عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2010, 05:53 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: البعد الدينى فى الصراع العربي الإسرائيلي
لماذا لم يتضح الهدف الإسرائيلي بشكل صريح

لم يتضح هدف إسرائيل من ضرب الهوية الإسلامية فى المنطقة وشعورها الدائم بالرعب من سطوتها لسبب بسيط وهو أن النظم الحاكمة تكفلت بهذا الأمر عوضا عنها دون أن تدرى ,
فمع ظهور التيارات المتشددة أو تيار الجهاد الإسلامى فى مصر والجزائر ولبنان وسوريا وتهديدها لأمن واستقرار الحكومات حتى تفجرت الصراعات بين الجانبين واستمر الصراع يزداد عنفا مرحلة تلو مرحلة حتى وصل الأمر فى مصر مثلا إلى الخوف من كل من يرتدى جلبابا أبيض ويطلق لحيته !
فاكتفت الآلة الإعلامية الإسرائيلية والقوى المحركة من خلفها إلى العمل فقط على نصرة دعاوى التغريب ومناهضة أى صحوة دينية تظهر بتشجيع الفكر الغربي والعلمانى , وهناك من الأقلام من تم إستئجاره صراحة للقيام بهذا الدور وهو هناك من أدى هذا الدور بمناصرة خفية تمكنت فى احتفاء مؤسسات دولية أو عالمية بأى نفكر يظهر عليه بوادر أى هجوم من أى نوع على الإسلام أو الثوابت الأخلاقية
وتلك المؤسسات إما مؤسسات ثقافية وهمية وإما رسمية تابعة لمنظمات دولية وتخضع للتوجيه الصهيونى

والأمثلة أكثر من أن تحصي ويكفينا بيانا مثال كسلمان رشدى الروائي النكرة الذى جعلت منه بريطانيا شهيدا للفكر ومنحته دعما إعلاميا وماديا ورعاية لم يحظ بها وليام شكسبير فى زمانه لمجرد أنه قام بدوره المطلوب فى رواية " آيات شيطانية "
بالإضافة لعلى سالم الكاتب المسرحي الشهير الذى بدأ أفكاره بالدعوة للسلام بحسن نية فى البداية ثم تلقفته الأيدى شيئا فشيئا بدعم مادى ومعنوى لم يحلم به طيلة عمره فانغمس فى اللعبة وهو الآن يكتب فى الواشنطن بوست بالولايات المتحدة وتنعقد المؤتمرات لمناقشة أفكاره العبقرية بينما هو فى قيمته الفكرية التى يدعى الغرب نصرتها لا يساوى فى نظهرهم هم مثقال ذرة وإلا لماذا اكتشفوا عبقريته فجأة بعد مرور ثلاثين عاما على ممارسته الكتابة ؟!
وأيضا نسرين تسليمة التى بالغت جدا فى تمثيل دورها لتستفز عليها الآلة الإعلامية الغيورة لتلفت النظر إليها , والتفت إليها الغرب بالفعل وأخذت تزايد فى نشاطها للدرجة التى دعت بعض المنظمات بالولايات المتحدة للفت نظرها أن ما تدافع عنه من العربدة الأمريكية بالشرق الأوسط ينكره الأمريكيون أنفسهم فكيف بها وهى عربية أن تتفوق عليهم !
بل إن الأمر وصل حاليا إلى أن الطريق أصبح معروفا لكل كاتب مغمور أو طامح إلى الجوائز والتقدير الغربي فما هى إلا بعض الكتابات التى تهاجم الدين وعقائده بشكل صريح ـ غبي كالمعتاد ولا يستحق الرد عليه ـ حتى تقوم الأيدى المتلهفة بإنقاذه وتصويره على أنه منقذ البشرية من الضلال

الطريف أن بعض من يقومون بهذا الفعل للفت النظر لا يلتفت إليهم ممثلوا تلك المنظمات إما لعدم التفات المجتمعات إليهم أو لقلة تأثيرهم فما كان من بعض هؤلاء إلا كتابة الكتب المتهجمة على العقيدة وإرسالها بطرود إلى قيادات الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية طمعا فى صدور قرار بسحب الكتاب من الأسواق وبالتالى يتحقق المطلوب للقيام بدعوى الإضطهاد
وتأشيرة السفر الغربية أو الأمريكية أو حق اللجوء السياسي تمثل حلما بعيد المنال لأى شخص فى حين أنها جاهزة ـ حتى قبل طلبها ـ لكل من يختار الطريق الصحيح لذلك وهو الهتاف ضد أى دعوى تحيي ذرة من الحضارة الإسلامية ولهذا كان هم إسرائيل الأول هو اسقاط حماس وإبعادها عن تيارها الأول القائم على مبدأ إسلامية الأراضي المقدسة


كيف أسقطوا حماس

سبق الإيضاح كيف نجحت إسرائيل فى تحقيق هدفها بإبعاد مصر عن معادلة الصراع حتى لا يظل تهديد قيادتها قائما , ولم تخش إسرائيل من أى حركات مقاومة فى الأرض المحتلة مهما بلغت مقاومتها قدر خشيتها من وجود مقاومة بزى إسلامى يرفع راية الجهاد ضدها , لأن هذا معناه تعاطف وتأييد مليار مسلم
ولذلك أهملت سائر الفصائل وركزت إهتمامها على حماس فور ظهورها بقيادة الشيخ أحمد ياسين ,وتمكنت حماس بسرعة مذهلة من ترسيخ نفسها فى وجدان الشعب الفلسطينى والعربي مع الخط الإسلامى الذى أصر عليه مؤسسها أحمد ياسين ونائبها عبد العزيز الرنتيسي
وعندما دخلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى النفق المظلم للمفاوضات والإعتراف بإسرائيل أعلن الشيخ أحمد ياسين أنه ماض فى طريقه فلا مفاوضات قبل إجبار إسرائيل على ذلك من منطلق قوة , ولا دخول فى دهاليز إقامة السلطة المنقوصة والحكومات فاقدة الأهلية
وقامت إسرائيل باعتقال الشيخ لسنوات رغم كونه فى أرذل العمر ومقعد , ومع ذلك ظلت حماس على نفس الخط من عام 90 حتى عام 2000 م
وكلما كانت السلطة الفلسطينية ممثلة فى عرفات وأبو مازن تتورط فى التنازلات كانت قامة حماس لا تزال تواصل الإرتفاع نتيجة لبقاء توجيهات الشيخ أحمد ياسين وقبضه على مقاليد الأمور فيها ومعه مناضل آخر من نفس الطراز هو عبد العزيز الرنتيسي
وبمجرد إدراكها لذلك ,
وبرغم أن الشيخ أحمد ياسين رجل مقعد فى أواخر العمر , اغتالته إسرائيل بصواريخ مروحية عسكرية بطريقة وحشية , ولم تمض أيام حتى أتبعتها مروحية أخرى نالت من عبد العزيز الرنتيسي وهما قائدى حماس المحافظين على الأسس التى قامت عليها المنظمة وهذا هو المبرر الوحيد لقيام إسرائيل بإجراء كهذا المفروض أنه لن يقدم أو يؤخر مع استقرار الحركة وازدياد شعبيتها وعدم افتقادها للكوادر القيادية التى تواصل المسيرة إلا أن إسرائيل كانت تدرك قيمة وجود الرجلين وكيف أن وجودهما يعنى استمرار حماس على خطها الثابت دون تغيير
ثم بدأت الإغراءات تنال من قادة حماس الذين خلفوا الشهيدين بطريقة غير مباشرة , وكانت البداية مع التفكير فى اكتساب حماس لشرعية وجود دولية وسلب السلطة الفلسطينية التى تمثلها منظمة التحرير وفتح مكانها القيادى المظهرى على رأس الدولة ورأس المجلس التشريعى والسيطرة على مصادر التمويل التى تذهب للسلطة القائمة باعتبارها ممثلة رسمية أمام العالم للشعب الفلسطينى

وظهرت أصوات معارضة لهذا التوجه والإنخراط فى العمل السياسي الذى لن يقدم أو يؤخر فى القضية إلا أن التيار الغالب كان لصالح خوض التجربة , وبالتالى وعقب إنتهاء دور عرفات ودحلان وأبي مازن لم تجد إسرائيل بدا من التضحية بهم كأوراق محترقة والإلتفات إلى التيار الصاعد لحرفه على توجهه

ولهذا جاء إعلان شارون انتهاء عرفات كممثل وشريك تفاوض رغم كونه لم يرفض لإسرائيل طلبا أو يتوانى لحظة عن الإعتراف بعدم شرعية الهجمات الإنتحارية بل وقام بالمطلوب منه حرفيا فى صدد اعتقال عناصر حماس التى قامت بعمليات فدائية حازت إعجاب العالم وحصدت إستنكار عرفات أمام وسائل الإعلام
أيضا وبالمثل قامت إسرائيل بنفس الدور مع أبى مازن ومحمد دحلان فسربت عمدا كل المؤشرات التى تظهر التعاون الوثيق بين الطرفين
كل هذا فرّغ الساحة أمام حماس لتفكر جديا فى لعبة السياسة التى وقعت فيها بقبولها الخوض فى الإنتخابات مع ما يلزم من مظاهر الإستنكار والرفض من جانب إسرائيل لفوز حماس , وهو إستنكار ضرورى لتكوين الذريعة المناسبة لتجاوزات إسرائيل مع توافر طرف متطرف على الجانب الآخر كما تزعم

وتم استقبال قيادات حماس من جانب أطراف عربية تلقنها ما يجب أن تكون عليه كحكومة ونظام ديبلوماسي ! وبدأت التنازلات تترى من أول لحظة عندما أوقفت تقريبا سائر العمليات العسكرية من الحكومة الجديدة وبدأت لعبة اتفاقات الهدنة , ومد جسور مفاوضات السلام
ثم خرجت حكومة حماس للعالم الخارجى حيث دنيا سيارات الليموزين والإستقبالات الرسمية التى حفلت بالتغيير فى مواقف سابقة قطعتها حماس على نفسها وكان أبرزها تناولها عن الإرتباط مع قضايا العالم الإسلامى وظهر ذلك مع تصريح من أحد أطراف الحكومة أثناء زيارته لموسكو قال فيه علنا أن حكومة حماس تعتبر الشيشان مسألة داخلية !
وعندما تفجرت الخلافات الدموية بين مختلف الفصائل وحماس سكنت سائر الأصوات ونسي جميع الأطراف كل شيئ إلا ضرورة انتصار كل منهما على الآخر .. وكان الهدف أيضا شغل حماس بصراع داخلى عن طريق إظهار إسرائيل عدم اعترافها بحكومة حماس لتعلن بقية الفصائل أن حماس لن تفيد الشعب الفلسطينى وبالتالى فعليها التنحى لتعود نفس الوجوه القديمة لمقاعد الحكومة حتى تقبل إسرائيل بالتفاوض

وهكذا نجحت نفس اللعبة اليهودية التى نجحت مع مصر وتمكنت إسرائيل من إبعاد حماس عن خطها كمنظمة نشأت للدفاع عن الحق الإسلامى والعربي وفقط ,
أما لعبة غزة الأخيرة التى أثارت دهشة العالم من حماقتها لكونها عملية وحشية لا مبرر لها , وقد خمنت بعض الدوائر السياسية أنها حرب للقضاء على حماس والخلاص منها , فلما أسفرت الحرب عن بقاء حماس كما هى وفى نفس الوقت تعلن إسرائيل أنها حققت هدف العمليات
كان لابد من التساؤل وما هو هذا الهدف الذى تحقق والذى استحق الهزة التى تلقتها إسرائيل من ردود فعل العالم أجمع فضلا على الخسارة الإقتصادية مع تركيا ؟!
وكان هذا الهدف إسقاط بقية التعاطف الباقية مع حماس وسد الطريق على أى محاولة لتصفية الأجواء بين الفصائل عندما تتخلى تلك الفصائل ـ كما حدث بالفعل ـ عن حماس فى مأزقها بغزة ومحاولة تصوير الدمار والخراب الذى حل بغزة على أنه بسبب حماس وحدها وبالتالى تكون حماس هى التى جرت على شعبها وابل الدمار واهتمت فقط بمصلحتها وبقائها , وبالفعل دافعت حماس عن مصالحها أمام فتح بشراسة وطردتها نهائيا من غزة بينما اكتفت بالصمت إزاء العدوان الإسرائيلي

بالإضافة لنتيجة أعظم تخدم المخطط الإسرائيلي تتمثل فى أن الإنقسام لم يقتصر هذه المرة على الفصائل المتحاربة بل امتد إلى الشعب نفسه الذى انقسم فعليا بين غزة وأريحا وتفجرت أجواء الصراع بينهما
هذا الصراع الذى بدأ منذ اللحظة الأولى سياسيا محضا لا علاقة له برسالة حماس القديمة التى رفعت راية الإسلام فتربصت بها إسرائيل وأنهت وجود تلك الراية للأبد , وستجرى الأيام القادمة لتعلن عن المخبوء عندما تقبل إسرائيل الإعتراف بحماس كشريك تفاوض وهو غاية المنى بالنسبة لإسرائيل لخبرتها السابقة فى كيفية اللعب بعصا المعز وذهبه ولثقتها أن غياب الوجه الإسلامى معناه غياب التمسك بالثوابت جميعا

وغاية القول ونتيجة المقال تتلخص فى طريقين انحرفت عنهما المقاومة ـ كل مقاومة ـ وانشغلت بالصراعات الجانبية
الطريق الأول : حصر الإشكال فى قضية أرض لا قضية عقيدة
الطريق الثانى : البحث عن شرعية الحكومات بدلا من شرعية القتال التى تظل دائما وأبدا هى الشرعية الوحيدة المقبولة طالما كان هناك إحتلال

وآخر النتائج التى أوصلتنا إليها مراحل التخلى هى ضياع مسألة القدس والمسجد الأقصي نهائيا من طاولة الإهتمام والحوار بعد أن نجحت إسرائيل فى حصر الإنجاز المتوقع على تكوين دولة فلسطينية وتعايش سلمى رددها الأطراف المعنيون كالببغاوات فى حين أن مراحل تهويد القدس قاربت الكمال !