عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-2010, 01:40 PM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
كتاب خلق الإنسان
الإنسان لفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة فما يدلك أنه يقع على الواحد قولهم في تثنيته إنسانان فلولا أن إنساناً قد يقع على المفرد لم يقولوا إنسانان ولذلك استدل سيبويه على أن دلاصاً وهجاناً ليسا من باب جُنُب لقولهم دلاصان وهجانان فلو كان بمنزلة جُنُب لم يثن ومما يدلك على أنه يقع على الجميع معْنيّاً به النوع قوله تعالى "إن الإنسان لفي خُسْر" ثم قال "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وكذلك قوله تعالى "إن الإنسان خلق هلوعاً" ثم قال "إلا المصلين" ففي استثناء الجماعة من هذا الاسم المفرد دلالة بينة على أن المراد العموم والكثرة وفي وقوع المفرد موضع الجميع دلالة يعلم بها أن المراد الجمع وذلك أن الأسماء الدالة على الكثرة على ضربين فأحدهما اسم مبني للجمع والآخر اسم أصل بنيته ووضعه للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة، والضرب الأول وهو الذي بني للجمع على قسمين أحدهما من غير لفظ الواحد وذلك نحو قوم من رجل ونساء من امرأة والآخر أن يكون من لفظ الواحد المجموع وذلك كَرْكب من راكب ورَجْل من راجل وأما الضرب الثاني من القسمة الأولى وهو الاسم الذي أصل بنيته أن يكون للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة فينقسم أيضاً إلى ضربين أحدهما أن يكون اسماً مبهماً مقصور لا يقتصر به على أمة كالذي ومن وما إذا اقترن بما يدل على الكثرة كقوله تعالى "والذي جاء بالصِدْق وصَدَّق به" فهذا قد اقترن به ما يدل على الكثرة وهو قوله "أولئك هم المتقون" والآخر أن يكون اسماً متمكناً أولاً مقصوراً على أمة كالجون والإنسان والفرس وهذا الضرب من أسماء الأنواع على ضربين نكرة ومعرفة وهي التي تقع في غالب الأمر والجمع كما قدمنا وجه تعريفه فإنما يذهب إلى تخصيص النوع ونظيره قولهم أهلك الناسَ الدينارُ والدِّرهمُ وكَثُر الشاءُ والبعير ليس المراد درهماً بعينه ولكن المعنى أهلكهم هذا النوع وكثر هذا النوع فقد تبين أن القصد في التعريف إنما هو الإشارة إلى ما يثبت في النفوس فليس الدرهم في هذا ونحوه كدرهم واحد قد عهدته محسوساً ثم أشرت إليه بعد لأن معرفة كلية النوع بالحس ممتنعة وإنما يعلم به بعض الأشخاص فهذا الفرق بين تعريف الشخص وتعريف هذا شيء عرض ثم نعود إلى لفظ الإنسان فنقول ومما يدل على أنه يقع للمؤنث قول الشاعر:
ألا أيها البيتان بالأجرع الـذي بـأسـفـل غضى وكثيب من الناس إنسان لدى حبيب.
فهذا قد أوقعه على المؤنث إنسان عندي مشتق من أنس وذلك أن أنس الأرض وتجملها وبهاءها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المعتمر لها والمعني بها فوزنه على هذا فعلان وقد ذهب بعضهم إلى أنه إفْعِلانٌ من نَسِيَ لقوله تعالى "ولقد عَهِدْنا إلى آدم من قبل فَنَسِيَ" ولو كان كذلك لكان إنْسِيَاناً ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يسقطها فأما قولهم أناسي فجمع إنسان شابهت النون الألف لما فيها من الخفاء فخرج جمع إنسان على شكل جمع حِرْباء وأصلها أنَاسِينُ وليس أناسي جمع إِنْسيٍّ كما ذهب إليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد أنشده أبو الفتح عثمان بن جني النحوي.
أهلاً بأهل وبيتا مثل بيتكم وبالأناسِينِ أبدالَ الأناسِينِ.
قال ياء أناسي الثانية بدل من هذه النون ولا تكون نون أناسِين هذه بدلاً من ياء أناسي كما كانت نون أثانين بدلاً من ياء أثاني جمع أثناء التي هي جمع الاثْنِ بمعنى الاثنين لأن معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لام البتة فهي ثم ثابتة وليست أناسين مما لامه حرف علة وإنما الواحد إنسان فهو إذْنَ كضِبْعانٍ وضَبَاعِين وسِرْحانٍ وسَرَاحِين ولا يكون إنسان جمع إنسي لأن الله سبحانه قال: "ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسىَّ كثيراً".
بني آدم، ان.... منه بانسي... إنسان... جميعاً من بني آدم... وانسي قد يكون لغيرهم على ما أريتك فقولهم أي الإنسان على غير قياس أو على حذف الزائد وأما الأنْسُ فجمع إنسيٍّ كزِنْجيٍّ وزِنْجٍ وذلك أن ياء النسب تسقط في هذا الضرب من الجمع كما تسقط فيه هاء التأنيث كقولهم طَلْحة وطَلْح وذلك للمناسبة التي بين ياء النسب وهاء التأنيث قال سيبويه وقالوا أناسِيّ وأناسِيَةَ فَعَوَّضوا الهاء وأما أُنَاس فجمع إنْسٍ كظئْرٍ وظُؤَار وثنْىٍ وثنُاء جمع عزيز وستأتي منه نظائر مع ، إن شاء الله تعالى فإذا أدخلوا الألف واللام في أُناس قالوا الناس هذا قول سيبويه وذلك أنه ذكر اسم الله عز وجل فقال الأصل إلهٌ فلما أدخلوا اللام حذفوا الهمزة وصارت اللام كأنها خَلَفٌ منها ثم قال ومثله أُناس فإذا أدخلت اللام قلت الناس إلا أن الناس قد يفارقه اللام ويكون نكرةً والله تعالى لا يكون فيه ذلك فَخَرَجَ ظاهر كلام سيبويه على أن الناس لا يجوز فيه دخول الهمزة مع اللام وليس كذلك لأن اللام في الله تعالى خلف من الهمزة وليست كذلك في الناس ويدلك أنها ليست في الناس عوضاً من الهمزة كما هي عوض منها في اسم الله تعالى ما أنت من اللام وإنما أراد سيبويه الهمزة مع اللام لا أنه مساو لاسم الله تعالى وإنما أراد مثل ذلك في بعض أحواله فأما قولهم أَنَسٌ فهو اسم جمع آنسٍ كعازبٍ وعَزَبٍ فإمّا أن يكون هو الذي يَأْنَس بما أُوتيَه من العقل والنطق وإما أن يكون هو الذي أَنِسَتْ به هذه الدنيا وعُمِرَتْ فيكون أَنَسٌ اسم جمع آنسٍ الذي هو في معنى مأنوسٍ به.