عرض مشاركة واحدة
قديم 02-19-2011, 11:25 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


ثم لو أننا أمعنا النظر، ألا نجد بأن جميع هذه التكوينات، هي في المقام الأول وفي المقام الثاني (وهل للإحساس مقام أول ومقام ثان، هنا أيضاً ينبغي التشكيك) رسوم ذاتية متخيلة؟ لها حجم المرآة الشخصية. ولكن أدونيس لا يرى نفسه فيها "فريداً" بل متعدداً. إنه على التوالي راقص الحبل، المحارب، رام طيارة الورق، خطيب، متفكر، متأمل، متسائل، مقنّع، وهو أيضاً، طير، مارد البحر، حشرة، حصان، أو شبه حصان، دبّ أو شبه دبّ، وهو حامل الكتاب، أو عاشق بحضرة معشوقه. إنه كل هذه الشخصيات بالتعاقب وبالتناوب، يتنقل من الأولى إلى الثانية، دون التشخصن بأية واحدة منها، كممثل قادر على تأدية جميع الأدوار بما في ذلك شخصيته الساكنة الصموتة. إنها شخصيات وضعت وستبقى أمام النص، لأنه نص الآخرين الذي لا ينتهي، وهو المصدر لجميع النصوص الحالية والقادمة.




إن هذا الحضورالكلي للنص، المقروء واللاّ مقروء، المكتوب بالعربية أو القادم من حضارة مجهولة (الأولى) ينم عن إرادة تسعى لضم اللغة المكتوبة إلى الأشياء بذواتها. مما يشير، وبطريقة غير مباشرة، إلى أن أدونيس لا يؤمن بوجود لغة مطلقة. الكلمات، بنظره، مثل البحر الذي يسمح للأشياء بأن تقف على سطوحها. إذ أن كل كولاج مصمم على شاكلة لغة مائية مزخرفة بالأرابيسك، حاملة للأشياء، طوف إنقاذ لحطام الواقع، الواقع الذي انسحق، وتبعثر بعد تحلل المعنى، وعلى الشاعر بالأخص، عليه هو وليس على غيره، أن يلملم الجسد المبعثر للعالم، ويمنعه من أن ينطمر في صمت نهائي، وهدام بالتالي لكل معنى.




بمعية أدونيس، نلج في الدوام الوقتي وملازمة المحتمل والممكن، جماعات وفرادى، نحن في سبيلنا إلى ولوجها. إن الصدف واللقاءات العرضية التي هي وراء كولاجاته قادته إلى أن يحّمل بالمعنى كل نظام، مرصود ومثبت بقانون ديني أو بأي قانون آخر، ليحرمنا في الواقع من كل معنى حي.




دعونا لا ننسى بأن كلمات كل لغة هي ملك للجميع، لأنها تنبثق من الجميع. إنها جزء من الزمن وإن وقعت خارج الزمن، وهي جزء من الفضاء وإن انفلتت من الفضاء، في المكان الآخر المنجرف مع التيار. وللتذكير فإن المكان هنا هو كل الأمكنة، كما أن اليوم هو كل الأزمنة. إن إضفاء المعنى على الأشياء، أو إضفاءه من جديد عليها، أو لنقل اكتشاف معنى جديد لها، هوأسمى أفعال الحرية.




هذه هي، بالخلاصة، الغاية من العملية المشتركة والسرية التي ينجزها أدونيس في لوحاته. ولكن هذه العملية لا تمت إلى التوحد أو للنرجسية بصلة، أوحتى إلى الاحتفاء بالذات. بل إنها وثيقة الصلة بمعرفة أدونيس بالرسامين والنحاتين العرب الذين لطالما أدهشونا برسوماتهم التزينية لكتبه النفيسة، وهم:
منى السعودي، أتيل عدنان، شفيق عبود، مهدي قطبي، زياد دلول، سعيد فرحان، آسادور، كمال بلاطة، ضياء العزاوي، أحمد جريد، فريد بلكهيه..


إضافة إلى الرسامين الغربيين المعاصرين، مثل: آشيل بيرلي، مارك بيسان، آن سلاسيك. هذه المعرفة هي التي حفزته إلى أن يدعو اليوم سولاج، وفليسكوفيك، وكريستيان بوييه ليؤشروا وقفات رحلته المسارية في معرضه المقام في معهد العالم العربي. وإن كان سولاج قد رد بلوحته "أسود/ ضوء"، المحملة بالمعنى المتكاثر، والميتافيزيقي وغير الميتافيزيقي، على جميع أعمال أدونيس، وإن كان فليسكوفيك قد أجاب على هذه الدعوة بإحدى أعظم لوحاته المكرسة للحرب ودمارها منذ ثلاثين عاماً، فإن كريستيان بوييه قد أجاب بدوره، بأكثر لوحاته إدهاشاً، ومأساوية، ومرحاً، لايعرف سرها سواه. فكان من المنطقي، أن يشارك أدونيس بكولاج يضمه إلى هذه اللوحة العظيمة لكريستيان بوييه التي تلقي إضاءة على الحقبة الباريسية من حياة أدونيس وأعماله.




إن أدونيس الموحد دائماً وأبداً، لا يفصل بين الرسامين العرب والغربيين، فهو يشترك معهم بذات الحماسة الوجدانية، واللحمة والتواطؤ. وهذا يتجلى في جميع كولاجاته، ونقرأه في كتاباته. وهذا بالنسبة له قدر المعنى الجديد الذي علينا إضفاءه على وجودنا العرضي على هذه الأرض. وهو يرى إنها ليست الحياة التي علينا أن نغيرها فقط، ولا هو العالم الذي علينا تحويله فقط، بل إنه وقبل كل شيء موقفنا الجذري، وتفكيرنا الجذري إزاء جميع الأشياء، وجميع الرجال، مهما كانوا ومن أينما أتوا.





المقال نشر بالفرنسية في كتاب "أدونيس:
شاعر في عالم اليوم"
من إصدارات معهد العالم العربي - 2000 - جهة الشعر


_________________


فاديا الخشن


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)