عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2011, 10:24 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الإتهام بالعمالة للغرب ..


ليس صحيحا على الإطلاق أن معاداة الثورات تعتبر من وجهة نظر لصاحبها الحرية فيها ويمكن قبول عدائه أو تشنيعه على أنه اختلاف محمود فى الرأى ..
كلا وألف كلا ..
فأولا ما قيل ويقال من اتهامات وتخوين وتجريح ليس رأيا من الأصل بل هو سب وقذف بحق شهداء وضحايا ضجوا من الظلم فخرجوا رافعين أيديهم وأصواتهم قائلين للظالمين فى وجهه أنه ظالم ..
فكيف يمكن قبول الإفتراء المخزى على أنه إختلاف فى الرأى ؟!
ومن ناحية أخرى ..
تلك الإتهامات لا ينطبق عليها وصف الرأى المخالف المقبول من الناحية الموضوعية البحتة ..
هذا لا ينطبق إطلاقا على الحق النقي الواضح فى مواجهة الباطل العتى الفاضح ..
ولو جاز ذلك لما كان هناك فرق بين الكفر والإيمان , وبين الصدق والكذب , وبين الإخلاص والنفاق ..
لا يوجد قبول ولا تقبل لمن رهن قلمه ووعيه طائعا مختارا للدفاع عن الظلم والظالمين , لا سيما فى حالتنا المعاصرة وواقعنا الذى لا يحتاج إلى أدلة أو وثائق لكى تثبت الكفر البواح والظلم الصراح الذى مارسته وتمارسه أنظمة القمع العربية وخيانتها المطلقة لقضايا الأمة ,
لأن ما ظهر على السطح كفي وزيادة ــ بغض النظر على ما تحت السطح ـــ لإثبات أن هذه الشرذمة الحاكمة تنطبق عليها انطباقا الآية الكريمة التى تقول :
( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )

وما شاء الله ..
عالمنا العربي منذ ما يربو على ستين عاما , ومنذ ثلاثين عاما على وجه الخصوص , حدث فيه ما لا يمكن أن يراود عربيا واحدا فى أبشع كوابيسه ..
فما حدث فى الستينات والسبعينات من القرن الماضي مثلا , كان ــ على بشاعته ــ أهون بكثير مما حدث بعدها , وأخف وقعا بمراحل بما تلاها فى عصورنا الحالية وبداية القرن الجديد ..
ففي الستينات والسبعينات كان أمر الحديث عن الإعتراف بإسرائيل أو مجرد الجلوس معها للتفاوض يعتبر أكبر الكبائر عند أى سياسي عربي ــ حتى لو كان عميلا للإسرائيليين ــ فلم تكن تجرؤ السياسة العربية على أن تتحدث عن سلام أو اعتراف ــ مجرد اعتراف ــ بإسرائيل وكانت الإتصالات تتم فى الخفاء وإذا عُرفت تصبح كارثة محققة ..
وأصدرت المجامع العلمية فى الأزهر وغيره فتوى رسمية تكفر علنا كل من يجرؤ على القول بذلك فى ظل وجود إحتلال الأراضي المقدسة تحت يد اليهود وفى ظل السياسة الغربية التى تعادى المسلمين فى كل موطن ..
ثم جاءت السبعينات والثمانينات , ..
وإذا بالإتصالات والسفارات تتخذ طابعا علنيا , ورغم الإعتراض الجماهيري الهائل فى تلك الفترة على هذه الروابط إلا أن كل هذا تم على مرأى ومسمع من الجماهير التى كانت تغلى بالغضب , ثم خف الغضب شيئا فشيئا مع انفراد الولايات المتحدة بمقدرات العالم .. واتجاه السياسة العربية بأكملها إلى عمالة واضحة وصريحة للأمريكان , لا ينقصها الإشهار ولا الإعلان وقاد هذه العمالة نظام مبارك ..
وفى التسعينيات وسنوات القرن الجديد لم يقتصر الأمر على الدبلوماسية بل صار واقعا ملموسا بل وأصبح أحد ثوابت السياسة المصرية والعربية التعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل على أنهما حليفان صديقان , وتبعت الدول العربية فى ذلك حتى وصل الأمر بالجماهير التى كانت ترى مجرد الإتصال بإسرائيل ديبلوماسيا كفرا ..
قبلت ما هو أمر وأفدح عندما اتخذت الولايات المتحدة لها قواعد عسكرية هائلة دائمة فى المنطقة العربية , ومدعومة بالمال العربي أيضا , وما لا يدركه الكثيرون أن القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط تسدد فاتورة بقائها الخزانة العربية بالكامل بزعم حمايتها من الأخطار !
رغم الإنفاق الهائل من ميزانيات الشعوب العربية على جيوشها التى لا نراها أسودا إلا فى مواجهة مواطنيها أما فى الدفاع عن أراضيها فهذه وظيفة ليست لها !
ورأينا كيف تم ضرب الدول المسلمة والعربية بالجيوش القابعة على أراضينا ورأينا أكثر أن ثروات النفط كلها مآلها للغرب ولإسرائيل , وأصبح البترول العربي يمثل للولايات المتحدة مائة فى المائة من احتياجاتها وأصبح الغاز المصري يمثل 40 % من الطاقة الإسرائيلية ..
والمال العربي الناجم عن الثروات البترولية التى يحصل عليها الغرب , حتى هذا المال مآله للإقتصاد الأمريكى وبنوك الولايات المتحدة , وزيادة فى التبجح , قام أحد الأثرياء العرب بالتبرع بقيمة 4 مليارات دولار للخزانة الأمريكية فى الأزمة المالية الأخيرة !
وأصبحت لأجهزة الأمن الإسرائيلية برتوكولات تعاون مع أجهزة الأمن العربية لحماية الرؤساء العرب ! , ولتنظيم الأمن الداخلى لهم , وهناك نظم عربية كبري وقّعت وثيقة رسمية بحماية عرش الدولة للأسرة الحاكمة فى مقابل التعاون الوثيق لتنفيذ الأجندة الأمريكية بالمنطقة , والوثيقة معلنة ومنشورة منذ ما يقرب من أربعين عاما كاملة !

وفى مصر مبارك ..
كشف اللواء شفيق البنا ـــ نجل الشيخ محمود على البنا قارئ القرآن الشهير ــ كشف كثيرا من خلفيات العلاقة بين مبارك والولايات المتحدة وإسرائيل وتوضح كيف أن مبارك كان يتعامل بوصفه وكيلا أمريكيا على رياسة مصر وصديقا لصيقا بإسرائيل على نحو ما وضحته سياسته ــ لا سيما فى الأعوام الأخيرة وحرب غزة التى شارك يها مشاركة فعلية لإبادة القطاع ــ على نحو يوضح تماما لماذا قال عنه بنيامين إليعازر أن مبارك كنز إستراتيجى لإسرائيل !!
يقول اللواء البنا [1] ــ مسئول القصر الرياسي لخمسة وعشرين عاما ـــ أن مبارك كاد يفقد عقله فى بداية التسعينات عندما سمع بالإنقلاب السوفياتى الذى قاده بوريس يلتسين ضد نظام جورباتشوف لإعادة النظام الشيوعى كما كان , حيث كان مبارك بالغ السعادة والحرص على ريادة الولايات المتحدة للعالم أجمع ..
وكان مبارك هو الساعى للإسراع بإعدام صدام بعد سقوط بغداد وفقا لاعترافات رئيس الأركان الأمريكى , فضلا على فتحه قناة السويس لآليات الجيش الأمريكى النووية لتعبر فى ضرب العراق , وفتح الأجواء المصرية لمئات الآلاف من الطلعات الجوية التى خرجت للغرض نفسه ..
بخلاف أنه كان رأس عملاء الولايات المتحدة فى المنطقة ــ بالمعنى الحرفي للكلمة ــ فهو الذى قاد إجتماع الجامعة العربية فى بداية التسعينات لإقرار قبول وجود القوات الأمريكية فى المنطقة لضرب العراق وكأن الجيوش العربية بأكملها تعجز عن تحرير الكويت , ووقف مبارك حائط صد ضد أى وجهة نظر مغايرة تتبنى الحل السلمى ..

ويروى اللواء البنا أنه فى منتصف التسعينات وصل تقرير من المخابرات العامة يحذر الرئيس فيه من اتصال ابنه جمال مبارك بشخص يدعى يوسف بطرس غالى ! , وأن هذا الشخص عميل للمخابرات الأمريكية تراقبه المخابرات المصرية منذ مدة ,

فما كان من مبارك إلا أن أصدر قرارا بتعيين يوسف بطرس غالى وزيرا للإقتصاد فى حكومة الجنزورى الأولى واستمر بعد ذلك حتى قيام الثورة وهو وزير للمالية وأشرف بنفسه على عملية تدمير القدرة المصرفية لمصر بعد تحرير الجنيه المصري وتعويمه ليرتفع الدولار من أربعة جنيهات إلى سبعة جنيهات كاملة , فضلا على إشرافه الكامل بموافقة مبارك وابنه على تدمير القطاع العام وإضاعة أموال التأمينات واستغلالها فى سد عجز الموازنة لتضيع على أصحاب المعاشات مائة مليار جنيه تقريبا ذهبت سدى ولا زالت التحقيقات حتى اليوم تتم فى هذا الأمر والمحاولات مستميتة لمعرفة أين ذهبت بالضبط أموال التأمينات ..

وعندما تم اختيار يوسف بطرس غالى وزيرا فى حكومة الجنزورى كان رد المخابرات المصرية هو الصدمة المريعة وذهب عمر سليمان إلى مبارك مستفسرا عن تلك الخطوة فقال له نصا :
( انت مهمتك ترفع التقارير مش مهمتك انك تاخد القرار ) ..
وكانت النتيجة أن الرجل الذى كان يتابع عملية يوسف بطرس غالى وهو ضابط برتبة لواء أصيب بجلطة مفاجئة من الصدمة الشنيعة ومات متأثرا بها فى مستشفي وادى النيل التابع لجهاز المخابرات العامة !

ويروي اللواء البناء أن مبارك فى سنواته الأخيرة كان يلجأ إلى منتجع شرم الشيخ وإلى منتجع برج العرب تحديدا , ولكن الغريب أنه كان يذهب بدون حراسة أى كتيبة من كتائب الحرس الجمهورى , وذلك رغم ولعه الشديد بأمنه الشخصي , وخوفه الرهيب من الإغتيال
وعندما سؤل فى ذلك قال : أنا فى شرم الشيخ فى حماية إسرائيل , وفى برج العرب فى حماية قوات الولايات المتحدة المتواجدة بمناورات النجم الساطع !
وعندما ذُهل المذيع من كلام اللواء البنا وطلب تأكيده رد البنا بضحكة ساخرة وقال أن هذه الأمور أمور معروفة فى كواليس الرياسة , ولا تستحق الدهشة , وعلاقة مبارك بإسرائيل تفوق أعتى خيال لأى معارض , ففي ظل انتفاضة الأقصي الثانية وشارون يقوم بمجازره الشهيرة بفلسطين , كان مبارك يزوره فى إسرائيل من شرم الشيخ أسبوعيا لتناول العشاء معه وفى سرية تامة وزيارات غير معلنة !
وعندما بدأت خطوات التوريث تترى استعان جمال مبارك بـأحد رجال السياسة الأمريكية وهو فرانك ويزنر ـــ وهو نفسه السياسي الأمريكى الذى دفع ببطرس غالى إلى جمال مبارك ــ لتقديمه إلى السلطات الأمريكية والإسرائيلية مما يؤكد على ما قاله الدكتور مصطفي الفقي فى حوار مع جريدة المصري اليوم قبل الثورة , إن رئيس مصر القادم يجب أن يحظى بموافقة أمريكا ورضا إسرائيل !
حيث أن الرضا الأمريكى والإسرائيلي هو العامل الأول والأخير فى قبول خطة التوريث وأما الشعب المصري فهذا أمره متروك لعساكر حبيب العادلى وزير داخليتهم حسب التعبير النصي لجمال مبارك

ليس هذا فقط ..
بل إن الأسرار الأمريكية فى الحرب على العراق والتى انكشفت فى عهد بوش , أوضحت من الفضائح ما يوضح لنا أن كل ما كنا نظنه عمالة فى سياستنا العربية هو أهون بكثير جدا مما خفي ..
فقد تعاملت الجماهير العربية مع انكسار النظم العربية للسياسة الأمريكية على أنه انكسار وعمالة إضطرارية ..
فإذا بالأمر أفدح من هذا بكثير حيث كشف بوب ووردورد فى كتابه ( خطة الهجوم ) أن الحرب العراقية الأخيرة حصلت على مباركة وتحريض الدول العربية جميعا ضد نظام صدام , بل وتوعدت النظم العربية للسياسة الأمريكية أنها لن تساعدها إلا إذا كانت الضربة قاصمة للعراق هذه المرة والخلاص من صدام أمر مؤكد حتى لا تتراجع الولايات المتحدة وتكتفي بتدمير الجيش العراقي دون المساس بنظام صدام على نحو ما حدث عام 1991 م ..
فطمأنتهم إدارة بوش بأن سمحت لهم بالإطلاع على خطط حرب العراق كاملة , بل وتم إبلاغ سفير عربي الكبير بالموعد المحدد للهجوم
وعندما انكشف أمر تلك الإتصالات بين إدارة بوش وبين سفير تلك الدولة العربية الكبري , ما كان من هذا السفير إلا أن اعترف بالواقعة وقال أنه اطلع على الخطط ولكنه لم يعرف بالموعد ! ( قمة التبجح )

هذا فضلا على أن السياسة العربية منذ الحادى عشر من سبتمبر وهى ناصبة نفسها كرأس حربة لمحاربة الإسلام والإسلاميين خوفا على عروشهم وزايدوا حتى على الغرب وعلى إسرائيل فى هجومهم العاتى على الإسلام سواء بالإعتقال والقمع والقتل والترويع لكل علماء الشريعة والمفكرين الجادين , أو باستجابتهم الخرافية لنشر حالة من اللاوعى بالدين بين مختلف المراحل التعليمية ..
واتضح هذا جليا فيما يُسمى ( مؤتمر حوار الأديان ) وفى استجابة الدول العربية لكافة الضغوط التى مورست عليها لانهاء الدراسة الدينية خاصة لطلاب المراحل الأولى من التعليم ..
وفى مصر
تحقق الجهات السيادية فى فضيحة عظمى حيث أخذت سوزان مبارك 300 مليون دولار من إسرائيل عام 1998 نظير تخفيف مناهج الدين الإسلامى على مراحل كان آخرها فى عام 2010 فى عهد الوزير أحمد زكى بدر والذى وقف وإلى جواره المفتى الرسمى على جمعة يعلنون أنهم أشرفوا على نزع المناهج التى تحرض على الشعوب والأديان !!
هذا بخلاف أن وزارة التربية والتعليم طيلة عهد مبارك كان تحت إشراف مباشر من هية المعونة الأمريكية التى كانت تضع رقابتها على المناهج بشكل رسمى !
بخلاف أن مبارك ورفاقه فى المنطقة العربية استخدموا فزاعة التيار الإسلامى لدرء مخاطر النقد الغربي للقتل الجماعى الذى يمارسونه ضد شعوبهم , وفى أيام مبارك الأخيرة هو وبن على فى تونس والقذافي فى ليبيا وعلى عبد الله صالح فى اليمن , كلهم اتخذوا نفس الأسلوب ليثيروا مخاوف الإدارة الأمريكية حتى تتدخل للتعمية على أفعالهم وذلك بادعاء أن الثورات تأتى بالإسلاميين وأن من يقومون بها تابعون للمنظمات المتطرفة ,
وذلك حتى تتوقف الضغوط الغربية على النظم العربية لاتباع بعض الديمقراطية ــ ليس حبا فى الشعوب العربية ـــ ولكن لأجل تقليل السخط الهائل الذى تلقاه الإدارة الأمريكية فى الشارع العربي وحتى تتخلص أوربا من كمية النازحين المهولة كل عام من الشمال الإفريقي من جراء استنزاف الثروات العربية فى عمليات الفساد السياسي والإقتصادى حتى ضجت أوربا بالمهاجرين
ومبارك قالها فى واشنطن إبان انتخابات برلمان 2005 أنه لو سمح بالديمقراطية فى مصر فسيأتى الإخوان المسلمون إلى الحكم , بمعنى كفوا عن مطالبتنا للديمقراطية لأن هذا ليس فى صالحكم
بل قالها القذافي صراحة عندما أعلن أن ثمار الربيع العربي لن تكون فى صالح إسرائيل وذلك حتى يردع الغرب عن إدانة أفعاله !
والذى يستمع إلى تلك التصريحات يظن أن مطلقيها من حكام إسرائيل لا من حكام المفترض فيهم أنهم مسلمون يحكمون بلادا مسلمة ..

وتخيلوا بالله عليكم ..
بعد كل هذا يخرج علينا من يروج لأن الثورات العربية قامت برعاية أمريكية وأن الثوار عملاء وأن الثورة قامت بمؤامرات أمريكية ..
ولست أدرى بأى عقل يتكلم هؤلاء وكيف يمكن للغرب أن يتآمر مع فلذات أكباد مصالحه وهو الحكام العرب !
ثم ـــ يا أصحاب العقول ـــ هل بقي شيئ واحد طلبته أو تطلبه الإدارة الأمريكية والإسرائيلية وامتنع مبارك وأمثاله عن تنفيذه ؟!
وما هو هذا الشيئ القاطع الذى رفضه مبارك لينقلبوا عليه ..
ثم يغيب بالطبع عن هؤلاء أدنى معرفة بالسياسة الدولية , ولا يعلمون أن الولايات المتحدة لو أنها انقلبت على مبارك أو أرادت ذلك لنفذت مخططها بالإطاحة به بمنتهى السهولة , وهى التوقف عن دعمه ؟!
فقد نسي هؤلاء المغيبون أن مبارك وزملائه يعتمدون على الولايات المتحدة فى كل شيئ , وتدعمهم الولايات المتحدة بكافة وسائل القمع بلا استثناء ؟!
وينسي هؤلاء أن الولايات المتحدة لو أنها كانت تملك تفجير الثورة ضد مبارك أو بن على فلماذا لم تفعله إدارة بوش التى اعتبرها العالم أكثر إدارات الولايات المتحدة استخفافا بمقدرات الشعوب واستهانة برؤسائها سواء أعداؤها أو أصدقاؤها ؟!
وقد كانت إدارة الحزب الجمهورى من أنصار تفجير المشاكل ـ على حد تعبير المحللين السياسيين ــ أما إدارة الحزب الديمقراطى ــ الذى تمت الثورات فى عهده ــ فهى التى تميل إلى سياسة الحفاظ على أصدقائها وتثبيت عروشهم ودعمهم الكامل لهم طالما بقوا على طاعتهم ..

والذين يتهمون الثورات بهذا الإتهام الفج لست أدرى أين هم من العقل ومن التاريخ ومن المنطق ..
إذ أنهم صوروا الغرب كما لو كانوا آلهة قادرة على تحريك عشرات الملايين من الشعوب ضد حكوماتها ..
وينسي هؤلاء أن الثورات الشعبية لا يمكن أن تقوم بعامل خارجى , ومؤامرات الغرب كلها عبر تاريخه قامت بسبب القيام بأعمال مخابراتية للإنقلاب على أنظمة الحكم أما تحريك الجماهير الغفيرة على قلب رجل واحد فهذا ما لا تستطيع دولة أن تفعله فى أى دولة أخرى وإلا كانت الشعوب بأكملها عميلة ضد مصالحها !!
والولايات المتحدة سياستها الغربية معروفة القائمة على المثل البريطانى الشهير ( إن بريطانيا ليس لها أصدقاء دائمون , بل لها مصالح دائمة )
ولهذا فهى تتخلى عملائها بمجرد سقوطهم أمام شعوبهم وذلك حتى تستطيع أن تحتفظ بمصالحها مع هذه الشعوب , ولهذا خرجت تصريحات التأييد للثورة ودعوة مبارك لترك الحكم بعد أن أفلت منه زمام الأمور فى 28 يناير ولم يخرج التخلى الأمريكى قبل ذلك لأن السياسة الأمريكية ظنت أن مبارك قادر على استعادة السيطرة مرة أخرى
أما عندما سقط .. فقد انتهى الأمر ..
ولابد للسياسة الأمريكية أن تتخلى عن عملائها كما تخلت من قبل عن شاه إيران وكما تخلت عن بن على فى تونس .. طالما أن هذا الأمر جاء بمطالب شعبية عارمة حيث تتراجع القوة السياسية مهما بلغ عنفوانها ,
ومن المستحيل أن يقبل عاقل بالتدخل الغربي فى ثورات قامت بلا قائد أصلا !!
فلو كان لها قائد أو مجموعة قواد لتمكنت الألاعيب السياسية من إتيان الجدوى معهم أما وهى ثورة تلقائية مفاجئة حتى لأصحابها فكيف يمكن تخيل صدق تلك الإتهامات
وكيف يمكن تصور وجود عمالة أو مكاسب مادية لثوار يعرضون أنفسهم للقتل بأبشع الوسائل ؟!
هل يوجد عميل فى الدنيا يعرض نفسه للموت فى سبيل المال مهما بلغ ؟!

والقائلون باتهامات العمالة فضلا على جهلهم المدقع يتميزون بانعدام البصر والبصيرة ,
فمن ناحية يعجزون تماما عن أن يأتوا لنا بمثال واحد لدولة معادية تمكنت من إقامة ثورة شعبية ــ أكرر ثورة شعبية تخرج فيها الملايين ــ ضد نظام حكم آخر ؟!
وسيعجزون عن أن يأتوا بهذا المثال الخرافي إلى يوم يبعثون ..
ومن ناحية انعدام البصيرة فهم يتعاملون مع الجماهير التى قامت بالثورة كما لو أنها تعيش فى الرغد والنعيم وتنتظر دولا أخرى تستفزها وتثيرها على نظم حكمها ؟!
ويتعاملون كما لو أن قيام الثورات العربية ضد حكامها أمرا مستغربا لعدم توافر أسباب الثورة ؟!
ولهؤلاء أقول ..
هل عميت بصائركم أم عميت أبصاركم وهل هناك فى مراحل التاريخ العربي كله على مدى أربعة عشر قرنا , هل هناك مرحلة واحدة تعادل هذا الذل والهوان الذى يعانيه الجمهور العربي سواء من الداخل أو الخارج ؟!
بل هناك سؤال أكثر إحراجا لهؤلاء المثقفين ..
لو كنتم ترون فى هؤلاء الحكام حكاما صالحين من أى وجه , فهل يجرؤ واحد منكم فقط ..
واحد فقط ..
أن يكتب كلمة واحدة ضد أى سياسة من سياسات نظامه فى بلده ؟!
ونترك الإجابة لحمرة الخجل
فمن ناحية الخارج هل حدث واصطف كافة حكامنا راكعين للسياسة الغربية وتعاونوا معها فى سرقة ونهب موارد بلادهم فضلا على احتلالها كما حدث اليوم ؟!
ومن ناحية الداخل هل هناك نهب رهيب أو ظلم فادح تعرضت له الشعوب العربية كافة وبأبشع الوسائل كما حدث فى العهد المعاصر ؟!
يتبع ...


الهوامش :
[1]ــ اعترافات اللواء البنا على قنوات التحرير ـ الحياة ـ مودرن