحسست أن هذه الزوجة كانت تعاقب زوجها الفقيد بطريقة غير مباشرة على إهماله لها في حياته و حتى غيابه القسري أيضا

هشام هنا من خلال تقنية مراوغة قدم لنا قصة عولمية ممكنة الحصول في أي زمان و مكان فتركيزه كان على المواقف الإنسانية التي لا تتعلق بظروف مجتمع ما او مكان ما و هذا ما يخلق نوعا من الألفة بين القارىء و القصة بحيث أنه يشعر بإنسانيته
ردود الفعل كانت مغرقة في إنسانيتها بغض النظر عما تكون جنسية ...دين ...انتماء من قام بها
في كل مكان سنجد هذه الزوجة المحبة
التي بعفوية تكلم جثمان صديق زوجها في التابوت تسأله أن يدلها على مكان زوجها ...تحاول ان تبحث عن رائحته في ثيابه بعد رحيله... ردة فعل جان المبتهجة إزاء حمل زوجته ...الخ
هناك أيضا تقنية جميلة اتخذها هشام و هي إدارة المشاهد بحركة سينمائية فالين عندما تنتظر عودة زوجها في الخامسة مساءا ينقلنا هشام الى المشهد المقابل عند تمام العتمة في الحادية العشرة ليلا ثم ركضها في طرقات القرية وهي تبحث عنه صباحا
حركة كاميرا ذكية و نقلاتها مدروسة بعناية دون ان تشكل انقطاعا لدى القارىء كما أنها تكثف الحالة الشعورية التي أحست بها آلين
اسقاط سياسي وجدته هنا عندما حاول هشام استكناه ما تحس به الوعول إزاء الناس القادمين لانتهاك عذرية الجبل
هنا تظهر نسبية الاشياء
هذه الوعول ترى في المتسلقين غزاة للجبل بينما هم يعتقدون أنهم يمارسون أبسط حقوقهم
و بما يعني أن أي كائن إنسان او حيوان أي مجتمع من أي نوع لا يقبل ان تنتهك خصوصيته