عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-2012, 11:47 AM
المشاركة 308
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،
الشخصيات:
لقد وظف الكاتب سهيل إدريس مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضاريا( الشرق≠ الغرب)، وجنسيا( الذكورة العربية≠ الأنوثة الغربية)، ولونيا( الأسمر العربي≠ الغربية الشقراء) لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربية المكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعادات والتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلم والإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادي اللاأخلاقي.
وإذا كانت مجموعة من الروايات العربية روايات أفضية ومكانية مثل: روايات نجيب محفوظ( زقاق المدق)، وعبد الرحمن الشرقاوي( الأرض)، ومحمد عزالدين التازي( المباءة- المغارات...)، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني لهي رواية الشخصية لاسيما الشخصية النموذجية( بطل الحي اللاتيني) التي تعيش مصيرا وجوديا من خلال ثنائية الحرية والمسؤولية، الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياة والاستمتاع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي، والمسؤولية التي تكمن في الثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة في الشرق والرغبة في النضال الوطني والقومي لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبت والإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار في مجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري على غرار المرأة الغربية.
لقد خلق الكاتب شخصية مركزية وهي البطل واستتبعها بشخصيات ثانوية تابعة لها مثل صبحي وعدنان وربيع وفؤاد وأحمد. وتتسم هذه الشخصية بالفردية والتشبع بالفكر الوجودي الذي اكتسبه في جامعة السوربون لاسيما أن هذه الفترة كانت فترة الفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دوبوبفوار وألبير كامو، إذ قال سارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلى حياة العبث واللاجدوى تحت شعار: افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء. ( حرية الفعل، حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين هما: الحرية والمسؤولية.
ويلاحظ أن شخصية بطل الحي اللاتيني شخصية تعبر عن المؤلف الواقعي: الدكتور سهيل إدريس مما يعطي لهذه الرواية بعدا أطوبيوغرافيا( سيرة ذاتية)؛ لأن الكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لنا شخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقيا وربيع التونسي المتطرف في مواقفه الوطنية والسياسية وفؤاد الملتزم بالدفاع عن قضايا الوطن والأمة حيث تخلى عن عشيقته فرانسواز لاصطدام مواقفهما تجاه فرنسا وبطشها الاستعماري. ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية والفكرية والنضالية، بينما يظل بطل الحي اللاتيني بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفه تجاه الوطن والأمة والآخر لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين، فلسفته الوجودية متوازنة، وهذا ما يشير غليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين:" فالشخصية المركزية هي الفكرة المثالية، والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها وتسويغ له، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها، وتكشف عن أبعادها. وشخصية بطل الحي اللاتيني قد اختارت النوع الأول من الشخصيات الثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره و معتقده، معتدل في نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقى المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلى توظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف، لتحدد " نموذج" الشخصية المركزية. وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرانسواز أو غيرهما فإنه محاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لانحس فيه بوجود هذه الشخصيات في الواقع أو نكاد. فهي- على أي حال- شخصيات كسيحة شوهاء أشبه بنماذج لفكرة جبرية في رأس المؤلف. الأمر الذي أدى أحيانا إلى أن تظهر النرجسية بوضوح فيما أضفته الشخصيات الثانوية إلى الشخصية المركزية" النموذج" على نحو ما ورد في رسالة جانين الأخيرة إلى بطل الحي اللاتيني التي أشرنا إليها في حديثنا عن الأحداث والعقدة"4.
وحتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلا بينها: فجانين مونترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب، وتقدر الحب والمسؤولية، وفية وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين. أما فرانسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية ذوقها الفني رفيع بيد أنها كانت عنصرية تدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغريت والأخريات كمرأة الرصيف وفتاة السينما فهي نماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية، فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرى تسرق نقودا من البطل، وأخرى تعد ولاتفي. أما هند في الشرق فهي نموذج للمرأة العربية الخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقدات والأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتها ومجتمعها.
قد قلنا سالفا أن شخصية البطل أتت لتعبر عن فكر المؤلف مما جعلها تتميز بالفردية والنرجسية؛ لأن الشخصيات الأخرى كلها تدور في فلكها وترغب في اصطحابها ومعاشرتها على الرغم من انطوائيتها وعزلتها واحترامها لحريتها المقننة التي ترتبط بالمسؤولية. كما يمكن لنا أن نرصد مسارات في هذه الشخصية النامية الديناميكية:
مسار الإخفاق والعبث والملل واليأس واللاجدوى والاغتراب الذاتي والمكاني؛
مسار التحرر الوجودي عن طريق التمركز الذاتي والإشباع الجنسي والارتواء الثقافي والفني؛
مسار النقد الذاتي وتحمل المسؤولية الوجودية والوطنية والقومية.
ويمكن كذلك أن نضع تصنيفا للشخصيات في الرواية بهذا الشكل:
شخصيات وجودية عابثة ( صبحي- عدنان- أحمد....)؛
شخصيات وجودية متوازنة( البطل، وفؤاد)؛
شخصيات محافظة ( الأم، ناهدة، هدى، الأهل في لبنان....)؛
شخصيات نسوية زائفة( مارغريت، ليليان، فتاة الرصيف، فتاة السينما...)،
شخصيات نسوية عنصرية( فرانسواز، امرأة مطعم لوي جران التي وصفت الإنسان العربي بالمتوحش)؛
شخصيات إنسانية ضحية الظروف ولها موقف: ( جانين مونترو- تيريز).
ونستغرب أن يكون بطل سهيل إدريس بدون اسم علم يحمله، إذ تركه مجهولا لتعبر عنه ملامحه وأفعاله والقيم التي يؤمن بها. وما الجدوى من اسم علم في عالم يتناطح فيه الصراع ويبرز فيه الشر وتنعدم فيه الحرية . يقول سهيل إدريس عن بطله:" ولكن من حسن حظ بطل الحي اللاتيني أن قام عشرات من الدارسين يتعاطفون معه، محللين سلوكه بين الوقائع والأحداث، ويربطونه بوضع الإنسان العربي، المحروم المقموع، جنسيا وفكريا واجتماعيا، الذي يذهب ليلتمس الحرية في فترة من الاغتراب المؤقت، حتى إذا أاشبع هذه الرغبة المقموعة والتي كانت تكبت معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، بدأ يعي ذاته ويستكمل مختلف أبعادها، ويوظف طاقته في خدمة قومه الذين يعود إليهم. لقد ارتكب هذا الإنسان كثيرا من الآثام والأخطاء، لأنه كان يعتقد أن الحرية بلا ثمن. ولكنه حين أراد التكفير عن خطئه، أثبت أنه أصبح يعي مسؤوليته وأنه مدعو لتوظيفها في خدمة قضاياه المصيرية."5
وهكذا نخلص إلى أن شخصية البطل اللاتيني شخصية وجودية متوازنة على الرغم من تناقضاتها، وقد اهتدت في الأخير إلى خلاصها المسؤول أخلاقيا ومصيريا ووجوديا ووطنيا وحضاريا.
الفضاء الروائي:
نقصد بالفضاء الروائي المكان وزمان القصة في ترابطهما الجدلي والفني والسردي. فأحداث الرواية تقترن بفضاءين متناقضين: فرنسا ولبنان، وهما يشيران إلى التفاوت الحضاري بين فضاء روحاني وفضاء مادي. فلبنان بالنسبة لبطل الحي اللاتيني فضاء الحرمان والكبت والقهر والعادات المحافظة أما فرنسا فهو فضاء التحرر والانعتاق الوجودي. ويبقى الحي اللاتيني هو الفضاء الأساسي في الرواية لأبعاده التربوية والإنسانية كما أنه ملاذ للمحرومين جنسيا وعاطفيا. وتتقابل كذلك باريس الحرية مع بيروت التقاليد والمحافظة لتشكل شخصية البطل في صراعها الذاتي والموضوعي.
أما زمان القصة، فإن كان غير محدد بشكل جلي ولكن يمكن أن نموقع القصة في فترة ما بين الأربعينيات و الخمسينيات لانتشار الفكر الوجودي وإقبال الشباب على كهوف سان جيرمان لإثبات وجودهم الجنسي والمصيري والتحرر من قيود العقل وأنظمة المنطق، والإشارة إلى خضوع الوطن العربي للاستعمار.
ت- مكونات الخطاب الروائي:
1- الوصف:
يتسم الوصف عند سهيل إدريس بالإيجاز والاختصار؛ والسبب في ذلك أن الرواية تنبني على الأحداث ووظائف الشخصيات مما أثر على الوصف.
ولقد اهتم سهيل إدريس بوصف الشخصيات فوصفها وصفا بيانيا رائعا فيه سحر أخاذ كوصفه لفتاة السينما:" واسترخى في مقعده سعيدا كالطفل، فرحا بقرب هذه الفتاة التي يشعر بنكهة الفتوة تفيض من أردانها. كانت ترتدي بنطلونا طويلا مرسلا في وحشية لذيذة، دون ما تفنن. أما وجهها، فلم ير إلا الجانب الأيمن منه: وجه طفل تبرق فيه عين زرقاء، وشفتان تلتمعان بحمرة شفافة تحييها بسمة ساذجة".6
إن هذا الوصف يعتمد فيه الكاتب على الأوصاف والنعوت والتشبيه والاستعارات المجازية لتزيين الموصوف وتجميله. وقد يركز الكاتب على الوصف الخارجي7 الفيزيائي بطريقة موجزة ومختصرة تخالف طريقة المدرسة الواقعية التي تعتمد على التفصيل والإسهاب والإستقصاء كما عند نجيب محفوظ وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع:" فلم يقتنع عدنان ولم يشأ أن يمضي في النقاش. وما لبثوا أن طرقوا باب منزل في ضاحية " فانسين" أخذوا عنوانه من أحد المكاتب، ففتحت لهم سيدة لا يبدو أنها تتعدى الثلاثين من عمرها، ممشوقة الجسم، سمراء الوجه، ذات سحر وإغراء. وقد استقبلتهم باسمة مرحبة وأدخلتهم غرفة مؤثثة نظيفة طلبت ثمانية آلاف فرنك أجرا شهريا لها."7. كما وصف الكاتب الفضاء بأشيائه كوصفه لغرفة جانين بعد سأمها الوجودي وضياعها النهائي: "ويدخل، فيغلق الباب، ويراها تخلع سترتها وترمي بها على سرير منخفض صغير قائم في الزاوية. وإذ ذاك رأى ثيابها. كانت ترتدي مثل اللباس الذي رآه في " برغولا". وأجال بصره في الغرفة. إنها نصف غرفتي، نصف غرفتها في " ليغران زوم". وبالقرب من السرير، كانت تقوم طاولة قصيرة القوائم. وفي الزاوية المقابلة أريكة ذات مرفقين، أتجه إليها متمهلا، فانخسفت به حين اقتعدها" .8
ويلاحظ على وصف الأشياء الإيجاز بالمقارنة مع روايات بلزاك أو فلوبير؛ والسبب في ذلك يعود إلى افتقار غرفة جانين إلى الأثاث لفقرها وعوزها. ووصف الكاتب بعض الأمكنة إيجازا واختصارا:"على أنه ما عتم أن ضاق بغرفته نفسها، فغادرها عند الغروب إلى ساحة الأوبرا وفي نيته أن يشاهد واجهات المخازن المزدانة لمناسبة الميلاد، بكل رائع فتان من المعروضات. وقد ظل ساعة ينتقل أمام الحوانيت المضاءة، حتى أسلمته قدماه إلى جادة " الشانزليزيه"، وكان قد اجتازها مرة من أدناها إلى أقصاها، فاستشعر لذلك لذة غريبة.".9
الرؤية السردية:
يستند الكاتب في تقديمه للحبكة السردية إلى الرؤية من الخلف أو التبئير الصفري لاعتماد الكاتب على ضمير الغياب والراوي الواحد الموضوعي الذي تنازل إلى درجة الصفر لكسب الحياد وعدم التدخل في الأحداث. وتتسم معرفة الراوي بكونها معرفة شاملة ومطلقة تتعدى ماهو خارجي على ماهو داخلي كأنه الإله الخفي، ويعني هذا أن السارد يتوارى وراء ضمير الغائب ليقدم وجهة نظره ورؤيته للعالم والكون والإنسان. وإليكم مقطعا سرديا يحدد لنا هذه الرؤية المطلقة التي تدخل الرواية ضمن زمرة الروايات الكلاسيكية التقليدية:"وأغضت جانين مونترو، فأدرك هو أن نظرته المحددة قد آذتها. والحق أنه لم تكن له في ذلك حيلة، فقد كان في عينيها الزرقاوان صفاء لم يعهده في عينين قبلهما. وكان يحس، وهو ينظر فيهما، أن نظراته تستحم في مياهها الدافئة، بالرغم من أنها نظرات خاطفة هاربة، بل من أجل ذلك بالذات. وقد شعر بهذا منذ التقت عيناه بعيني جانين للمرة الأولى، فكان كل همه بعد هذا النظر الهارب، ويثبته في نظره، حتى يتاح له أن يسبر أغواره. وكان الفتاة إذ أغضت، قد أدركت ذلك، فصرفت عنه هذا النظر الذي يود أن يحتفظ بأسراره"10.
وللسارد وظائف يقوم بها في هذا النص كوظيفة السرد والتعليق وتقديم الأحداث والتنسيق بين الشخصيات والتأثير في المتلقي من خلال الوظيفة الانفعالية، بالإضافة إلى الوظيقة الإيديولوجية التي تكمن في تقديم الفلسفة الوجودية والدفاع عنها في هذا النص الروائي كأطروحة فكرية للاختبار والتمحيص.
بنية الزمن في الرواية:
وظف الكاتب نسقا زمنيا كلاسيكيا متناميا ومتسلسلا في تطوره السردي والكرونولوجي المتعاقب، إذ انطلق من الحاضر إلى المستقبل أو من لحظة الوصول إلى باريس إلى لحظة العودة إلى بيروت بعد حصوله على شهادة الدكتوراه كأن الزمن السردي في النص زمن دائري: بيروت- باريس- بيروت. وعلى الرغم من تسلسل الأحداث منطقيا وسببيا وكرونولوجيا فهناك انحرافات زمنية إما: إلى الماضي لاسترجاعه" فلاش باك"أثناء تذكره للبنان وناهدة وأسرته وأصدقائه وإما في استشراف للمستقبل لما ينتظره من طموح وتطلع علمي ونضالي أو لقاء غرامي ورومانسي.
الصياغة الفنية:
استعمل الكاتب في صياغته الفنية لمتنه الروائي على السرد ، ولكن لم يكتف بهذه الطريقة الأحادية في التعبير بل وظف الحوار للتعبير عن مواقف الشخصيات واستنطاق وجهات نظرهم ومنظوراتهم الإيديولوجية، كما شغل الأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام السارد والشخصية والذي يتحول في عدة مقاطع نصية إلى منولوج أو مناجاة تعبر عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي:" ولكن هذا كله ما معناه، وما مناسبته؟ أليس هو تعلة تتعلل بها من خيبتك؟ أية خيبة هي؟ فتاة وعدت بالمجيء، وأنا لم أطلب إليها ذلك، ثم لم تأت، فليس في الأمر ما يعنيني، وإنما يعنيها هي أنها كاذبة. أما أنا، فقد ذهبت إلى السينما لأشاهد ذلك الفيلم الرائع، وكان لقائي بها لمصادفة عابرة أستطيع أن أنساها بالسهولة نفسها التي تمت بها. أي ضير في هذا؟"11.
أما لغة الرواية السردية فهي لغة بيانية وإنشائية تذكرنا بلغة الرافعي وطه حسين والمنفلوطي، تمتاز بنصاعة التعبير وسلاسة الألفاظ والتعابير الموحية والصور البلاغية الرائعة في الجودة والانتقاء، كما أنها لغة شاعرية في التشخيص، ثرية في تراكيبها ومعاجمها. ومن حقولها الدلالية نجد: حقل السفر- حقل الذات- حقل الجنس- حقل العلم- حقل الحب- حقل النضال.
أما الخطابات التي تتضمنها الرواية فنذكر الخطاب الفلسفي" الوجودية"، والخطاب الأدبي" الشعر العربي الحديث"، والخطاب الديني" تصورات عدنان"، والخطاب السياسي" تصورات فؤاد"...
وبناء على ما سلف يمكن القول: إن الحي اللاتيني رواية كلاسيكية في أسلوبها وبيانية في لغتها الأدبية على غرار رواية زينب لمحمد حسين هيكل أو عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم.
ث- الأبعاد المرجعية في الرواية:
1- البعد الفلسفي:
تندرج رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس ضمن الروايات الوجودية التي ترتكز على مقومين أساسيين وهما: الحرية والمسؤولية. أي أن هذه الرواية تصور عبث الشخصيات وقلقها ومللها وتحررها من القيود الاجتماعية والأخلاقية بحثا عن ذواتهم. ولكن تبقى الحرية عند البعض فوضى واستهتار مثل: صبحي وعدنان، وعند البعض الآخر مسؤولية كفؤاد وبطل الرواية." إن تعبير الحي اللاتيني عن الفكر الوجودي الذي التزم به المؤلف، لاتقل أهمية عن المضامين العديدة الأخرى التي ناقشتها الرواية من خلال اللقاء المتعدد الآثار بين الشرق والغرب، إن لم تكن تلك المضامين نابعة أصلا من موقف عام أملاه هذا الفكر في نظرته إلى الإنسان والواقع وحركة الحياة. وهكذا كان الفكر أبرز ما يسم رواية الحي اللاتيني التي تعد بداية انفتاح المؤلف " البطل"على الفكر الغربي بصورة مباشرة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في قضايا المرأة والالتزام الوطني والقومي والسياسي، والمفارقة بين الموقف 12الثقافي والموقف الاستعماري في الحضارة الأوربية."12