عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-2016, 01:10 PM
المشاركة 228
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
صانع الأحذية

ورث من والده دكانا صغيرا في حي قديم ، كان مشغلا لصناعة و اصلاح الأحذية . اعتاد فتح دكانه قبل صياح الديك ؛ ليتنسى له سماع زقزقة الطيور المغردة في حديقة المنزل المجاور ، قبل أن يعج الشارع بصخب حياة المدينة .
هو يريد توريثها لولده ، لكنه يدرك أن ولده قد يحمل طموحا مغايرا . كان طوال عطلة الأسبوع يفكر في ماهية طموحه ؛ فقد طلب المعلم موضوعا عن طموحات الطلاب . كان يفتح دكانه كل صباح بعد عودته من المسجد ، فيقوم ولده بكنس الأوساخ من أمام الباب لطرد الذباب ، وينظم المشغل قبل ذهابه إلى المدرسة .
لم تعتد الدكان على الزبائن في هذا الوقت ، لكن الأمر لا يخلو بين الحين والآخر . يوما ما جائه رجل مشرق الوجه ، أنيق المظهر ، يردتي قميصا أسودا لا تجاعيد فيه و بنطالا أزرقا قاتم اللون . دخل إلى المشغل وهو يحمل حذاءً وردياً صغيرا لطفلته ، لكنه أصيب بشق من الجانب . تبسم الرجل وأعطاه لصانع الأحذية طالبا منه إصلاحه . لبى صانع الأحذية طلبه وأعاده إليه كأنه جديد ، شكره الرجل وأخرج محفظته ليدفع أجر إصلاح الحذاء . فقال صانع الأحذية : عذرا ، يا صديقي إنها هدية يوم مولد ابنتك ، لقد أتمت السادسة من العمر ، أليس كذلك ؟
-رد الرجل متعجبا : كان هذا منذ شهور ! لقد أدخلتها المدرسة وكان هذا هدية يومها الأول ، حين عادت أمس لاحظت والدتها الشق لكن يبدو أن الصغيرة لم تلحظه . لا أريدها أن تحزن إذا تلف .
-صانع الأحذية : إذن كما قلت لك ... هدية يوم مولدها، ستحتاج لآخر العام المقبل .
أعاد الرجل محفظته و استعاد الحذاء، شكر صانع الأحذية و غادر بهدوء.
تعجب ولد صانع الأحذية من صنيع والده فسأله قائلا : أبي ، هل تعرف ذلك الرجل ؟
-صانع الأحذية : لا .
-الابن : إذن لمَ لم تأخذ منه مالا ؟ لا تبدو عليه الحاجة .
-الأب : استمع يا بني ، لقد علمني أبي ألّا أحكم على الناس من مظاهرهم ... لقد سقلت هاتين العينين لأكثر من ثلاثين عاما لأميز الغني من المتعفف .
-الابن : أذن ، كيف ذلك ؟
-الوالد : عزيزي ، الأغنياء لا يصلحون أحذيتهم ، والمقتدرون لا يصلحون حذاءً به شق كهذا الشق . صحيح أنه أنيق ؛ لكن ثيابه قديمة ... لو ركزت النظر قليلا ، لرأيت في قميصه بعض الثقوب الصغيرة ، قد لا تكون ظاهرة بوضوح لكنها موجودة. حذاؤه مهترئ بعض الشيء و محفظته فقدت لونها ... يبدو أن ليده زوجة رائعة تحافظ على مظهر زوجها مهما كانت حالته المادية ... تماما مثل أمك .
رد الولد : لازلت غاضبا لإحراقها قميصك اثناء الكي ... لقد شغلها بكاء أخي .
ضحك الوالد و قال : أمزح فحسب . بني ، يكفيني أن أرى سعادة الرجل حين خرج من الباب . دعوة صادقة من القلب تغني عن مال العالم .
ذهب الفتى الى المدرسة وقد وضع هدفه نصب عينيه ، وحين سأله المعلم أجابه بثقة : أربد أن أكون صانعا للأحذية ... تماما مثل أبي.
وفي تلك الأثناء ، كان الرجل قد أعاد حذاء الطفلة ، وارتدى بزة عمله البرتقالية وقفازاته الزرقاء الجلدية ، وحذائه ذو العنق الطويل ليخرج للعمل ... وبعد ذلك اليوم ما عادت دكان صانع الأحذية تشكو من الذباب مجددا.