عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2013, 05:29 PM
المشاركة 958
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع.........والان مع عناصر القوة في رواية -20- مدارات الشرقنبيل سليمانسوريا

- رواية «مدارات الشرق» استوعبت فيثناياها الكثير من الأحداث التاريخية وصاغتها صياغة روائية ـ تمثيلاً وتخييلاً ـعبرت بالأزمنة والأمكنة الحدود الروائية التقليدية في إطارها العام، وتعاطفت معالشّخصيات التي عانت ما عانت، من جراء خذلان أصحاب الزّعامات لها وهي تبحث عنممكنات عيشها الرّغيد على حساب الطبقات المسحوقة، في نمط خفي من الصّراع الطّبقيالمهيمن على ذهنيّة مجتمع تشكّلت نسقيته على هذاالأساس.
-تجاوزت الرواية في هذا السياق السمات السردية التقليديةالجاهزة، لتخلق لها سمات مبتكرة تفرضها الطبيعة الملحمية للحدث الروائي، وصياغةحوارات ذات وظائف انفعالية وتفسيرية وإشارية، لتؤسس عبرها لغة روائية خاصة يندمجفيها المديني بالرّعوي والشرقي بالغربي، مع ما فيها من صدامات ومشاحنات وتنافر تصلحد الإذلال المتعمّد والمهين لكرامة الإنسان واستحقاقات وجوده الطبيعي في الحياةعبر كشف أساليب تعذيبية وحشية.
-فالرواية على وفق هذه الجدلية زاخرة بالمقابلاتالضدّية مادياً ومعنوياً: الحياة والموت/الاتصال والانفصال/الثورة والرضوخ/السلطةوالاستعباد/المقاومة والعجز، حيث التضاد شكل من أشكال الصراع الملحميالعنيف.
-فوضع الحدود الفاصلة للمفاهيم واجتراحها، هي النقطة الأهموالأشمل، خاصة إذا تعلق الأمر بالآخر، ذلك أن هذا الآخر لا يبقى على وتيرة واحدةوشكل واحد ورؤية واحدة وحساسية واحدة بمرور الزّمن، كما هو الحال في «مداراتالشرق».
-وبفعل الروح الوطنية التي يحملها، فإنه يتحطم إنسانياًبفعل الضربات الموجعة التي تلحق بروحه وجسده وحلمه هزيمة ساحقة، هذه الهزيمة التيتترك أثرها في علاقته بنجوم، ومن ثم يبرز الهروب بوصفه بديلاً أو وسيلة للتخلّص منعقدة الذنب التي يحسّها، هذه العقدة التي نشأت لديه بعد أن ترك شمّا تُذبح أمامعينيه وهو ساكن وعاجز لا يتحرّك ولا يتمكّن من فعل شيء. هنا تتحول الشخصية التيعرفناها في بداية الرواية ـ مرحة، ثورية، فاعلة ومتفاعلة مع الآخرين، محبّة ـ إلىشخصية أخرى محطّمة، منسحقة، فيثور، وتبرز هذه الثورة في نقمته على نفسه، والتمرّدعليها، إذ ينشأ الصراع داخليا وذاتياً أكثر مما هو خارجي، وبفعل الضّغوط والمواجهةالحادّة مع النّفس تتشكّل رؤيته الخاصة لذاته ولشخصه ككيان يحمل في داخله آثارالدّمار والعجز ومحاولة إفناء الآخرين من غيرتعمّد.
-من خلال شخصية عمر التكلي نقف على نشأةالبرجوازية الحديثة في الشرق العربي، واهتمامها بمصالحها الشخصية، وتحيّنها الفرصةللصعود، فهي شخصية نرجسية، تعيش في عالم آخر أكثر ثراء من العالم الذي تركته خلفها،فهاهو عمر مزهواً بذاته، متملّقاً حتى في أبسط الأمور، انتهازياً بكل معنى الكلمة،ونرجسيته هذه تجعله ينظر إلى نفسه بمنظار آخر إذ يحتفي بذاته ويتمركز حولها تمركزاًشديداً.
-كذلك شخصية فيّاض العقدة الذي أحب نجوم الصوان، ورغبالزواج منها، وبعد أن خطبها وحدث احتلال مرجمين، أُصيب فياض وتشردت نجوم بعد أنقُتِل أبوها وماتت أمها، تلتقي بعزيز فيأخذها إلى العم حاتم أبو راسين ويغيب عنها،تتزوج نجوم من العم حاتم، في أثناء ذلك يستطيع فياض الهرب من المستشفى والبحث عنها،يلتقيها هناك في بيت العم حاتم بعد أن يكون قد استشهد وتركهاأرملة.
-يتحوّل فياض إلى شخصية انتهازية وجشعة، نرجسية، يتنكّرلأصدقاء الأمس بغرور، يحاول السيطرة على الآخرين، محاولاً الاستحواذ على كل مايمكنه الاستحواذ عليه في سبيل الإعلاء من شأن وجوده الشخصاني، وكأنه يعاني من «مركبالنقص» ذلك أن إحساسه بفقدان الكثير مما كان يأمل الحصول عليه قبل الاحتلال، نمّىلديه شعوراً قويا بالعقدة - لاحظ التسمية المقصودة في اسمه - وهذه العقدة تدفعه إلىالتعامل مع الآخرين بقوة مزعومة، فيتعامل مع الفرنسيين ويضطر الثوار إلىقتله.
-أما شخصية فؤاد، فهو مثقف أولاً، عاش في الغرب مدة منالزمن، تنتمي عمته إلى إحدى الدول الغربية التي عاشت فيها وتزوجت هناك من المستربيجيت، ينتمي إلى أسرة عريقة فأبوه الباشا شكيم أحد باشاوات سورية، له صلةبالإنكليز، عاش حياة مترفة، متنقّلاً بين الشرق والغرب. يتجاذبه طرفان، الغرب منجهة، والشرق من جهة أخرى، ومع هذا الانتماء فإنه لا يحس بانتمائه لأي جهة منهما، بلينتمي إلى وطنه ويسمّي عشيقاته بسورية. ويتجلى أنموذج الأنا من خلال عنصر الشخصية،حيث تتمادى في أنويتها على حساب الذوات المجاورة مما يكسبها حسّاً فاعلاً بوجوبحصولها على استحقاقات إضافية ليست لها فيالأصل.
إشكاليةالأنا/الآخر:
-تغدو الأنا في علاقتها بالآخر المحورالمهم في توجيه الصراع الدائر ووضعه على طاولة المفاوضات الثنائية التي لا تجدمفراً سوى الرضوخ لهذه الثنائية وبالتالي التماهي بين الاثنين، وإن كانت النتيجةتحسم دوماً في صالح الجانب الآخر بوصفه الحلقة المسيطرة في عمليات الصراعودينامياته.
- فشعور العربي بتفوق الغرب عليه، في كافةالمجالات خلق لديه هاجساً مريراً، فنشأ الصراع بين «الأنا والغرب» مع الأخذ بعينالاعتبار عدم تساوي كفتي الصراع. فصورة الآخر المتفوق والمهيمن والمركزي والمتسلطوالصانع للحضارة دوماً، تجعل العربي يظهر بمظهر المهزوم، المضطرب والضعيف ويندرجضمن هذا المحور عدة أقانيم تحدد شكل العلاقةوتفسّرها.
الآخر/الإنساني،وفيه:
- أن الأهم هو الخصائص النوعية، فمع أن تركيزسليمان غالب على الرواية إبداعا ونقداً، إلا أن أعماله النقدية تنوعت، فبالإضافةإلى النقد الروائي هناك اهتمام واضح بالأيديولوجيا والثقافة عامة والماركسيةوالتراث العربي.
- نبيل سليمان لا يتورع من تجريب كل أشكال الكتابةالروائية من حيث الطول، فلديه القصيرة (جرماتي)، والخماسية التي تتجاوز الألفي صفحة (مدارات الشرق)، ومن حيث التوجه الفني بين الواقعية والسيرة الذاتية وتيار الوعيوالحلمية.
- تفيض الرواية بقلق إزاء الأحداث السياسية المحيطة، وفيطليعتها الحرب المتوقعة في العراق حين كتبت الرواية.‏