الموضوع: ظل كافافيس ..***
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2010, 01:16 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة في قصة " ظل كافافيس"

تتمحور القصة ( الحادثة ) هنا حول شخصية بطل القصة ( احمد ) والذي وجد نفسه يشترك مع الشاعر كافافيس في الألم والحزن والاغتراب الذي أوقعته الظروف عليه وعلى الشاعر اليوناني.

ورغم أن في القصة حبكة تروى سيرة حياة البطل احمد مع الألم تلك السيرة التي تماثل سيرة حياة الشاعر كافافيس حيث وحدهما الألم ...إلا أننا نجد بأن الشخصية وما يدور في ذهنها هو الذي يشكل أساس الحدث....

رسمت الكاتبة في البداية مشهد صوّر حجم الألم والحزن الذي كان يملا قلب البطل ( احمد ) ، والذي نجده يعد شطيرة من الخبز ليأكل، ولكن ذكريات مؤلمة، قفزت في ذهنه، فأفسدت عليه ليلته التي كان يتمنى أن يقضيها خالية من الصخب والجنون والاحزان.

هناك ترك الأكل والشرب، واستلقى على الأريكة، جلس شارد الذهن يسترجع تلك الذكريات التي سيطرت على كيانه في تلك اللحظة، تلك الذكريات المؤلمة التي كادت أن تدفعه للبكاء...

وبينما هو جالس يعتصره الألم انتبه إلى تلك اللوحة أمامه في الحجرة الأمامية، والتي تقع في أسفلها مكتبة متهرئة تتناثر على رفوفها الكتب والمجلات العتيقة... قام من أريكته وتقدم من المكتبة... كان يشعر بالملل وظن أن الإبداع هو مخلصه من تلك الحالة النفسية السيئة التي وجد نفسه عليها في تلك اللحظة.

من بين تلك الكومة من الكتب اختار كتاب صغير الحجم ( كتيب) جذبه عنوانه الساطع كان مندسا بين تلك الكومة من الكتب العملاقة المتهرئة.... فأزال عنه الغبار ونفخ في غلافه الأصفر، وعاد به إلى أريكته التي هي بدورها كانت تتمزق وتتهاوى كما هي نفسيته في تلك اللحظات.

وفي ظل مشهد ابدعت الكاتبة في رسمه كما هو الحال في كل المشاهد الأخرى في النص، والذي تشكل من نسمة الهواء الباردة في ذلك الليل الذي غطت فيه الغيوم القمر (البدر)، راح يقلب الكتاب بعد أن استلقى على أريكته باسترخاء واخذ يقرأ القصيدة الأولى لذلك الشاعر مؤلف الكتاب ( كافافيس) والذي وجده يمثل رمزا لمتاعب الحياة والإبداع الشعري في أعلى حالاتها.

عاد البطل احمد وهو بصدد قراءة قصائد الشاعر اليوناني كافافيس في الذاكرة إلى الوراء ، يتذكر قصته هو مع الشعر ومحاولاته الشعرية... كان حينها في العشرين من عمره، حينما كان يكتب بعض المحاولات الشعرية التي كانت تعكس نزوات المراهقة وهفواتها، فجلبت له تلك القصائد تعليقات رفاقه الحارقة، ومعارضة والده الذي كان يطلب منه أن "يكون رجلا ويدع عنه تلك التفاهات".

ولكنه ( احمد ) استهوى العناد، واختار ليلة زفافه ليمارس فيه احتفاءه بالشعر فجلس قبالة عروسه ( ملهمته ) يقرأ لها من أشعاره، لكن عروسه وجدت فيما يقوله كلاما غريبا في توقيت اغرب.

توقف حبل الذكريات مع الشعر هنا وعاد احمد ليبحر في ثنايا كتاب الشاعر كافافيس فوجد في قصائده نزفا يشبه نزفه تماما وتفاصيل حكاية تشبه حكايته هو...يجمعهما ويوحدهما الألم والاغتراب والهروب....

فيتذكر كيف انه كان وفي احد الأيام ينام مليء عينية يحلم بأن يصبح شاعرا...فاذا بالموت وفي تلك الاثناء كان يخطف عائلته على الطريق فعادوا له أشلاء مدفونة بالنعوش....فاستفاق من نومه ومن غفوته وحلمه حيث صفعته الكارثة بالصراخ والعويل فأصبح العيش لا يطاق ...فكان الهرب إلى مدينة نيوجرسي ملاذا له لعله يخفف من حجم الألم الذي أصابه....تلك المدينة الكئيبة في طبيعتها فزادت من همه هم، فعاد إلى الرياض بعد أن استجمع ما تبقى من روحه المهزومة من الم وهم السنين ووجع الفقد وذكريات الأشلاء...عاد إلى الرياض لعلها تكون بقعة أخرى ينشد فيها تغير في حظه ففي نيوجرسي أحس وكأن اللعنة تطارده...

وتلك هي أيضا قصة كافافيس الذي نزح إلى انجلترا هاربا من اليتم وهواجس الموت، موت أبيه الذي كان يعيش ويسير معه في مدينة الإسكندرية... لكن احمد (بطل القصة) كان يحس بأن غربة كافافيس في انجلترا لا تقارن بألم الغربة في مدينة نيوجرسي تلك المدينة التي التهمت قواه وامتصت حيويته وسرقت طموحه وأفلسته من تفاصيله وأمواله وألقت به شريدا على نواصي الأرض...

ورغم ذلك وجد احمد انه وكافافيس في الهم شرق وحّدهم الألم والحزن والموت فهو يخط بسيرته تجربة احمد ودقائق همه...فـ كافافيس كان مثل احمد البطل يشق دربه فوق الرمال البيضاء والسواحل والقبور، وكان أيضا على شاكلة احمد يغويه هدير العصيان، وكلاهما كان يعشق اختراق الأحياء متسكعا بين الحانات وشوارع الليل التي تفوح منها روائح الفرنج والغرباء في تلك المدن التي هاجروا إليها هرب من الحزن والقبور والموت والألم....

كان احمد ما زال يقرأ في قصائد كافافيس وهو يجلس على أريكته... صارت الساعة الثالثة فجرا...في تلك اللحظة اخذ يسمع تكات الساعة، وكأنها قادمة من بعد آخر ( البعد الثالث أو الرابع أو العاشر)..ظل يقاوم النوم لينتهي من التهام قصائد ذلك الشاعر حيث وحدهما الألم والحزن والموت والذكريات.. والرعب المنبعث من تلك القصص الأسطورية التي دسها كافافيس في قصائده...

اقترب الصبح وهو ( احمد ) ما يزال ماكثا على أريكته...لا يريد أن يسقط الكتاب من بين يديه قبل وصوله إلى النهاية ..نهاية الكتاب ونهاية تلك القصص الأسطورية التي ضمنها كافافيس في كتابه، ورغم التعب والإرهاق تابع القراءة فقد بقي ظل كافافيس مهيمنا على إدراكه ..إلى أن وصل إلى صفحة الكتاب الأخيرة يقرأ بعينين متعبتين ذابلتين عندما تغلب عليه النعاس وفقد قدرته على التركيز ..فاستسلم للنوم لكن ظل كافافيس بقي يتجول في انتباه ولا يتركه ابدأ.

يتبع ،،