عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2011, 03:49 PM
المشاركة 26
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي



بسام
مالى ومال هذه الطفلة أن نادر على حق وهو أدرى بخطورة وضعنا فى لبنان ليس فقط وظيفته لدى خورى .. ولكنها طفلة بريئة تتعرض لظلم بشع ...عرفت من حكى فدوى عنها أنها ابنة لوسيا الابنة الوحيدة لغسان خورى التى هربت منه ذات يوم وتزوجت مصرى مسلم ، وهناك فى القاهرة وضعت طفلتها وأن الجد لم يكن يعرف عنها شيئا حتى العام المنصرم ، وأن اكتشاف وجودها جاء بمحض الصدفة ، حينما وقع فى يده خطابا عن طريق الخطأ ارتد للضيعة من لوسيا إلى ابنتها ، يومها وجد أن أمله فى حفيد تجدد ودبر لاحضارها لبيروت بأى وسيلة وهو يستميت فى بقائها بكل قوة ويحاول تصحيح خطأ ابنته من وجهة نظره وفى سبيل ذلك هو يدمرها وينزع جنسيتها وهويتها لتصبح ناتالى المسيحية الديانة اللبنانية الجنسية وقد اخبرتنى أنه يقال أن ناتالى فتاة أحبها فى ريعان شبابه وأنها هاجرت عن لبنان كلها هى وعائلتها ولم يعرف لها طريقاً
تنهدت وأنا أمسك سور النافذة حيث أقطن فى أحد البنايات التى توفرها لنا الشركة فى قلب بيروت وقلبى يتملكه الضيق .. وصورة نادر تتراء لى .. إننى أدرك أن تنزع جذورك وتزرع فى بيئة غير بيئتك وشمس غير شمسك ، فى النهاية تنتج مسخا إنسانيا لا يحمل سوى الكراهية والإنتقام بأبشع صوره إذا ما سنحت الفرصة .

ما أفظع هذا .. هتفت فى خمول وألم .. إننى أدرى الناس بقيمة أن تكون للك هوية حتى وإن لم يكن لديك وطن ، فأنا سليل عائلة الجارحى الناصرية أشهر العائلات الفلسطنية الفدائية بالناصرة وقد أكون أخر أفرادها على الإطلاق


وعصفت بى أعماقى وأنا أمضى كالسجين فى شقتى البيروتيه الصغيرة التى أقطنها مع صديق لى يدعى أياد سورى الجنسية .. أحاول كل جهدى إلا أحدث ضوضاء كي لا أوقظه فمازال الوقت مبكرا

ثم تراء لى وجهك يا فدوى الحبيبة ... آه يا فدوى كم أحتاج رفقتك الآن فلست أعتبرك شقيقتى فقط بل كثيرا ما لعبت دور الأم رغم فارق الأعوام بيننا ...أحتاج للتركيز للخروج من المأزق الذى وضعتك فيه بأنانية ..كنت أطوق فى زيارتى هذه لحل المشكلة بيننا ووضع الأمور فى نصابها .. كيف لى أن أظلمك بهذه القسوة .. لكن ذلك النحيب يقلق مضجعى ويشتت تفكيرى .. يا له من نحيب لفتاة تشتاق لنفسها ووطنها

أتساءل فى أسى ماذا يمكننى أن أمنحه لها فى حالتى هذه... أقف و أرجع شعرى للوراء فى حركة رتيبة محملقاً من النافذة وقد بدأت الحياة تدب فى الشارع .. وثمة رغبة تجتاحنى أن أهرع لقصرخورى ..وأحطم الأبواب وأذهب بشادن للقاهرة ..أعطيها الحرية التى أفتقدها دائماً

لكن هناك نادر ..نادر الذى طالما حاولت أن أعيده لدائرتنا فيقترب حينا ويبتعد أحيانا .. إنه يقيم مع غسان منذ خمسة عشر عاما..ولن يضحى بحياته أو ظيفته من أجل فدوى نفسها

جل ما يخشاه أن يخسره ويصبح ابن العم عدواً شديد المراس صعب الطوية

انتابنى صداع رهيب فى هذه الليلة ونمت محموما

تنتابنى شتى الأحلام
شادن تغرق فى بحر مظلم عميق تصارع الأمواج
بينما أقف أنا على الشاطئ أدير رأسى أتلفت بين الحين والآخر لعل البحر أن يبتلعها ويخلص ضميرى من صراخها
ويأتينى فى أحلامى من بين أطياف الغيم فارسا نبيلاً أمراً بصوته الفولاذى

-
انقذها
أسال .. من أنت ؟ ! .. من أنت ؟!
-
ألا تعرفنى ؟
- بل أعرفك ولكن لا أتذكر اسمك ..
-
فيقول أمرا أذهب .. أنجدها
-
من أنت ؟! ... فيصفعه ويقول
- يلا مرؤة العربى
التفت مرة أخرى صوب البحر ليجد فجوة عميقة سوداء تبتلع شادن ومعها فدوى لأعماق الظلمة فتمتد يدي بسرعة كيدى عملاق تتشبث الفتاتان به
ثم اجد وجه الفارس يمتزج بغيم الحلم وهو يقول
لا تتركها أيها الناصرى لا تتركها ابداً


استيقظ مذهولاً وآذان الفجر المنبعث من المذياع يدور فى أذني ، بينما تمتد يد شريكى فى السكن وصديقى أياد وهو يهزنىبلطف أن استيقظ ويهتف به وقد انتابه الهلع لصراخه
- استيقظ يا بسام ... ما بك يا بسام ؟ .. استيقظ يا صديقى
يناولنى كوب ماء وهو ينظر لى فى حيرة متنهدا وهو يرقب صدرى يعلو ويهبط
تساءل وهو يجس جبينى الغارق فى العرق .. من الأفضل أن نذهب للمستشفى حالتك سيئة
ازحت يده برفق .. فقط أحتاج للراحة .
نظر لى بشك
أردفت أبلغهم فى العمل بحاجتى لإجازة اليوم
عقد حاجبيه فى شك وعناد .. تحتاج طبيب
اشحت برأسى ستمر علىّ فدوى فى الظهيرة لا تقلق
عقد يديه فى حزم .. هناك خطب ما
اغمضت عينى وأنا أروى له .. إنى أحتاج من يساعدنى ... أحتاج الأمر بشدة