عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2012, 11:35 AM
المشاركة 560
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تطور الحركة الشعرية الموريتانية




مقدم الحلقة
محمد كريشان
ضيف الحلقة
أحمد ولد عبد القادر، شاعر موريتاني
تاريخ الحلقة
11/12/2000







أحمد بن عبد القادر




محمد كريشان:
أشهر ما توصف به موريتانيا هو أنها بلد المليون شاعر وبغض النظر عن مدى دقة التعبير فإن ظاهرة كثرة الشعراء التي نشأت وترعرعت هنا في أعماق الصحراء ما تزال مستمرة رغم تغير الأحوال، وإذا كانت البداوة والصحراء قادرتين دائماً على إنتاج شعراء، فإن القضية هي في استمرار هذا العطاء الإبداعي في وقت شحَّت فيه العواطف، وفي عالم لم يعد يتحدث إلا عن آخر الابتكارات العلمية والتكنولوجية، ضيفنا هذا الأسبوع هو الشاعر الموريتاني أحمد ولد عبد القادر.
أحمد بن عبد القادر من مواليد عام 1941م نشأ في بيئة بدوية تحترف تربية المواشي وتنتشر فيها المعارف العربية، الإسلامية، وقد تعلم الشعر من عائلته.
عمل مدرساً بالتعليم الابتدائي من عام 1965م إلى 1971م.
شارك في تحرير نشرية (موريتانيا الفتاة) وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية (صحيفة المظلوم) السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات. عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب عام 1966م بزعامة الدكتور جورج حبش آنذاك.
عرف السجن السياسي ثلاث مرات في الستينيات والسبعينيات. له ديوان شعر جمع فيه كل القصائد ما بين 1961م إلى 1977م، ونُشر ببيروت بعنوان (أصداء الرمال).
له روايتان هما: (الأسماء المتغيرة) و (القبر المجهول).
محمد كريشان:
سيد أحمد ولد عبد القادر أهلاً وسهلاً.
أحمد بن عبد القادر:
أهلاً بكم.
محمد كريشان:
عندما نتحدث عن موريتانيا كبلد المليون شاعر، متى بدأت هذه المقولة؟ وهل فيها بعض المبالغة ربما؟
أحمد بن عبد القادر:
هذا المصطلح الشائع جداً على ما أتذكر بدأ منذ سنة 1967م، وكان مطلق شرارة هذا الشعار هو مجلة العربي الكويتية، أتذكر أنها كانت وقتها جزيرة الوقت، كانت بإخراجها الجيد ومواضيعها المتنوعة جامعة للعرب..، جمهور من القراء العرب واسع النطاق، زارتنا البعثة وقتها، بعثة العربي وأتذكر أنها كانت تتألف من صحفي يسمى سليم زبال ومصور يسمى إدوار متريادا، وصادفت الصحراء الموريتانية على حقيقتها يعني قبل عهود الجفاف الذي أصاب بلدان الساحل فيما بعد فغير أوجه الحياة وترتبت عليه نتائج اجتماعية كثيرة، وأتذكر أن المرحوم الأستاذ أحمد بن عبد الله كان هو المرافق الدليل لهذه البعثة وتنقل معها بين المحاضر، محاضر البادية وشهدوا كثير من المطارحات الشعرية الليلية والسهرات الأدبية وأثناء التحقيق سأل أحدهم –أحد أعضاء الوفد- مرافقه: كم عدد سكان هذا البلد؟ قال له: مليون، قال له إذاً أنتم مليون شاعر، وطلع التحقيق بعنوان.. زاوية اعرف وطنك أيها العربي. موريتانيا بلاد المليون شاعر، فشاع هذا اللقب أو هذا الشعار أو هذه الصفة، من حيث المبالغة طبعاً تعرفون قبل أن تسألوا أنها مبالغة، لأنه لم يكن في العالم العربي كله مليون شاعر في أي وقت من الأوقات في زمن واحد، طبعاً هناك مبالغة، مبالغة إعلامية كما يقال.
محمد كريشان:
يعني جمالية العنوان هي التي فرضت ربما..
أحمد بن عبد القادر:
ربما يعني..
محمد كريشان:
ولكن مع ذلك حتى وإن لم يكن هناك مليون بالمعنى العددي الصارم ظاهرة الشعر في المجتمع الموريتاني ظاهرة منتشرة.
أحمد بن عبد القادر:
ظاهرة منتشرة، فعلاً منتشرة كانت ولا تزال، وللمبالغة ما يبررها، ولكنها تبقى مبالغة، فشاع في البلدان العربية أنها بلاد المليون شاعر، بعض العرب يأخذها على حقيقتها إعجاباً وتبجيلاً للموريتانيين أو تدليلاً، أو شيئاً من هذا القبيل، والبعض على وجه السخرية يعني فيه مفارقات، موريتانيا رغم كثرة دواوين شعرائها القدامى والمحدثون متخلفة في ميدان النشر، أن تقول بلد المليون شاعر ولا تجد دواوين كثيرة في المكتبات، ولا في المعارض العربية وتبقى المفارقة.
محمد كريشان:
ما تفسير هذه المفارقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
المفارقة أننا في ميدان النشر متخلفون هو السبب.
محمد كريشان:
إذاً كيف يمكن الحفاظ على إبداعات بعض الشعراء لا شك بأن المستوى يتفاوت من شاعر إلى آخر، ولكن كيف يمكن لموريتانيا أن تحفظ هذه الذاكرة الشعرية طالما أن النشر متخلف كما ذكرت؟
أنتم ربما تراهنون على الذاكرة، ولكن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب كل شيء.
أحمد بن عبد القادر:
الذاكرة في عهد الصورة يقال أنها تتراجع، في عهد الصورة والوسائل المرئية ولم تعد الذاكرة لدينا كما كانت وإن كان البقية من أفراد الجيل القديم أفراد ونماذج يحفظون بشكل جيد لكن لم تعد كما كانت، فقط الحل هو النشر ونحن نعتزم هذا ونتجه إليه.
محمد كريشان:
يعني ربما أنتم من الشعراء المخضرمين في موريتانيا المعروفين، هل كان الإبداع الشعري في موريتانيا زمن الاستعمار، أو في بدايات الاستقلال أكثر نضجاً وأكثر ثراءً وعطاءً من الآن؟ يعني إذا أردنا أن نعطي نوع من الفكرة الأولية التقييمية على تطور المستوى الإبداعي في الشعر في موريتانيا.
أحمد بن عبد القادر:
سؤال وجيه، موريتانيا في القرنين أو الثلاثة الماضية كان الشعر فيها ناضج بشكل ممتاز كشعر عربي قديم، تبدأ القصيدة بالمقدمة الطللية، وفعلاً كان الشعراء في مجتمع رُحَّل، من الرُّحل يقفون عند مرابع الأحباب وتهيج بهم نار الحنين ويبكون الحبيبة ويقفون على الرسوم والطلول، لا تقليداً وإنما تجاوباً مع..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
البيئة.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
الواقع المعطى، وكانت أغراضهم متنوعة هذا الشعر رغم أنه أكثره مخطوط يوجد منه ديوان جامع نموذجي صدر في القاهرة 1911م (الوسيط في أدباء شنقيط) لأحمد بن الأمين الشنقيطي، وعلى درجة عالية من الرصانة وقوة الأسلوب والإبداع كمان، الإبداع.. الإبداع في محيطه وبيئته، وخاصة في نقاء اللغة العربية، أعطيك مثال: في الخمسينات أو الأربعينات حقق في مصر كتاب (الخصائص) لابن جني في النحو، هو كتاب صعب، فأثناء التحقيق جماعة التحقيق من علماء الأزهر وعلماء اللغة العربية في مصر بدأوا في باب الإبدال، باب الإبدال لكلمة (زبرجد) فقالوا يجوز قياساً، الكتاب يقول إن الزبرجد يجوز قياساً إبدال داله جيماً زبرجد فلم يجدوا له شاهداً من الشعر العربي القديم، ولكنهم قالوا وجدنا له شاهداً في الوسيط في أدباء شنقيط للشاعر محمد بن الطلبة، جيميته الشهيرة الزبردجي في قصيدة جميلة لا أتذكر،لا أتذكر مطلعها هذا مثال، أنه كان على درجة قوية من نقاء اللغة العربية. الشعر العصري، الشعر الحديث، أو الشعر الزمن الحاضر إذا أردت أن أتكلم عنه فعلي أن أقول لك إن عصر التنوير العربي الثقافي في المشرق وصلنا متأخراً يعني لم نبدأ نكتب الشعر في أغراضه الحديثة إلا بعد الستينات، إلا بعد الستينات، ونشترك مع المشرق والمغرب في -إلى جانب تلك الخاصية- في أن هذا العصر الذي هو عصر وضع علامات استفهام حول الشعر ومستقبله والعالم الذي يقودنا في طريق العولمة والغرب ترك الشعر منذ زمن قديم، والشعر دخل أزمة.. أزمة الكينونة لأن الوسائل المرئية، الخيال العلمي وما إليه من مستحدثات زاحمته في الخيال وفي الإثارة والتغني وفي كل شيء يعني نتحد مع الشرق في وصول هذه المرحلة الكأداء في آن واحد إلى جانب أننا وصلنا التنوير متأخراً.
مع أن أؤكد لك أن من السبعينات إلى الآن الساحة الموريتانية مليئة تعج بالشعراء الذين يكتبون الشعر بجميع أجناسه الشعرية، أجناسه الشعرية المعروفة اصطلاحاً.
محمد كريشان:
لكن هل اختفى تدريجياً ذلك الشعر الذي -كما ذكرت- يقف على الأطلال ويتشبه ليس من باب التشبه بالشعر الجاهلي أو الشعر العربي عموماً، وإنما نظراً للبيئة الصحراوية والبدوية هنا في موريتانيا، هل انقرض تدريجياً هذا النوع بفعل تقدم النمط الحضري في موريتانيا وإن كان ببطء يعني.
أحمد بن عبد القادر:
تقريباً، عندنا في الحركة الأدبية الشعرية تجد القصيدة العمودية ذات الجرس الإيقاعي القوي المقلد للشعر..، التي هي امتداد للشعر الموريتاني القديم و التي لا يستسيغها كثير من الجمهور اليوم، وتجد القصيدة العمودية ذات الأغراض العصرية، وتجد قصيدة الشعر التفعيلة عند الشعراء، وتجد حتى القصيدة النثرية التي يسمونها الشعر المنثور، عرفت لها مكانة في الساحة الأدبية، يعني جميع الأجناس الشعرية المتعارفة في الساحة العربية معروفة عندنا الآن.
محمد كريشان:
الغالب تقليدياً أنكم تحبذون هنا في موريتانيا الشعر العمودي، يعني هذا النوع من الشعر الذي عُرف في البلاد العربية في السنوات الماضية الشعر الحر أو أحياناً في غير العمودي والحر وغيره من التسميات، هل كان مستهجناً إلى حد ما نظراً لتشبث الشعراء الموريتانيين بالنمطية التقليدية للقصيدة العربية؟
أحمد بن عبد القادر:
الجمهور الواسع الواسع يرفض الخروج عن قانون الخليل ومرة عرضت على واحد قصيدة من قصائد التفعيلة هو بدوي فقال لي: هذا شعر؟ قلت له: نعم، فأنشد بيتاً للبرعي –شاعر عربي قديم-
وكم من سمىَّ ليس مثل سميه
صفاتاً ويُدعى باسمه فيجيب
يعني مسخرة عند الجمهور الكبير، مسخرة عندهم.
محمد كريشان:
التفاعلات التي تابعت بها الساحة الموريتانية الأوضاع العربية، يعني سواءً بعد الـ 1967م أو 1973م أو غيرها من الأحداث العربية الكبرى سياسياً، كيف انعكست على الشعر الموريتاني؟ هل ظل الشعر الموريتاني يتغنى بالأنماط التقليدية ولم يتفاعل مع الأحداث على الساحة العربية؟ مدى التفاعل الذي كان في الساحة؟
أحمد بن عبد القادر:
الشعر الموريتاني في الستينيات والسبعينات وحتى الثمانينات في أغلبه كان شعر القضايا العربية، أو القضايا المحلية الاجتماعية والسياسية، ولكن كانت قضية فلسطين لها الصوت الأعلى في القضايا، كانت القضايا العربية عندما كان للعرب قضايا.
محمد كريشان:
يعني ما الذي بقى في الذاكرة من بين هذه القصائد التي ربما كانت لها مكانة متميزة في الأحداث السابقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا مثلاً كتبت ديوان كبير عن القضية الفلسطينية وغيري من الشعراء زملائي كتبوا.
محمد كريشان:
هل تذكر منه شيئاً؟
أحمد بن عبد القادر:
لا أذكر قصيدة بذاتها ولكن مثلاً: في السبعينات عندي قصيدة عمودي بعنوان (نشيدي نشيد الرعد) أو نشيد فلسطين على لسانها يقول الشاعر:
سأجمع أشلائي بخيط من اللظى
وأزرع في حقل الجحيم رمادي
وأمضي.. وأمضي واليتامى فوارسي
وحمحمة الأقدار بين جيادي
ليخضر وجه البدر في صحن دره
على نغم الزيتون عبر جهادي
إلى آخره.
محمد كريشان:
هل صحيح أنه يكاد لا يوجد أي بيت موريتاني إلا وفيه شاعر؟ إذا اعتبرنا المليون شاعر مبالغة، هل هذه أيضاً يمكن أن توصف بالمبالغة؟
أحمد بن عبد القادر:
رجعتم بنا إلى نفس الغرض.
محمد كريشان:
نعم