الموضوع
:
المُهَذَّبُ في الآدابِ الإسلاميَّةِ
عرض مشاركة واحدة
11-27-2011, 08:16 PM
المشاركة
54
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
تاريخ الإنضمام :
Jan 2010
رقم العضوية :
8605
المشاركات:
1,313
وكذلك في الخلق الاجتماعي العام،يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى:{ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }[يوسف: 105] يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها،ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها،ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها: أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه،ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا،ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها.
فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة،وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء،فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد.
والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون،اهتدى بها أصحاب إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية،وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة.
فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرته على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران،فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعاف ما كان يحمله.
والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار،وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي،ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى،فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات.
والعالِم الذي اكتشف دواء " البنسلين " اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها " الريم " تتكون في أماكن استخدام الماء،وكان يشتكي عينه،فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة،لاحظ أن عينه قد برئت،فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء.
إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله،التي يغفل عنها الخَلْق،ويمرُّون عليها وهم معرضون.
أما هؤلاء العلماء الذين آثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة،فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله،ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم؛ لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته،وضمن له في الكون جنوداً إن أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها،وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }[هود: 61] والاستعمار أنْ تجعلها عامرة،وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود،وإلى مواهب متعددة تتكاتف،فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم،إذن: لا بد أنْ تُنظم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند،وتتعاضد ولا تتعارض.
ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم،وأحكم،وأعدل،كما قال تعالى في آية أخرى:{ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }[الشورى: 17]
وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون،والتدبُّر في آيات الله في كونه،والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا،فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض،فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات،والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم.
وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون،وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة،وعنده مواهب متعددة،ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها،فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحدة فربما أزهدتْك في كل حسناته،حرمتْك الانتفاع به،والاستفادة من مواهبه،أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به.
وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً،فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما،أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته،ولرغبت عنه إلى غيره،وإنْ كان أقلّ منه مهارة.
وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى،فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس،والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك؛ ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمة أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو؛ لأنه ربّ،أما البشر فليس فيهم ربوبية،أمر البشر قائم على العبودية،فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به.
إذن: فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه،وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم؛ لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها.
فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة،وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء،التنافس الذي يُثري الحياة،ولا يثير شراسة الاحتكاك،كما قال تعالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.. }[المطففين: 26] كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو أفضل منه،وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي،فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية،بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه،تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين.
وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه،ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو،ويراه مصدر شرٍّ وأذى،ويتوقع منه المكروه باستمرار.
وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لاتنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق،لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك.
أما عدوك فهو لك بالمرصاد،يتتبع سقطاتك،ويبحث عن عيوبك،وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك،فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين.
ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير،فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه.
هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني