عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 08:20 PM
المشاركة 57
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
وما دام المنهج مفصولاً عن المعجزة؛ فقد طلب الحق سبحانه من الحاملين لكتب المنهج تلك أنْ يحافظوا عليها،وكان هذا تكليفاً من الحق سبحانه لهم. والتكليف ـ كما نعلم ـ عُرْضة أنْ يُطَاع،وعُرْضة أنْ يُعصى،ولم يلتزم أحد من الأقوام السابقة بحفظ الكُتب المنزّلة إليهم.
ونجد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:{ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ... }[المائدة: 44]
أي: أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد كلّفهم وطلب منهم أنْ يحفظوا كتبهم التي تحمل منهجه؛ وهذا التكليف عُرْضة أنْ يطاع،وعُرْضة أنْ يُعصى؛ وهم قد عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ؛ ذلك أنهم حرّفوا وبدلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير. فقد قال الحق سبحانه عنهم:{ ...وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[البقرة: 146]
بل وأضافوا من عندهم كلاماً وقالوا: هو من عند الله؛ لذلك قال فيهم الحق سبحانه:{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[البقرة: 79]
وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة،ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسول الله r.
ولذلك لم يَشَأ الحق سبحانه أن يترك مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر؛ لأن التكليف عُرْضة أن يطاع وعُرْضة أنْ يُعصى،فضلاً عن أن القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج،وهو المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله rفي نفس الوقت.ولذلك قال الحق سبحانه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]
والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن؛ وهو الكتاب الذي يحمل المنهج؛ وسبحانه قد شاء حِفْظه؛ لأنه المعجزة الدائمة الدالة على صدق بلاغ رسوله r.وكان الصحابة يكتبون القرآن فَوْرَ أن ينزل على رسول الله r،ووجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن؛ ولكنهم يتفنّنون في وسائل حفْظه؛ فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة؛ وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن.
وحدث مثل ذلك حين تَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة. وفي ألمانيا ـ على سبيل المثال ـ توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد.وفي بلادنا المسلمة نجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن منذ الطفولة،ويُنهي حِفْظه وعمره سبع سنوات؛ وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرف هذا المعنى.
ومن أسرار عظمة القرآن أن البعض مِمَّنْ يحفظونه لا يملكون أية ثقافة،ولو وقف الواحد من هؤلاء عند كلمة؛ فهو لا يستطيع أن يستكملها بكلمةٍ ذات معنى مُقَارب لها؛ إلى أنْ يردّه حافظٌ آخر للقرآن.
ولكي نعرف دِقّة حِفْظ الحق سبحانه لكتابه الكريم؛ نجد أن البعض قد حاول أن يُدخِل على القرآن ما ليس فيه،وحاول تحريفه من مدخل،يروْنَ أنه قريب من قلب كل مسلم،وهو توقير الرسول r؛ وجاءوا إلى قول الحق سبحانه:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ... }[الفتح: 29]
وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها،وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها " محمد رسول الله rوالذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين،ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا: " إن به شيئاً زائداً "،فردَّ مَنْ طبع المصحف " ولكنها زيادة تحبونها وتُوقّرونها "،فردَّ العلماء: " إن القرآن توقيفيّ؛ نقرؤه ونطبعه كما نزل ".وقامت ضَجَّة؛ وحسمها العلماء بأن أيّ زيادة ـ حتى ولو كانت في توقير رسول الله rومحبته ـ لا تجوز في القرآن،لأن علينا أن نحفظ القرآن كما لقَّنه جبريل لمحمد r.
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد اللّه الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة،ولا تحرف فيه جملة،لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر،أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل،تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل،وتصونه من العبث والتحريف.
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق،وكثر فيه النزاع،وطمت فيه الفتن،وتماوجت فيه الأحداث. وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول اللّه - r- ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من «القوميين» دعاة «القومية» الذين تسمّوا بالشعوبيين! ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول اللّه - r- ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول اللّه - r- وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين.كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية،وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات ..
ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ وبقيت نصوصه كما أنزلها اللّه حجة باقية على كل محرف وكل مؤول وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ.
ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم،وعن حماية عقيدتهم،وعن حماية نظامهم،وعن حماية أرضهم،وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم. وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم،وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .. كل منكر من العقائد والتصورات،ومن القيم والموازين،ومن الأخلاق والعادات. ومن الأنظمة والقوانين .. وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص «الإنسان» وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان .. وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان .. ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من «التقدم» و«التطور» و«العلمانية» و«العلمية» و«الانطلاق» و«التحرر» و«تحطيم الأغلال» و«الثورية» و«التجديد» ... إلى آخر تلك الشعارات والعناوين .. وأصبح «المسلمون» بالأسماء وحدها مسلمين. ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير.
وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع،ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقودا للنار .. وهو وقود هزيل! ..
ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها. ولم يكونوا في هذا من الزاهدين. فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ،وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال! ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين اللّه. وقدروا على أشياء كثيرة .. قدروا على الدس في سنة رسول اللّه - r- وعلى تاريخ الأمة المسلمة. وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون. وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين.وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون،وبخاصة في العصر الحديث ..ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - .. لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ،الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب،وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم.
لقد كان هذا الوعد على عهد رسول اللّه - r- مجرد وعد. أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ومن وراء كل تلك القرون الطوال. فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب،والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول:«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ،وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» .. وصدق اللّه العظيم ..
وصدق رسول الله rإذ يقول:" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. " رواه البخاري.





هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني