عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
14

المشاهدات
5533
 
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية

ريما ريماوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
801

+التقييم
0.17

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
الأردن.

رقم العضوية
10476
12-05-2012, 10:52 AM
المشاركة 1
12-05-2012, 10:52 AM
المشاركة 1
افتراضي اختلاط .............. !
اختلاط


سارت عبر الرواق الطويل إلى مؤخرة الطائرة الضخمة، تسحب حقيبة سفر صغيرة وتبحث عن مقعدها
بالنظر إلى الأرقام المثبتة أعلى المقاعد. وجدته في المؤخّرة بالوسط بين مقعدين مشغولين، يشغل
المقعد الذي قرب النافذة رجل ملتح وعلى الطرف الآخر رجل نحيل.

حاولت توسيع مكان لوضع حقيبتها مع الحقائب الموضوعة بعشوائيّة على الرف العلويّ لكن لثقلها لم
تستطع زحزحتها، وجهّت للرجلين نظرة استغاثة، فهبّا من فورهما لمساعدتها، دون تلكؤ أمام سحر
أنوثتها الطاغية، ثمّ بادلاها ابتسامات عذبة فغمرها دفء الطمأنينة، في أوّل رحلة جوية لها بمفردها
بين القارات.

استقرّت في مقعدها، فبادرها الملتحي بلغة لم تفهم منها شيئا، فعاد يخاطبها بالإنجليزية المكسّرة:
- ما رأيك في مبادلتنا الحديث اختصارا لملل الرحلة الطويلة؟! قال متودّدا. أشرقت ابتسامتها:
- نعم، لم لا؟ اسمي "غزالة" من الأردن بلد الشمس المشرقة والسماء الزرقاء.
- أهلا بك، هل من الصحيح أنّكم تربون الجِمال داخل منازلكم؟
رنّت ضحكتها باستغراب:
- لم أرَ الجِمال إلاّ في الأماكن السياحيّة كالبتراء مثلا، المدينة الورديّة المحفورة بالصخر، وأنصحك
بزيارتها فتضرب عصفورين بحجر ترى الآثار والجمال، وتطلّع على المعاصرة والحضارة في بلدي.
- شجّعتني فعلا على أن أزوره، اسمي "مارك" من هولندة بلد الحريّات، وتشتهر بالثروة الحيوانية
والأجبان، وأيضا السهوب الخضراء والزهور الملوّنة، الطّبيعة فيها خلّابة وساحرة. سكت برهة
وأردف موضّحا:
- أنا بحّار أعمل في سفينة كبيرة للصيد، تعوّدنا أن نمضي ست شهور متواصلة في البحر. ومن ثمّ
يتبدّل الطاقم دوريّا، انتهت مناوبتنا وفي طريقنا لقضاء إجازتنا السنويّة في بلدنا، أضاف:
- يعني من يشغلون الصفوف الخلفيّة زملائي البحّارة. صفّقت بيديها ضاحكة:
- أوّل مرة أسمع عن بحّارة باخرة يمخرون عباب الجو. مضيفة:
- عليّ الانتظار عدّة ساعات في مطار بلدكم، حتى يحين موعد الرحلة التالية، أنا في طريقي لزيارة
أخي المغترب في أمريكا.

تدخّل الرجل النحيل الجالس إلى يسارها في الحديث قائلا:
- ما أنعم صوتك وما أجمل ضحكتك كصوت الموسيقى، يحملق فيها بنظرات تكاد تلتهمها.
- أعذريه، في الحقيقة لم نشاهد أنثى مذ ركبنا البحر زمان. علّق مارك موضحا. أكمل النحيل:
- اقتربي مني يا جميلتي، ملامسا يدها وبعض أجزاء من جسدها.

شرع رجل آخر أصلع من خلفها يداعب شعرها البني ّالطويل المعقوص ذيل فرس ويشدّها منه، واضح
أن الخمرة قد لعبت برأسيهما. أمّا مارك فاكتفى بنظرات الإعجاب مفتونا بجمالها الشرقيّ؛ عيناها
العسليتان الدعجاوتان، لونها النحاسيّ وقد لوّحته شمس بلادها الحارة، فمها المكتنز المصبوغ بالأحمر
يشابه حبّة فراولة شهية.

هرعت إلى المضيف الأجنبيّ، وعلامات الضّيق بادية على محيّاها، ترجوه نقلها إلى المقاعد الأماميّة،
فالبحارة حولها سكارى ويقومون بمضايقتها.
- لا أستطيع فالطائرة ملأى بالركّاب ولا توجد مقاعد شاغرة، عودي إلى مكانك حالا نحن بصدد تقديم
الطعام، أجابها آمرا يرمقها بنظرة دونيّة كأنّها مخلوق فضائيّ عجيب.

"يا الله ما العمل؟ إنهم يرعبونني، لا أطيق لمساتهم وتمسّحهم بي." فكّرت قلقة وقفلت عائدة إلى
مكانها. غفا الرجل النحيل على كتفها صاحت به مشمئزّة:
- يا رجل استيقظ وابتعد عني لست وسادة لك. وفكّرت بينها وبين نفسها
" أفٍّ يا لأنفاسه، هذه أوّل مرة أشمّ رائحة الخمرة الكريهة." نعم هي ما زالت يانعة أوّل تفتّحها
( ما باس تمّها غير أمها. *)

حمدت الله على أنها ترتدي بنطالا من (الجينز) السميك، أمسكت يد النحيل المتسلّلة اليها
تتحسّس فخذها تمنعه، أشارت لمارك تنبّهه عمّا يفعل متفهمّا لها تدخلّ، وتجاوب الرجل مع أوامره
مبتعدا عنها، على الأرجح هو قائده.

قطّبت جبينها مواصلة التفكير:
"صحيح أنه يحتسي الخمرة أيضا، لكنّه لم يفقد السيطرة على نفسه، ربما لأنّه ملتزم مع عائلته الّتي
أطلعني على صورها. مهما يكن من الأفضل أن ألتزم الصمت إلى حين الوصول."

لمّا أعلن الكابتن عن قرب وصولهم، غمرها شعور بالارتياح إذ لا مزيد من الاستفزازات:
"الحمد لله، سأحرص على البقاء بين الناس، هؤلاء البحارة لا يؤتمن جانبهم."

بعد انتهاء معاملات الجمرك، تقدّم مارك نحوها منبسط الأسارير:
- أهلا غزالتي الشرقيّة ما زال الوقت كافيا لرحلتك التالية، أنا معجب بك فلنذهب إلى البار سويّا
لاحتساء الخمرة، ثمّ غمز بعينه مردفا:
-أعرف مكانا خاليا من النّاس، سأعلّمك فيه فنون الحب.

" حتّى أنت؟! " منعت نفسها بصعوبة من أن تنهال عليه بالشتائم مكتفية بالرفض القاطع،
ثم مضت في طريقها رافعة رأسها بكبرياء، تابعها مشدوه النظرات فتلك أوّل فتاة ترفض
عرضه السخيّ، بعكس بقيّة النساء اللواتي لم يقاومن رجولته الطاغية.

أسرعت نحو رقم بوّابة المغادرة، جلست تضمّ ساقيها مدة خمس ساعات أخرى، وتنتظر.

أخيرا وصلت بأمان عند أخيها واستقرّت عنده. في أحد الأسواق الكبرى التقيا صديقا
أمريكيّا له، حيّاه قائلا: "هاي جوزيف" وأضاف يعرّفها:
- هذه أختي الجميلة "غزالة" قدمت لزيارتي، ولا مانع لديّ من دعوتها للخروج معك،
إنّها متوفّرة!
________________

* بالعامية:
باس = قبّل.
تمّها = فمها.




مع تحية: ريما ريماوي.


أنين ناي
يبث الحنين لأصله
غصن مورّق صغير.