عرض مشاركة واحدة
قديم 06-06-2014, 10:38 PM
المشاركة 175
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشاعر القروي *
هو رشيد بن سليم بن طنوس الخوري ،ولد في قرية الب
ربارة بلبنان القريبة من البحر بين جبيل والبترون وذلك يوم الأحد في 17 نيسان سنة 1887 تلك الضيعة الصغيرة الغافية على ذراع البحر الأبيض المتوسط ، كان أبوه مُعلِّماً ثم ترك التعليم بعد زواجه ومارس تجارة التبغ والحرير . تعلّم رشيد في مدرسة القرية وحين بلغ الثالثة عشرة من عمره انتقل إلى صيدا فدرس في مدرسة الفنون الأميركية ثم في مدرسة سوق الغرب ثم في الكلية السورية الإنجيلية في بيروت ( التي عُرفت فيما بعد بالجامعة الأميركية ) . بعد ذلك عمل بمهنة التعليم في مدارس مختلفة بين بيروت وطرابلس وزحلة وسوق الغرب ونظم خلال ممارسته التعليم مقطوعات وقصائد شعرية ظهرت فيما بعد في ديوان (الرشيديات) وكانت بمثابة تعريف عن شاعريته وهذا ليس غريباً فقد نشأ في جو عائلي مشبع بحب الأدب . فوالده كان ينظم وينثر وأخوه قيصر شاعر ممتاز الذي لُقِّبَ ( الشاعر المدني ) وأخته فكتوريا وُلِدَت لتكون شاعرة العرب لولا أن القدر صرفها إلى غير مصير فتزوّجت وأقامت في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن شاعرنا سعيداً بعمله ولا راضياُ عنه لا سيما بعد أن توفي والده عام 1910 تاركاً له مسؤولية كبيرة وهي والدته وإخوته قيصر وفؤاد وأديب وأختيه فكتوريا ودعد وبعد أن انقضى ربع قرن من حياته قرّر الهجرة إلى البرازيل برفقة أخيه قيصر عام 1913 قبل بدء الحرب العالمية الأولى بعد تلقّيه دعوة من عمّه اسكندر القبطان في الجيش البرازيلي مرفقاً مع الدعوة المال اللازم للرحلة ولم يكن السبب الرئيسي لهذه الهجرة سوى الحاجة إلى المال حيث نجد الفاقة والفقر دافعين قويين للهجرة إذا ما أضيف إليهما الحالة السياسية والاقتصادية في بلده لبنان .

ما أن وصل رشيد إلى البرازيل حتى اندفع إلى العمل سعياً وراء الرزق الحلال ، فحمــل ( الكشّة ) وهي قطعة من الخشب يحمل عليها القماش وطاف بها في المدن الداخلية من مدينة إلى أخرى حتى استقر به المطاف في مدينة ( صنبول ) وكان بارعاً في صنع ربطات العنق كما اشتهر بعذوبة صوته وبراعته في العزف على آلة العود حيث عمل على تعليم العزف لبعض الهواة واستلاف الأجر منهم ، كما أنشأ مصنعاً لربطات العنق ثم أغلقه بخسارة بعد ثلاث سنوات . في عام 1924استقدم والدته وإخوته من لبنان إلى البرازيل .

كان ينظم الشعر إلى جانب عمله وأصدر أول مجموعة من أشعاره بعنوان (الرشيديات) كان رشيد على اختلاف في العقيدة الوطنية وفي أدب السلوك مع الصحافي نجيب قسطنطين حداد الذي راح يطعن بالشاعر رشيد وديوانه وينتقده وينتقد شعره في مقالات عنيفة نشرها في جريدته ( المؤدب ) وقال في إحداها : مَن هو هذا القروي شاعر (جرن الكبّة) ؟ فردّ عليه رشيد بمقال وقّعه باسم ( القروي ) . وتبنّى هذا اللقب منذ ذلك الحين وراح يوقّع به كل ما يكتب وينظم . تولّى رئاسة تحرير (مجلة الرابطة) لمدة ثلاث سنوات وكان من أهم المساهمين في إنشاء ( العصبة الأندلسية )سنة 1932 وأصبح رئيساً لها بعد وفاة ميشيل معلوف سنة 1938 ثم أصدر ديوانه ( القرويات) نسبة للقبه ( الشاعر القروي ) ثم أتبعه بديوان (القروي)

الذي حوى جميع ما كان قد أصدره من شعره . ثم توالت طباعته في مصر والعراق وليبيا وسوريا .

عاد شاعرنا القروي إلى وطنه العربي بعد أن غاب عنه خمسة وأربعين عاماً تلبية لدعوة من حكومة الوحدة ( وحدة سورية ومصر ) عام 1958 . فقبَّلَ تراب الوطن وبكى وشكر الله على هذه النعمة ولقيَ من الحفاوة والتكريم ما يليق بجهاده وشاعريّته ، وفي عام 1983 أصدر اتحاد الكتّاب العرب بدمشق طبعة جديدة لديوانه تُعَدّ من أكمل الطبعات .

فارق شاعرنا الحياة وهو متّجه بالسيارة إلى قريته البربارة سنة 1984 . بعد أن ملأ دنيا العروبة بعطائه المبدع . وقد طلب رشيد في وصيّته أن يُصَلّى على جثمانه كاهن وشيخ والاقتصار على الصلاة المسيحية وتلاوة الفاتحة وأن يُنصَب على قبره شاهد خشبي متين في رأسه صليب وهلال متعانقان رمزاً للديانتين المسيحية والإسلامية . ونعلم بأن القروي مسيحي الديانة على المذهب الأرثوذكسي وانه اتّخذ من العروبة ديناً له حيث قال أثناء عودته إلى الوطن :


بنت العروبة هيّئي كفني أنا عائد لأموت في وطني


كان شاعرنا النموذج الفريد للسفراء العرب في المهجر الذين وهبوا أنفسهم للعروبة والوحدة العربية وللقضايا القومية بشكل عام والقضية الوطنية بشكل خاص وهو الذي حمل راية العروبة واتخذها شرعاً ومنهاجاً حتى لُقِّبَ " بشاعر العروبة " و " قديس الوحدة العربية " فالعروبة عنده كما ورد في مقدّمة ديوانه : ( هي أن يشعر اللبناني أن له زحلة في الطائف . ويشعر العراقي أن له فُراتاً في النيل . هي دم ذكي يجري في عروق الجسد الواحد . أعضاؤه الأقطار العربية . وكل ما يعوق دورة هذا الدم يُعَرِّض الجسد كله للأخطار ) .

إن قصائده الثائرة كانت تُحَرِّض أبناء جلدته على الاستماتة في سبيل نيل الحرية وصون الكرامة وكانت هذه ميّزة الأدب العربي في المهجر الجنوبي حيث يقول الأديب المهجري الحمصــي" نظير زيتون " (1896 ـ 1967 ) : (( وميّزة الأدب العربي في البرازيل أنه يستمدّ وحيه من الواقع العربي في الدرجة الأولى ، ومن الحياة والتسامي الفكري في الدرجة الثانية ‘ في حين أن الأدب العربي في الولايات المتحدة وبالتالي " أدب الرابطة القلمية " كان طابعه الرئيسي وجدانياً صوفياً ، وقد وقف بمعزل عن الواقع العربي والقضايا العربية وإن كان ينزع بعض الأحيان إلى الاتصال الروحي والاجتماعي )) .

مــؤلّفاتــه :

1 ـ الرشيديات : أول مجموعة شعرية طبعت له في البرازيل عام 1916 .

2 ـ القرويـات : طبع في البرازيل عام 1916 .

3 ـ الأعاصير : شعر قومي طبع في البرازيل عام 1933 .

4 ـ الزمـازم : مختارات حماسية طبعت عام 1962

5 ـ اللاميات الثلاثة : منها قصيدتان للقروي والثالثة للأمير شكيب الرسلان .

6 ـ له ترجمات قصائد عن البرتغالية والإنكليزية

7 ـ ديوان القروي : يضم عدة مجموعـــات ( فجر على شفق ، البراكين ، الأعاصير ،

الزمازم ، الجماهير ، زوايا الشباب ، الموجات القصيرة ، الأزاهير ) .

من شعره:
1. قصيدة ( عيد البرية) و مع كونه مسيحياً إلا أنه احتفل بمولد النبوي و هو بدعة جلبتها الدولة الفاطمية الرافضة و تبناها الروافض و المتصوفة:

عيد البرية عيد المولد النبوي
في المشرقين له والمغربين دويْ
عيد النبي ابن عبد الله من طلعت
شمس الهداية من قرآنه العُلوي
بدا من القفر نوراً للورى وهدى
يا للتمدن عم الكون من بدوي
يا صاحب السيف لم تُفلل مضاربه
اليوم يقطر ذلاً سيفك الدموي
يا فاتح الأرض ميداناً لدولته
صارت بلادك ميداناً لكل قوي
يا حبذا عهد بغداد وأندلس
عهد بروحي أفّدي عوده وذوي
من كان في ريبة من ضخم دولته
فليتلُُ ما في تواريخ الشعوب رُوي
يا قوم هذا مسيحيّ يذكركم
لا ينهض الشرق إلا حبُّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
فبلغوه سلام «الشاعر القروي»

2. قصيدة ( الفتنة الكبرى):


عرتني خشــيـةٌ لله لـما = رأيت الشمس تأذن بالشروق
فلم أرفع يدي بالحمد حتى = ذكرت بضاعتي وكساد سوقي
ولما قمت منصرفاً لشأني = تذكرت الصلاة على الطريق
حملت بضاعتي .. ألقي اتكالي = على المولى ووعد من صديق
فلم أبصر جمال الروض حتى = عرتني هزة الشعر الرقيق
ولما عدت من نظم القوافي = تذكرت الصديق على الطريق
وإني في ذهول الشعر يوماً = أحوم به على غصن وريق
إذا بحمامةٍ تبكي بكاءً = له جمدت دمائي في عروقي
فلما ذاب في سمعي صداها تذكرت القريض على الطريق
سمعتُ كمنجةً في كفّ أعمى = تثير كوامن الحس العميق
فلما كنتُ منجذباً إليها = ومِلْتِ إلي ّ بالقدِّ الرشيق
ذُهلتُ عن الصلاةِ وكسبِ رزقي = وشِعْري والكمنجة والطريق

3. و قال عند وعد بلفور:
الحقُّ منكَ ومن وعودِكَ أكبـرُ = فاحسب حسابَ الحقِّ يا متجبّرُ
تعِدُ الوعودَ وتقتضي إنجـازها = مهجَ العبادِ خَسِئْتَ يا مُسـتَعمرُ
لو كنتَ من أهل المكارم لم تكن = من جيب غيركَ مُحْسِناً يا بلفورُ
فقلد نفوزُ ونحنُ اضعفُ أمــةٍ = وتؤوب مغلـوباً وأنت الأقـدرُ

4. و من قصيدة له:

صياماً إلى أن يُفطِرَ السيفُ بالدمِ
وصمتاً إلى أن يصدح الحقُّ يا فمي
أَفِطرٌ وأحرار الحمى في مجاعـة؟
وعيدٌ وأبطال الجهــاد بمأتـم؟!
بلادك قدِّمها على كـلِّ ملَّـة
ومن أجلها أَفطِر ومن أجلها صُمِ!
فما مسَّ هذا الصوم أكبادَ ظلَّمٍ
ولا هزَّ هذا الفـطرُ أرواح نـوَّمِ
هبونيَ عيداً يجعل العُربَ أمَّـةً
وسيروا بجثماني على دين بَرهمِ!!
فقد مزَّقت هذي المذاهب شملنا
وقد حطمتنا بين نابٍ ومنسمِ
سلامٌ على كفرٍ يوحِّد بينــنا
وأهلاً وسهلاً بعـده بجهـنَّم

5. قصيدة ( لو ترين) أوردها الدكتور / محمد بن عبدالمنعم خفاجي في كتابه ( قصة الأدب المهجري) و هو صديق للشاعر القروي :
أين يا هند أنت أين = لتري آه لو ترين
شبحاً باسطَ اليدين = يسكب الدمع جدولن
أحمرين
شفه الحزن و الجوى = فهو أضنى من الهوا
كلما أنَّ للنوى = أرسلَ الآه مرتين
مرتين
إن شكا اغرورق النسيم = و بدت في السما غيوم
و تجلت على النجوم= حيرة الدمع و هو بين
عامِلِين
لاصق الجسم بالتراب = عالق الجفن بالسحاب
كل أيامه عذاب =ليس يروي عن عاشقين
هائمَين
تارة يركب القطار = تارة يركب الحمار
يشهد الليل و النهار = أنه بين تارتين
مرتين
من وداعٍ إلى وداع = ليس في ليلة شعاع
ضربات بلا انقطاع= أيها الدهر بين بين
بين بين
كلَّ حظي من الوجود = قلم ناحِلُ و عود
و أنا و الورى هجود = أتسلى ببلبلين
شاديين
إيه لبنان هل يراك = هائم شفه هواك
حبذا العيش في حماك = حبذا العيش ليلتين
ثم حين

6. قال الخوري:
يا من يعدُّ عليَّ كلَّ صغيرةٍ = إن لم تكن متساهلاً ، كن عادلاً
إن كنت مثلي ناقصاً فاعذرْ ، و إن تكُ كاملاً فاعذر لتبقى عادلاً

7. و يقول الخوري:
هو الحب حتى ليس في الأرض مجرم = و لا مدمع يجري عليها و لا دمُ
و حتى كأن القلب في خفقانه =يودُّ به نطقاُ كما نطق الفمُ
فقل للذي لم يعرف الحبَّ قلبُه = و لم يُلفَ إلا شاكياً يتألمُ
أيا صاحبي إن العداء جهنمُ = و ما فيه مِن عزٍّ لتحلو جهنمُ
و يا صاحبي إن التجهم يقتضي من الجهد = ما لا يقتضيه التبسم
ألا كلَّ دينٍ ما خلا الحبَّ بدعة = ألا كلَّ علم ما عداه توهم **

و قد أوصى عند وفاته أن يصلي عليه شيخ و كاهن و أن تقرأ الفاتحة و الصلوات المسيحية و يوضع على قبره شاهد به صليب و هلال كرمز للديانتين : المسيحية و الإسلام.

________________
*جاء في الموسوعة العربية: و الشاعر القروي هو لقب أطلقه عليه نجيب قسطنطين على سبيل الذَّم .و هناك رواية أخرى جاءت في منتدى القصةالسورية :
(... يذكر بأن يعقوب العودات "البدوي الملثم" سأله يوماً: كيف اخترت اسم الشاعر القروي.. فيسرد له الشاعر حكاية مؤداها بأن الشاعر ولدى صدور ديوانه "الرشيديات" لم يُرق لأحد النقاد وهو "قسطنطين الحدَّاد" فظل لفترة ينقده في جريدة "المؤدب" واصفاً الشاعر بنعوت هدفها التقليل من شأنه وشأن شعره، وذات يوم وهو يقرأ الصحيفة متابعاً نقد الناقد له، ظل يقرأ إلى أن وصل إلى قوله "من هو هذا الشاعر "الـ.. شاعر" جرن الكبَّة.. ألشاعر القروي". وبما أن الناقد كان يحاول من خلال إطلاق هذا اللقب التقليل من شأن شعره لكن الشاعر استهوته هذه التسمية وجذبه هذا اللقب فأصرَّ على التشبث به، وقد كان له ما أراد...)

** أورده محمد عبدالمنعم خفاجي في كتابه ( قصة ألدب المهجري) ، في طبعته الصادرة عن دار الكتاب اللبناني ببيروت عام 1980 ميلادي ،هكذا:
ألا كلَّ دينٍ ما خلا الحبَّ بدعة = ألا كلَّ علم ما عدا توهم
و يبدو أنه خطأ عند الطباعة و لا يستقيم إلا بهاء الغيبة التي أثبتها.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا