عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2013, 10:33 AM
المشاركة 190
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مارغريت يورسنار

الكاتبة البلجيكية الاصل والامريكية الجنسية مارغريت يورسنار (1903 ـ 1987) عاكفة من جهتها على ترجمة رواية «الأمواج» (1931) لنفس الكاتبة، لكن الكاتبين لن يلتقيا ولن يتحدثا في هذا الشأن إلا قبل وقت وجيز من وفاتهما.
منذ نعومة أظافرها، اهتمت مارغريت يورسنار بمشهد الثقافة الانسانية على سعته وغناه، شأنها في ذلك شأن بورخيس: هكذا عكفت على دراسة الثقافتين اليونانية واللاتينية، كما اهتمت بمخيال الثقافات الهندية والصينية اليابانية، وبالقرون الوسطى وسحرتها ومحاربيها، وبعصر النهضة والانوار، فضلا عن اهتمامها بالعالم الاوروبي الحديث كما تجلى في مطالع القرن الماضي. لقد ماتت أمها بضعة أيام بعد ميلادها، فكفلها والدها الذي كان رجلا مثقفا ومغامرا، علمها عشق الكتب، واصطحبها معه للعيش في باريس، ثم في لندن، حيث زارا دون كلل كل المتاحف وقاعات العرض. وعندما بلغت العشرين من عمرها، سافرت الى ايطاليا لأول مرة، وأثناء زيارتها لـ«فيلا أدريانا» شرعت في تخيل احلام الامبراطور الذي سيغدو، ثلاثين سنة فيما بعد، محور «مذكرات ادريان» التي تعتبر أهم رواياتها على الاطلاق. إثر ذلك قررت مارغريت يورسنار الاستقرار في إحدى جزر ولاية (ماين) الامريكية، ومنذ ذلك الحين تواصل صدور كتبها الواحد تلو الآخر، الى أن قضت نحبها يوم 17 ديسمبر (كانون الاول) 1987، سنة واحدة وبضعة شهور بعد وفاة بورخيس
طيلة حياتها كانت مارغريت يورسنار تعتبر كاتبة وتعمل من اجل ذلك، لذا لم تكن تمارس الترجمة الا لأسباب اقتصادية قاهرة. لايعني ذلك انها كانت تقبل ترجمة كل ما يعرض عليها، بل العكس: كانت تختار نصوصها بعناية ودقة، إما بدافع تواطؤ ما مع كتابها (هنري جيمس، كونستانتين كفافيس، فيرجينيا وولف)، أو لكون نصوصهم قادرة على الاستقرار في مفهومها الخاص للترجمة، بما يعنيه ذلك من امكانية تجاوزها لحدود لغتها الاصلية، وسهولة استيطانها لغة اخرى هي العالم التخييلي للترجمة. إن هذا الفهم لدور الترجمة كاستيعاب لغة ضمن لغة اخرى والعواقب التي تنتج عن ذلك، هو ما حدا بمارغريت يورسنار، أثناء اشتغالها على رواية «الأمواج» لفيرجينيا وولف، الى السعي لملاقاة الكاتبة الانجليزية.
حدث ذلك يوم 23 فبراير (شباط) سنة 1937، أربع سنوات ونصف السنة قبل انتحار مؤلفة «الأمواج»، وست سنوات بعد صدور روايتها التي تتخذ موضوعا لها تدرج الزمن من الطفولة الى الشيخوخة.
كتبت وولف في «يومياتها»: «ليس لدي الوقت ولا المساحة الكافية لوصف المترجمة التي زارتني، ويكفي أن أقول ان بدلتها السوداء كانت موشاة مذهبة جميلة. يساورني الظن بأنها امرأة تخفي أمرا ما في ماضيها. إنها مثقفة، تقضي ستة أشهر من كل سنة في أثينا. شفتاها حمراوان، وهي تبدو جلدة صبورة مثل عاملة فرنسية. أظن أن اسمها هو السيدة أو الآنسة يونياك (?)، لا أدري بالضبط».
==

إن الإنسان الذي يفكر، المنشغل في مشكلة فلسفية أو في إعداد نظرية ما، ليس هو برجل أو امرأة أو حتى إنسان. إنه شيء آخر». يعكس هذا الرأي للروائية الفرنسية مارغريت يورسنار، شخصيتها الفذة والاستثنائية التي استطاعت أن تقدم للأدب العالمي روايات تاريخية بزت بإبداعها كبار الكتاب، ولا أدل على ذلك من ترشيحها وقبولها كأول امرأة تنضم إلى الأكاديمية الفرنسية عام 1981 بعد مضي أربعمئة عام على تأسيسها.
وتتناول يورسنار التي ولدت في بلجيكا عام 1903، في رواياتها الأسطورة والتاريخ الإغريقي والروماني وما بعدهما، وطبيعة الحب الإنساني والعلاقات العاطفية، والقيم والمثل والصراع القائم بينها وبين الدين والواقع والسياسة. وعلى الرغم من أنها روائية إلا أنها لم تعتمد في أعمالها على الحوار، فمحاورها تدور في فلك التأمل وفلسفة الحياة. ويتجلى ذلك من خلال روايتها القيمة بكل المعايير «مذكرات هادريان» التي حققت لها شهرة فور صدورها، إذ ترصد من خلال المذكرات التي كتبها إمبراطور روما هادريان المفكر والحكيم الذي استعاض عن الحروب باستراتيجيات بديلة حققت نفس الغاية، وشرّع الكثير من القوانين التي تحمي حقوق الإنسان وكرامته. وقد أصبح كتابها مرجعا تاريخيا أكاديميا للباحثين على الرغم من كونه رواية، إذ كتبت يورسنار مذكرات هادريان من وحي تاريخ الأحداث.
وقد نشرت روايتها تلك عام 1951 حينما كانت في أواخر الأربعينات، بعد توقف عن الكتابة دام عشر سنوات، وذلك بعد أن استقرت في الولايات المتحدة مع بداية الحرب العالمية الثانية حيث لم تستطع العودة من باريس إلى اليونان حيث كانت تعيش. وكان لدعوة صديقتها البروفيسورة الأميركية غريس فريك (ومترجمة رواياتها إلى الانجليزية لاحقا) لها لزيارتها في الولايات المتحدة في ذلك التوقيت، الحل الأمثل ليورسينور وهناك درّست في إحدى الجامعات.
أما عودتها إلى الكتابة فكانت مع وصول صندوق خاصتها كانت قد تركته في أحد الفنادق حينما غادرت أوروبا، وعندما وصلها بعد سنوات في عام 1949 لم يتبق فيه من أشيائها سوى مجموعة من الأوراق التي كتبتها في العشرينات من عمرها، ومن ضمنها مشروع رواية «مذكرات هادريان»، وعلى الفور شرعت في كتابتها. كما حققت روايتها التي تلتها «الهاوية» التي نشرتها عام 1968 نجاحا مماثلا مع اختلاف المضمون والأحداث واللغة التي اعتمدتها والمقاربة من عصر النهضة.
علما أن روايتها الأولى «أليكسيس» نشرت عام 1929، بعد وفاة والدها المقرب منها الذي شاركها حبها للأدب واللغات التي أتقنتها من اللاتينية إلى الإغريقية فالانجليزية ولاحقا اليابانية. نشرت بعد ذلك مجموعة من المقالات والدراسات والقصص القصيرة، لتعود إلى الرواية بكتابها «انقلاب غريس» عام 1939، والذي ساعدها العائد منها على التفرغ للكتابة.
وفي سنواتها الأخيرة تفرغت لكتابة مذكراتها وإن وافتها المنية عام 1987 قبل أن تنجز الجزء الأخير من سيرتها، وكان ذلك بعد إصابتها بأزمة قلبية قبل سفرها إلى أوروبا مجددا. و«الهاوية» رواية فكرية فلسفية تاريخية، تدور أحداثها في القرن السادس عشر في المرحلة الانتقالية ما بين عهد الظلمات ومرحلة النهضة والتنوير، حين كانت أوروبا كالبركان والموت سيد الموقف، فالأوبئة والحروب من جهة، وهيمنة وتسلط الكنيسة وثورات الفلاحين ومطاردة المفكرين والعلماء من جهة أخرى.
وتمثل شخصية زينو بطل الرواية، الفكر المتنور الذي يسعى من خلال المعرفة والعلم والتفكير إلى كشف حقائق الحياة خلال تلك المرحلة. وقد استهلمت يورسنار شخصيته من رواد تلك المرحلة كليوناردو دافنشي، وكوبرنيكوس وجيودانو برونو.
وزينو ابن غير شرعي لهيلزوند أخت المصرفي الثري هنري جوست ليغر الأقوى في بورغيس، وتربطه صداقة طفولة بابن خاله هنري ماكسميليان ليغر. وعلى الرغم من الحياة المستقرة التي عاشها ودراسته للاهوت ومستقبله الأمن، إلا أنه تخلى عن دراسة اللاهوت ومستقبله ليجول عبر البلدان بحثا عن الحقيقة، التي كان على قناعة أنه لن يجدها إلا من خلال اقتران المعرفة بالتجربة. وهكذا بدأ رحلته عبر أوروبا حينما كان في العشرين من عمره.
وعلى الرغم من رحيل هنري ماكسميليان وهو في السادسة عشر أيضا، متخليا مثله عن ثروة ومركز العائلة وهو في السادسة عشر، إلا أنهما كانا قطبان متنافران فيما يتعلق برؤيتهما للحياة، فهنري رحل حبا بالمغامرة والبطولة وانضم إلى الجيش ليحقق أحلامه في المجد وكان يبحث دائما عن جماليات الحياة.
في حين سعى زينو في المرحلة الأولى من أسفاره إلى دراسة العلوم والطب والكيمياء، وكرس نفسه لمعالجة المرضى وإجراء التجارب الكيميائية لتحويل المعدن إلى ذهب، ولم يتردد في نشر بحوثه ودراساته التي نمّت عن ذكائه المتقد وعبقريته، وقد حققت له انجازاته صيتا كبيرا، مما أثار مخاوف وحفيظة الكنيسة التي كانت ترى في التفكير، تكفير وهرطقة.
وبعد مضي سنين، يعود زينو الذي تعب من الارتحال الدائم، إلى بلدته متخفيا باسم مستعار ويعيش في دير ويعالج المرضى ويتكتم على أفكاره، وإن تمكن من خوض نقاشات طويلة وعديدة مع رئيس الدير المنفتح الذهن والمتمسك بصداقته.
وحينما يصاب الأخير بمرض مزمن يعجز زينو عن علاجه، وقبل وفاته يوصيه رئيس الدير بضرورة مغادرة المدينة حفاظا على حياته. يغادر زينو البلدة على مضض لكنه سرعان ما يعود لتعبه من الهرب. وخلال اجتماعه بمجموعة من الرهبان الشبان يتم القبض عليهم. وبعد مساومة السلطة معهم يشهدون ضد زينو الذي يودع في السجن بتهمة الإلحاد والهرطقة.
الكتاب: الهاوية
تأليف: مارغريت يورسنار
الناشر: غاليمار - باريس 1976
الصفحات: 511صفحة
القطع: المتوسط