الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2019, 08:14 AM
المشاركة 122
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
شهد الحائط على مسرح الجريمة !
بقلم ابراهيم البارقي


في كهفي الموحش تقبع إرادة لو أفرغتها في جبل أصم شديد الصلابة لفتت صخوره العاتية إلى ذرات رمال صغيرة !

هكذا بدأ يخاطب يومه الذي استقبله بعنفوان ابتسامة توحي بأن العديد من براكين الحماسة الخامدة بداخله قد ثارت وأقضت مضجعة الوثير,نهض وعبأ همومه يثقل كاهله ونادى بصوت جهور ماري..ماري,مرت فتره وجيزة ولم تلقى نداءاته المتكررة صدى إجابات..قال والحيرة تطوقه من كل جانب : أين تذهب هذه الخادمة ؟ رشق بنظرة سريعة دفتر التقويم فوجد انه يشير إلى نهاية الأسبوع يوم الجمعة ..قال بعبارة سلسة جرت على لسانه بكل رشاقة وكأنها حررته من أغلال الحيرة التي طوقته : أوه تذكرت هذا يوم إجازة الخادمة يبدو أنها كانت تنتظر يومها المشهود طيلة الأسبوع وحينما واتتها الفرصة بلمحة بصر خطفت رجلها وخرجت كبقية الخادمات يتسوقن ويتنزهن ويقظين نهاية الأسبوع بكل متعة ليعودوا بعد ذالك بروح جديدة منتعشة يخالجها المرح والسرور , أشاح فارس بوجهه أمام الحائط وقال بصوت متشائم :إنها لن ترجع إلا حينما يحين موعد الغسق !

أراد فارس أن يبدد التشاؤم الذي بداخله بأن يقف بقامته الفارعة ابتداء بتحيرك رجليه الضخمتين المشلولتين ولكن بلا جدوى فهو كل يوم تشرق شمس الأمل بداخلة فتوقظه من سباته وتحرضه على الوقوف على رجليه ولكن هذه المرة وكل مره تخونه في الوقوف..هتف فارس بحماسة : الكرسي المتحرك ..نعم الكرسي المتحرك ,أجال النظر إلى كرسيه المتحرك فرآه على بعد خطوات من سريره قال بلهجة اتسمت بالعتاب والحنق: أوه يا ماري لكم صببت في أذنك العديد من الأوامر وحذرتك من التراخي في تأديتها حتى باتت تلك التحذيرات أصداء تتردد في أذنك بشكل يومي سكت برهة من الزمن وكأن حقيقة غابت عن ذهنه كانت تحوم حول رأسه وبشكل لولبي ووقعت في رأسه وأدرك تلك الحقيقة بقوله : يبدو أن كلماتي ما أن تولد في شفاهي وتنتقل إلى أذنها حتى توافيها المنية وبدورها تقوم بتشييعها ودفنها وآداء الصلاة عليها !
قال بهمسة عتاب وكأن ماري أمامه : لماذا لا يكون الكرسي المتحرك ملاصقا لسريري وفي حال غيابك يكون من اليسر والسهولة أن أتناوله بيدي ويتسنى لي التنقل بين ردهات المنزل دون إزعاجك ؟ بقي فارس بضع ثوان شارد الذهن يبحث عن سبب للذي حصل واستطرد بلهجة تنم عن ثقة لصحة تفسيره الذي وصل إليه : يبدو أن حماستها لقضاء نهاية الأسبوع قد حرضتها على الإهمال والتقصير في تأدية واجبها ! وأنت هل تستطيعين أن تحمليني إلى كرسيي المتحرك ؟ قال هذه العبارة ونظرته الحزينة ترمق رجليه المشلولة ..آه يا للمسكينة لقد سحقها الحادث وحطمها حتى لأنني على يقين بأنني سأعيش بقية عمري ألازم هذا السرير ولكن الطبيب قال لي أن أعصاب الحس في رجلي انقطعت صلتها بأعصاب المخ ولكن بفضل المداومة على جلسات العلاج الطبيعي الذي سيقدم لي من قبل المستشفى من المحتمل أن الحياة ستجري في رجلي وسأعاود الحركة كما كنت في سابق عهدي ,عندما تذكر فارس حديث الدكتور رُسِمت ابتسامه على شفاهه يكتنفها القلق من ذالك المصير الأسود المجهول ؟ وبينما فارس يوبخ نفسه مره ويلعنها تارة أخرى تناهى إلى أذنه صوت وقع أقدام تحث خطاها للدخول إلى منزله قال بلهجة شديدة تفصح بأنه في حالة استياء مما حدث: أوه يا صاحبة العينين الضيقة يبدو أن ذاكرتك الصغيرة لم تسعفك بأن تغلقين الباب الرئيسي أي حماقة ترتكبينها هذا اليوم اقسم بالله لن تنجي بفعلتك هذه, إن الخادمات إن عاملتهم بلطف واحترام قابلوك بالإساءة وان عاملتهم بقسوة أذعنوا لك !
أصاخ السمع للصوت الخافت الذي بدأ يزداد وضوحا فأيقن أنها ليست أقدام حيوانات كقط مشرد أو كلب يلهث وراء فريسته بل هو صوت رجل وهو قاصدا أن يدخل المنزل! قال فارس محدثا نفسه يبدو أنه لص يريد سرقه المنزل , وفي هذه الآونة تراءى في مخيلته أنه يحمل سكينا حادة أو مسدس ومن تسول له نفسه بالوقوف أمام خطته سيرديه قتيلاً ! وتذكر فارس أن ليلة الخميس يسهر فيها الناس خارج منزلهم وحينما يعودوا يستقبلهم فراشهم وينعمون بنومة يتقلبون فيها كأنهم سكارى وأن صرخاته التي ستنطلق في الفضاء لطلب النجدة ستتلاشى ..عندما أدرك تلك الحقيقة أصابه ذعر وتجمع الدم في عروقه وبدا متشنجا مشدوها يترقب الداخل ؟

رأى مقبض باب الغرفة يستدير ثم انفتح عندها سمع الرجل ضجيج رأى فيه أن دخوله بهذه الطريقة المفزعة تسبب في سقوط فارس من سريره إلى الأرض ,تقدم الرجل إلى فارس وفي يده مسدس من عيار 9 ملم بلجيكي الصنع وفيه مخزن يتسع لـ 13 طلقة يبدو انها ترسانة كافية لعمليات السطو على المنازل , قطب فارس حاجبيه وسدد نظره تفرس فيها وجه اللص الذي يقف أمامه وبدت أمارات الخبث طاغية على محياه وعينيه الواسعتين يشع منها دهاء واضح للعيان بدا ذو قامة قصيرة تتناسب مع جسده النحيل الذي يكسوه أسمال باليه ورثه حتى جواربه بها أخدود ورقع وحذائه الجلدي يبدو انه نسي أن يربط خيوطه ,أدرك فارس بنظرته الحادة وببراعة التحليل والتمحيص الذي يملكه : أن اللص لا يملك شروى نقير وفقره المدقع هو ما دفعه إلى توفير قوت يومه وذالك بالسرقة والسطو على المنازل .

كان وجه اللص مكفهر ومتجهم من نظرات فارس المريبة وقال بلهجة الحانق :لماذا تنظر إلى حذائي هل أعجبتك ؟ خذها إذن ..على ين غرة سدد اللص ركلة قويه إلى وجه فارس الذي بدت عليه أمارات الدهشة والذهول لأنه لم يتوقع أن ركلة مباغته وعنيفة تصطك بأنفه احد اضعف المناطق الحساسة في الوجه ومن جراء الركلة تصبب الدم من أنفه حينها استشاط غضباً وانتفخت أوداجه ..وخذ هذه أيضا أطلق اللص تلك العبارة تصحبها ركلة إلى جسد فارس الملقى على الأرض ولكن دهشة اللص لا توصف لأن ركلته الثانية تم التصدي لها فقد توقعها فارس فهي لم تكن مباغته كرفيقتها الأولى وما كان من اللص إلا أن حمله غضبه على تسديد ركله أقوى وأعنف لكي تأتي أُكلها في جسد فارس بالفعل رجع خطوتين إلى الخلف كثور هائج وتقدم للأمام رافعا رجله إلى أعلى مجمعا قواه في رجل واحدة ولكن انزلق اللص وسقط على الأرض ومسدسه الذي يحمله سقط وتدحرج ناحية الكرسي المتحرك عندها وجد اللص نفسه جنبا إلى جنب فارس وكأن الحظ ملاك نزل من السماء لينقذه ! قال فارس وضميره يؤنبه أمام ماري: آه يا ماري يبدو أنك لم تمسحي الأرضية واللص الغبي من شدة اندفاعه وجمع قواه كلها في رجل واحدة فقده توازنه وأنزلق سأعفو عنك هذه المرة يا ماري لأنك قدمت لي هذا الصنيع !
وجد اللص نفسه في قبضة فارس الفولاذية كأنه دمية وقعت في يد رجل ضخم جبار,وبالرغم من أن رجليه مشلولة لا تقويان على الحركة إلا أن قبضت يده كفيله بأن تسحق اقوي الرجال شراسة وأشدهم بؤساً ,زمجر كأسد وقعت فريسته بين مخالبه وأخذت تتلوى وتتخبط لتجد حيلة للفرار من قبضته ولكن هيهات..هيهات ! رمى فارس ثقله على اللص لكي يقطع عنه كل سبل الفرار والإمدادات وضم اللص إلى صدره واقفل عليه بيديه القويتين الفولاذيتين وعصره عصره لا حول للص ولاقوه فيها ! وسدد بقبضته الحديدية لكمة وأخرى وأخرى ضعف الركلات التي تلقاها بروح ملأها الثأر ورد الدين ,وبينما اللص يتلقى الضربات الموجعة بخفة مهرج ادخل يده في سترته واخرج منها سكينا حادة ليغرزها في صدر فارس وحينما سكنت السكين في صدره تركه وقال بصوت متهدج كأنه يرفض الموت أمام اللص : هل تتوقع انك نفذت بجلدك ؟ وبغريزة البقاء التي توجد بداخل الإنسان لكي يصارع كل ما يفنيه من الوجود دفعت فارس ليعود ويشد شعر اللص حتى تمكن من السيطرة عليه وبكل ما أوتي من قوه ضرب رأسه بحافة السرير الحديدي حتى من شدة الضربة ليسمعها الذي يتجول خارج المنزل !

خيم الهدوء على أرجاء الغرفة وكأن الدماء التي تتصبب من رأس اللص وتنزف من صدر فارس ترفع الرايات البيضاء معلنة نهاية المعركة وعندما سمع الجيران جلبة أصوات تمتزج بالصرخات أيقنوا أن معركة حامية الوطيس تدور رحاها في بيت جارهم وتدافعوا مع المدخل الرئيسي ليهبوا لنجدته ليجدوا أن حائط الغرفة تضرج بالدماء وأنه مازال يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن ذاد عن بيته بشتى ضروب الشجاعة.

منبر القصص والروايات والمسرح

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10798

وحيدة كالقمر