عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 08:17 PM
المشاركة 55
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ
هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نَافَسُـوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا
وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة،حتى في الأعداء،ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة.
أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لا بُدّ له من قانون يحفظ توازنه،قانون يحمي الضعيف من بطش القوي،فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها،ويضمن لصاحب الحق حَقّه،وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس.
ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته،وتدعوه إلى ظلم الضعيف،وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه،بل هي عَرَضٌ سوف يزول وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية.
وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن،لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً.أليس في هذا كله ما هو أقوم؟
ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق،وتصرُّف المرء في ماله،والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير.
ولاشك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته،وأن يرتقي بها،ويتمتع بترفها،ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء،بل لا بُدّ له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة،فضلاً عن ضرورياتها.
جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }[الفرقان: 67]
وفي قوله تعالى:{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً }[الإسراء: 29]
فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي،خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات،فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه،فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته،وينفق جميع دَخْله.
وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك؛ لأن البُخْل مذموم،والبخيل مكروه من أهله وأولاده،كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع،فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء،فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل،ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه.
إذنْ: فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم،والخير في أوسط الأمور،وهذا هو الأقوم الذي ارتضاته لنا المنهج الإلهي.
وكذلك في مجال المأكل والمشرب،يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته،ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة،قال تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }[الأعراف: 31]
فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب.والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّ وطاب،ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه،حتى وإن كان ضاراً،نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات،فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده،في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها،ونقول له:
لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر،فلا بُدَّ أنْ تُحرَم منها الآن.
وصدق رسول الله rحين قال: " كُلُوا واشربوا وتصدقوا،والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة "
وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني،ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع،فالطعام على الطعام يرهق المعدة،ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض،ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع،فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف.
وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها،فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب.
في العقائد،في العبادات،في الأخلاق الاجتماعية العامة،في العادات والمعاملات،إنه منهج ينتظم الحياة كلها،كما قال الحق سبحانه:{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }[الأنعام: 38]
هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها؛ لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق،ويعلم مَا يصلحهم،كما قلنا سابقاً: إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته،ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال.
فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة،وسلَمتْ من الأعطال،فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته،فيقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا:{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الملك: 14]
فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعةُ الحق سبحانه يتركون قانونه،ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم،وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه،بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما. إذن: لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل.
ثم يقول تعالى: { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها،وينعم بالأمن الإيماني،وهذه نعمة في الدنيا،وإن كانت وحدها لكانت كافية،لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها،وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها،فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة.
نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق،يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق.ومن ذلك قول الحق سبحانه:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[البقرة: 38] وقوله تعالى في آية أخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى }[طه: 123] ويقول تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[النحل: 97]
وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }[طه: 124-126] فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة،ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة،لا ظُلْماً منه،فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر،بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها.
ومعنى: { يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } [الإسراء: 9] وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً،أو على الأقل تبقي الصالح على صلاحه،ولا تتدخل فيه بما يُفسده.
وقوله: { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير،ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها (أكبر)،فنقول: لأن كبير هنا أبلغ من أكبر،فكبير مقابلها صغير،فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه،وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى. أما لو قال: أكبر فغيره كبير،إذن: فاختيار القرآن أبلغ وأحكم.
كما قلنا سابقاً: إن من أسماء الحق تبارك وتعالى (الكبير)،وليس من أسمائه أكبر،إنما هي وصف له سبحانه. ذلك لأن (الكبير) كل ما عداه صغير،أما (أكبر) فيقابلها كبير.
ومن هنا كان نداء الصلاة (الله أكبر) معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أي عمل دنيويّ،وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير،كبير من حيث هو مُعين على الآخرة.
فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس،والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة،ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً،لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير.





هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني