عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 08:43 PM
المشاركة 72
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
فهم فقراء بالذات إليه،بكل معنى،وبكل اعتبار،سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا،ولكن الموفق منهم،الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه،ويتضرع له،ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين،وأن يعينه على جميع أموره،ويستصحب هذا المعنى في كل وقت،فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه،الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه،فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه،ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق،وذلك لكمال صفاته،وكونها كلها،صفات كمال،ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى،أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة،الحميد في ذاته،وأسمائه،لأنها حسنى،وأوصافه،لكونها عليا،وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة،وفي أوامره ونواهيه،فهو الحميد على ما فيه،وعلى ما منه،وهو الحميد في غناه [الغني في حمده].
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: الدُّعَاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ،وَعِمَادُ الدِّينِ،وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " رواه الحاكم.
يعني أنه يدافع البلاء ويعالجه كما يدافع عدوه بالسلاح وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه أو يكون أضعف منه فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد لكنه قد يخففه أو يتقاومان فيمنع كل منهما صاحبه فبين المصطفى rبتنزيله الدعاء منزلة السلاح أن السلاح بضارب به لا بحده فقط فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به والساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل التأثير
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لِيَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا،حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ." ابن حبان.
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ،أَوْ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا،حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ،وَحَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ."
لأن طلب أحقر الأشياء من أعظم العظماء أبلغ من طلب الشيء العظيم منه ومن ثم عبر بقوله ليسأل وكرره ليدل على أنه لا مانع ثم ولا راد لسائل ولأن في السؤال من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وإعطائه المسؤول ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالحق سبحانه وتعالى جواد له الجود كله يحب أن يسأل ويطلب أن يرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق ما يسأله فهو خالق السائل وسؤاله ومسؤوله.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:إذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ."
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r: " إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ ; فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
خفض الصوت بالدعاء،وغضّ البصر وعدم رفعه إلى السماء.قال تعالى:{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) } مريم.
الذكْر: له معانٍ متعددة،فالذكْر هو الإخبار بشيء ابتداءً،والحديث عن شيء لم يكُنْ لك به سابق معرفة،ومنه التذكير بشيء عرفته أولاً،ونريد أن نُذكِّرك به،كما في قوله تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات: 55].ويُطلَق الذكْر على القرآن:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9] وفي القرآن أفضل الذكر،وأصدق الأخبار والأحداث. كما يُطلق الذكر على كل كتاب سابق من عند الله،كما جاء في قوله تعالى:{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 43].
والذكْر هو الصِّيت والرِّفْعة والشرف،كما في قوله تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }[الزخرف: 44] وقوله تعالى:{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ }[الأنبياء: 10] أي: فيه صِيتكم وشرفكم،ومن ذلك قولنا: فلان له ذِكْر في قومه.
ومن الذكْر ذِكْر الإنسان لربه بالطاعة والعبادة،وذكْر الله لعبده بالمثوبة والجزاء والرحمة ومن ذلك قوله تعالى:{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }[البقرة: 152].
فقوله تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] أي: هذا يا محمد خبر زكريا وقصته ورحمة الله به.
والرحمة: هي تجليّات الراحم على المرحوم بما يُديم له صلاحه لمهمته،إذن: فكلُّ راحم ولو من البشر،وكلُّ مرحوم ولو من البشر،ماذا يصنع؟ يعطى غيره شيئاً من النصائح تُعينه على أداء مهمته على أكمل وجه،فما بالك إنْ كانت الرحمة من الخالق الذي خلق الخلق؟ وما بالك إذا كانت رحمة الله لخير خَلْقه محمد؟
إنها رحمة عامة ورحمة شاملة؛ لأنه rأشرف الأنبياء وأكرمهم وخاتمهم،فلا وَحْيَ ولا رسالة من بعده،ولا إكمال. إذن فهو أشرف الرسل الذين هم أشرف الخَلْق،ورحمة كل نبي تأخذ حظها من الحق سبحانه بمقدار مهمته،ومهمة محمد أكرم المهمات.
وكلمة (رَحْمَة) هنا مصدر يؤدي معنى فعله،فالمصدر مثل الفعل يحتاج إلى فاعل ومفعول،كما نقول: آلمني ضَرْب الرجل ولدَه،فمعنى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] أي: رحم ربُّك عبده زكريا.
لذلك قال تعالى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] لأنها أعلى أنواع الرحمة،وإن كان هنا يذكر رحمته تعالى بعبده زكريا،فقد خاطب محمدا rبقوله:{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء: 107] فرحمة الله تعالى بمحمد ليست رحمة خاصة به،بل هي رحمة عامة لجميع العاملين،وهذه منزلة كبيرة عالية.
فالمراد من { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] يعنى هذا الذي يُتلَى عليك الآن يا محمد هو ذِكْر وحديث وخبر رحمة ربك التي هي أجلُّ الرحمات بعبده زكريا.
وسبق أن أوضحنا أن العبودية للخَلْق مهانة ومذلَّة،وهي كلمة بشعة لا تُقبل،أما العبودية لله تعالى فهي عِزٌّ وشرف،بل مُنتهَى العِزّ والشرف والكرامة،وعللنا ذلك بأن العبودية التي تسوء وتُحزِن هي عبودية العبد لسيد يأخذ خيره،أما العبودية لله تعالى فيأخذ العبد خير سيده.
لكن،ما نوع الرحمة التي تجلى الله تعالى بها حين أخبر رسوله rبخبر عبده زكريا؟
قالوا: لأنها رحمة تتعلق بطلاقة القدرة في الكون،وطلاقة القدرة في أن الله تبارك وتعالى خلق للمسبِّبات أسباباً،ثم قال للأسباب: أنت لست فاعلة بذاتك،ولكن بإرادتي وقدرتي،فإذا أردتُك ألاَّ تفعلي أبطلْتُ عملك،وإذا كنت لا تنهضين بالخير وحدك فأنا أجعلك تنهضين به.
ومن ذلك ما حدث في قصة خليل الله إبراهيم حين ألقاه الكفار في النار،ولم يكن حظ الله بإطفاء النار عن إبراهيم،أو بجَعْل النار بَرْداً وسلاماً على إبراهيم أن يُنجي إبراهيم؛ لأنه كان من الممكن ألاَّ يُمكّنَ خصوم إبراهيم عليه السلام من القبض عليه،أو يُنزِل مطراً يُطفئ ما أوقدوه من نار،لكن ليست نكاية القوم في هذا،فلو أفلتَ إبراهيم من قبضتهم،أو نزل المطر فأطفأ النار لقالوا: لو كُنَّا تمكنّا منه لفعلنا كذا وكذا،ولو لم ينزل المطر لفعلنا به كذا وكذا.
إذن: شاءت إرادة الله أنْ تكيد هؤلاء،وأن تُظهِر لهم طلاقة القدرة الإلهية فتُمكّنهم من إبراهيم حتى يلقوه في النار فعلاً،ثم يأتي الأمر الأعلى من الخالق سبحانه للنار أن تتعطل فيها خاصية الإحراق:{ قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }[الأنبياء: 69].
وكذلك في قصة رحمة الله لعبده زكريا تعطينا دليلاً على طلاقة القدرة في مسألة الخَلْق،وليلفتنا إلى أن الخالق سبحانه جعل للكون أسباباً،فمَنْ أخذ بالأسباب يصل إلى المسبِّب،ولكن إياكم أنْ تُفتَنوا في الأسباب؛ لأن الخالق سبحانه قد يعطيكم بالأسباب،وقد يُلغيها نهائيا ويأتي بالمسبِّبات دون أسباب.
وقد تجلَّتْ طلاقة القدرة في قصة بَدْء الخَلْق،فنحن نعلم أن جمهرة الناس وتكاثرهم يتم عن طريق التزاوج بين رجل وامرأة،إلا أن طلاقة القدرة لا تتوقف عند هذه الأسباب والخالق سبحانه يُدير خلقه على كُلِّ أوجه الخَلْق،فيأتي آدم دون ذكر أو أنثى،ويخلق حواء من ذكر دون أنثى،ويخلق عيسى من أنثى بدون ذكر.
فالقدرة الإلهية ـ إذن ـ غير مُقيَّدة بالأسباب،وتظلّ طلاقة القدرة هذه في الخَلْق إلى أنْ تقومَ الساعة،فنرى الرجل والمرأة زوجين،لكن لا يتم بينهما الإنجاب وتتعطل فيهما الأسباب حتى لا نعتمد على الأسباب وننسى المسبِّب سبحانه،فهو القائل:{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }[الشورى: 49ـ50].
وطلاقة القدرة في قصة زكريا عليه السلام تتجلى في أن الله تعالى استجاب لدعاء زكريا في أنْ يرزقَه الولد. قال تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2]. أي: رحمه الله،لكن متى كانت هذه الرحمة؟
يقول الحق تبارك وتعالى: { إِذْ نَادَى رَبَّهُ } أي: في الوقت الذي نادى فيه ربه نداءً خفياً.
والنداء لَوْن من ألوان الأساليب الكلامية،والبلاغيون يقسمون الكلام إلى خبر،وهو أن تخبر عن شيء بكلام يحتمل الصدق أو الكذب. وإنشاء،وهو أنْ تطلب بكلامك شيئاً،والإنشاء قَوْلٌ لا يحتمل الصدق أو الكذب.
والنداء من الإنشاء؛ لأنك تريد أن تنشىء شيئاً من عندك،فلو قُلْت: يا محمد فأنت تريد أن تنشئ إقبالاً عليك،فالنداء ـ إذن ـ طلبُ الإقبال عليك،لكن هل يصح أن يكون النداء من الله تعالى بهذا المعنى؟ إنك لا تنادى إلا البعيد عنك الذي تريد أن تستدنية منك.
فكيف تنادى ربك ـ تبارك وتعالى ـ وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ وكيف تناديه سبحانه وهو يسمعك حتى قبل أن تتكلم؟ فإذا كان إقباله عليك موجوداً في كل وقت،فما الغرض من النداء هنا؟ نقول: الغرض من النداء: الدعاء.ووَصْف النداء هنا بأنه: { نِدَآءً خَفِيّاً } [مريم: 3] لأنه ليس كنداء الخَلْق للخَلْق،يحتاج إلى رَفْع الصوت حتى يسمع،إنه نداء لله ـ تبارك وتعالى ـ الذى يستوي عنده السر والجهر،وهو القائل:{ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[الملك: 13].
ومن أدب الدعاء أنْ ندعوَه سبحانه كما أمرنا:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }[الأعراف: 55].
وهو سبحانه{ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }[طه: 7] أي: وما هو أَخْفى من السر؛ لأنه سبحانه قبل أن يكون سِرّاً،علم أنه سيكون سراً.
لذلك،جعل الحق سبحانه أحسن الدعاء الدعاء الخفي؛ لأن الإنسان قد يدعو ربه بشيء،إنْ سمعه غيره ربما استنقصه،فجعل الدعاء خَفياً بين العبد وربه حتى لا يُفتضحَ أمره عند الناس.
أما الحق سبحانه فهو ستَّار يحب الستر حتى على العاصين،وكذلك ليدعو العبد رَبَّه بما يستحي أنْ يذكره أمام الناس،وليكون طليقاً في الدعاء فيدعو ربه بما يشاء؛ لأنه ربُّه ووليه الذي يفزع إليه. وإنْ كان الناس سيحزنون ويتضجرون إن سألتهم أدنى شئ،فإن الله تعالى يفرح بك أن سألته.لكن لماذا أخفى زكريا دعاءه؟
دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد،ولكن كيف يتحقق هذا المطلب وقد بلغ من الكبر عتياً وامرأته عاقر؟ فكأن الأسباب الموجودة جميعها مُعطَّلة عنده؛ لذلك توجه إلى الله بالدعاء: يا رب لا ملجأ لي إلا أنت فأنت وحدك القادر على خَرْق الناموس والقانون،وهذا مطلب من زكريا جاء في غير وقته.
أخفاه أيضا؛ لأنه طلب الولد في وجود أبناء عمومته الذين سيحملون منهجه من بعده،إلاّ أنه لم يأتمنهم على منهج الله؛ لأن ظاهر حركتهم في الحياة غير متسقة مع المنهج،فكيف يأمنهم على منهج الله وهم غير مؤتمنين على أنفسهم؟ فإذا دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ليرث النبوة من بعده،فسوف يغضب هؤلاء من دعاء زكريا ويعادونه؛ لذلك جاء دعاؤه خفياً يُسِرُّه بينه وبين ربه تعالى.





هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني