الموضوع: وطن للرّوح
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
3922
 
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي

محمد عبدالرازق عمران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
850

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة
البيضاء / ليبيا

رقم العضوية
10226
09-14-2011, 05:32 PM
المشاركة 1
09-14-2011, 05:32 PM
المشاركة 1
Lightbulb وطن للرّوح
( وطن للروح )

[justify]هي البحر في هديره يأخذ معه كلّ ما يعلق من حصى ورمال منزلقة إلا الرّاسخ والمتجذّر عميقا .. وهي النهر في تعتّقه ونقاء قطراته لتصبح في رحلتها النهائية أرقّ النسائم .. وهي السفينة الشّامخة التي تجوب الدنيا ذهابا وإيابا في رحلتها الدّافقة بين الأحرف والأسطر والكلمات .. بها نتعرف على بواكير إنسانيتنا وأوليّات أكواننا .. نشتّم بها رائحة طفولتنا وألوان أمهاتنا .
فاللغة عجينة الذاكرة ,, ومعدن اللسان الذي بيدنا يستحيل ذهبا أو حديدا .. لامعا أو صدئا .. حدائق الرّوح الدّانية التي إمّا نضرم فيها نيران الخراب .. أو نحوّلها إلى حدائق غناء .. هي أرواحنا الهائمة في أثير الحكاية والجغرافيا .. سواء أكانت .. حديقة منظمة .. بيتا زجاجيا .. مزرعة دائمة .. أو غابة برية .. عبرها نكتشف عقولنا الطائرة إلى أسراب المعاني .. فهي تتيح للإنسان أن ينمو كفرد محقق ناجز شاهق .. وكوكب في سماء التجربة .. هي كائن رائع وخطير .. غامض وسرّي .. كيمياء تلتف عبر شبابيك حياتنا .. تتنفس بين ضلوعنا .. تنتظر الفجر معنا كل صباح .. تسير في طرقات الحياة .. تشاركنا الغبطة والدّمعة .. اللّحظة والمرحلة .. الألم والأمنية .. تشتري معنا الفاكهة والخضار ، تزور معنا الأصدقاء ، وتوصل الأطفال إلى مدارسهم كل صباح .. بالاحتكاك والاستعمال الدائم تتلوى عجينتها جميلة .. وتشرق روحها .. تتمدّد مع حبّ أهلها لتصبح شالا من حرير يلف الكون ويطير عبقرية ونصوصا وأشعارا .. كتبا وأوراقا .
اللغة مقاربتنا الأهم ، حالتنا الحضارية المنعكسة على كافة تفاصيل يومنا .. فعلاقتنا بالّلغة صورة من صور واقعنا الثقافي ، حالتنا الحضارية ، انعكاسات تفاعل أهلها مع الحياة .. فاللغة تحاكي روح أهلها نشاطا أو خمولا ، وانبهارا أو قيادة .. وحين نوصد دونها الأبواب ، ونتبنى ألسنة غيرنا ن يفقد الكائن أشدّ أنواره سطوعا وبهجة ، لتحزن الرّوح ويبهت الكائن تماما مع تهميش لغته التي بها يعيش ويفكر ويتنفس ويتواصل .. ما تورده التقارير يجعل الحديث عن اللغات حديثا ( نوستاليجيا ) بامتياز ، فاللغة بحسب علماء اللغة كائن حقيقي ، تنشأ ، وتتطور ، وتزدهر ، ثم تشيخ ، وتخبو ، وتموت أيضا موتا سريريا وفعليا ، وبحسب حيوية وصلابة أصحابها وقدرتهم على أن تكون حيوية وفعالة.
بفقدان العالم للمزيد من لغات البشر المشكّلين لطيفه الغنيّ ، تصبح الحياة من حولنا أفقر ، كمحيط يفقد كلّ يوم بعضا كبيرا من مرجانه وأسماكه ونباتاته دون عودة .. ولنا أن نتخيّل في أيّ عالم سنعيش إذا ما ظلّ العالم يفقد تنوعه الثقافي واللغوي ، متحولا إلى بحر فقير بفقدانه لغة واحدة كل أسبوعين .. أمّا نحن أصحاب اللغة الشّامخة كسنديان الغابات ، والتي بها كتبت أهم نصوص وقوانين البشرية ، وتوالدت عبرها ومن خلالها لغات عدّة ، ويتكلمها مئات الملايين من البشر ، هل سيأتي اليوم سيأتي اليوم الذي سنقف فيه على أبوابها وأعتابها حزانى ؟ .. إذ اللغة تعيش اليوم معتركات قاسية وصعبة ، وتجد نفسها في مواجهة مشكلات الوحدة الثقافية ، ومشكلة الذّات والآخر ، وعلاقتنا بأنفسنا من خلال اللغة ، ومشكلة الشّخصية الحضارية وأنظمة التعليم المختلفة ، وانسلال أبنائها إلى بريق لغات السّائد ، والكثير من الهواجس والمخاوف الأخرى .. اللغة المحصّنة تعيش الحياة على أوسع وأعمق ما تكون عليه ، تندفع للأمام بحماس شديد كأحصنة البراري تسابق الزّمن والرّيح .. لغة حرّة لا تعرف خوف الابتكار أو التجويد ، يتبارى فرسانها ويستبسلون تجويدا بها ومن خلالها ، لتعيش في قلوبهم ممتدة لكافة تفاصيل حياتهم ، وليجوب هديرها العالم إبداعا وتلوينا وموسيقى .[/justify]

( ريم عبيدات / السعودية )


* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )