عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2015, 03:09 PM
المشاركة 52
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب المراقبــة

الأول : ترك المعاصي وهذا هو الذي بُني عليه قوام التقوى ، وأُسّس عليه أساس الآخرة والأولى . وما تقرب المقربون بشيء أعلى وأفضل منه.
ومن هنا عندما سأل موسى (عليه السلام) عن العمل الذي صار به الخضر (عليه السلام) معلمــاً له ، كان الجواب : ترك المعصية .
وعليه فلا بد من الالتفات إلى عظمة هذا الأمر ، لأن نتائجه أيضا عظيمة.
فكم من القبيح أن يهتك العبد ستر الحياء وهو غارق في نعم مولاه ، مستمد من فيض العطاء آنا فآنا ، إذ أنه: مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، وهو معكم أينما كنتم.
فلو حُبس العبد العاصي في سجن جبار السماوات والأرض أبد الآبدين لكان بذلك جديرا ، إلا أن ينزع عن المعصية بالتوبة لتشمله الرحمة الواسعة.
الثاني : الاشتغال بالطاعات بعد الفرائض ولكن بشرط الحضور ، فإن روح العبادة هو حضور القلب . ومن دون هذا الحضور فإنه لا تتحقق للقلب حياة أبدا.
بل قد يقال أن العبادة بلا حضور قد تورث قسوة القلب..
وعليه فإنه يحسن في أول الأمر أن يجعل ورده ( الاستغفار) .. ومن بعده الذكر اليونسي : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }. الأنبياء /87 . وفي آخره الكلمة الطيبة : لا إله إلا الله بشرط الاستمرار والمداومة
الثالث: عدم الغفلة عن حضور الحق دائما وأبداً ، وهذا هو السنام الأعظم الرافع إلى مقام المقربين ، ومن كان طالباً للمحبة والمعرفة ، فليستمسك بهذا الحبل المتين ، وإلى هذا يشير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. .
فحالة العبد الباطنية في هذه المرحلة ، حالة من يرى نفسه واقفاً بين يدي مولاه ، والمولى يعلم ذلك منه ، ويرى ما هو فيه .
وفي هذا الخبر إشارة إلى أن العبد - في مقام العبادة - لا يحتاج إلى استحضار هيئة خاصة للمولى ، ليحتاج بعد العجز عن ذلك ، إلى استحضار صورة مخلوق - بل يكفي علمه بأن مولاه حاضر لديه وناظر إليه. فتأمل فإنه دقيق نافع.
الرابع: الحزن الدائم خوفاً من العقاب - لو كان من الصالحين - أو شوقاً إلى اللقاء - لو كان من المحبين - فإذا انقطع الحزن عن القلب ، انقطعت الفيوضات المعنوية تبعا لذلك.
ومن هنا حكى عن لسان حال التقوى أنه قال: إني لا أسكن إلا في قلب محزون ، والشاهد على هذا المدعي قوله تعالى في الحديث القدسي:
أنا عند المنكسرة قلوبهم وعليه فاعلم أيها العزيز !. أن ما يرد على القلب من الواردات الحسنة - سواء كان حزناً أو فكراً - فهو بمثابة الضيف الذي لو أُكرم عند نزوله - دفعاً لما يؤذيه وجلبا لما يرضيه - فإنه سيعود إلى ذلك المنزل مرة أخرى ، وإلا فإنه سيرحل كارهاً له ، غير عائد إليه.
إن على العبد أن يعلم قدر ما هو عليه من الإقبال ، وإلا فإنه من المستبعد أن يعود إليه بعد الزوال.
وبالجملة فلو أردت أن تشم رائحة الكمال ، فعليك بمجاهدة النفس التي هي أصعب من مجاهدة الأعداء. فالعارفون يطلقون على هذا الجهاد : الموت الأحمر.
ومن لوازم المجاهدة ، أن تؤمن بأن أعدى أعدائك هي نفسك التي بين جنبيك ، تلك النفس المتصرفه في رأسمالك وأركان وجودك !.
إن على المراقب لنفسه أن يتفطن في أول النهار إلى أمور :
الاول : المشارطة كمشارطتك شريكا لك في مالك عندما ترسله للتجارة ، بل أكثر من ذلك. لأن خيانة الشريك غير معلومة، ولكن خيانة النفس قد علمتها مراراً وتكراراً.
الثاني : المراقبة لئلا تسوق النفس الجوارح الى ما يسخط المولى المتعال ، وبالتالي ضياع فرصة من فرص العمر ، تساوي لحظة منها جميع الدنيا بحذافيرها .
الثالث: المحاسبة لتعلم تفصيل ما فعلته في النهـار: خسارةً ، أو ربحاً ، أو بقاءً على رأس المال .
الرابع: المعاتبة لتُلقي اللوم على نفسك إذا لم تكن رابحاً ، أو تعاقبها إذا كنت خاسرا. ومعنى المعاقبة هو إلزام النفس بالرياضات الشرعية : كالصيام في الصيف ، أو المشي إلى البيت إذا لم يكن فيهما حرج شديد ، لاستعادة السيطرة على زمام النفس قبل فوات الأوان.
والخلاصة : أنه لو منعتك قسوة القلب من التأثر بالمواعظ الشافية ، ورأيت الخسران في نفسك يوماً بعد يوم ، فاستعن عليها بدوام التهجد والقيام، وكثرة الصلاة والصيام ، وقلة المخالطة والكلام ، وصلة الأرحام واللطف بالأيتام ، واقتد بأبيك آدم وأمك حواء ، واستعن بأرحم الراحمين ، وتوسل بأكرم الأكرمين ، فإن مصيبتك أعظم وبليتك أجسم ، إذا انقطعت عنك الحيل ، وزاحت عنك العلل ، فلا مذهب ولا مستغاث ولا ملجأ إلا إليه ، فلعله يرحم فقرك ومسكنتك ، ويغيثك ويجيب دعوتك ، إذ هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ، ولا يخيب رجاء من أمّله إذا رجاه ، ورحمته واسعة ، وأياديه متتابعة ، ولطفه عميم ، وإحسانه قديم ، وهو بمن رجاه كــريم .

************************************************** ************************************************** ******
حميد
عاشق العراق
21 - 10 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي