عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 08:12 PM
المشاركة 50
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه،وحسن استماعه وسؤاله. قَالَ أَبُو عُمَرَ:وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،أَنَّهُ قَالَ:" لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا " قَالَ الشَّعْبِيُّ:" كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يُمَارِي ابْنَ عَبَّاسٍ ؛ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا " وَقَالَ الْحُكَمَاءُ:إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَيَّ أَنْ تَقُولَ " وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ:" يَا بُنَيَّ،إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ،وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الصَّمْتِ،وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثًا وَإِنْ طَالَ حَتَّى يُمْسِكَ " وَقَالَ الشَّعْبِيُّ:" جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَحْسَنْتُمْ حَمَدُوكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ تَأَوَّلُوا لَكُمْ وَعَذَرُوكُمْ وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ لَمْ يُعَنِّفُوكُمْ وَإِنْ جَهِلْتُمْ عَلَّمُوكُمْ وَإِنْ شَهِدُوا لَكُمْ نَفَعُوكُمْ "
تجنب الانصراف،ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلم،فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مجلس العلم قبل انتهائه.قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا استأذنوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النــور.
َهُنَا يُؤَدِّبُ اللهُ النَّاسَ،فَكَمَا أَمَرَهُمْ بالاستئذان عِنْدَ الدُّخُولِ،كَذَلِكَ أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِأَلاَّ يَتَفَرَّقُوا عَنِ النَّبِيِّ إِلاَّ بعدَ استئذانه ومُشَاوَرَتِهِ،ولِلرَّسُولِ rأَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ .
وَرَوَى ابنُ إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ:لَمّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ وَالأَحْزَابُ عَلَى حَرْبِ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ،أَمَرَ الرَّسُولُ rبِحَفْرِ خَنْدقِ المَدِينَةِ،وَأَخَذَ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ تَرْغِيباً للمُسْلِمِينَ فِي الأَجْرِ،فَعَمِلَ المُسْلِمُونَ،وَأَبْطَأَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِينَ،وَأَخَذُوا يَقُومُونَ بالضَّعِيفِ مِنَ العَمَلِ وَيَتَسَلَّلُونَ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّسُولِ r. وَكَانَ المُسْلِمُونَ يَسْتَأْذِنُونَ الرَّسُولَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِم،فَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمْ حَاجَتَهُ رَجَعَ إِلى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ،رَغْبَةً فِي الخَيْرِ والأًجْرِ،واحْتِسَاباً لَهُ،وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّ هَؤُلاءِ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً .
الاستئذان في الصحبة،وطلب العلم من المعلم. وطاعته في كل ما يأمره بهسوى معصية الله.
قال الله تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)} الكهف.
قَالَ لَهُ مُوسَى:إِنَّهُ مُوسَى نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ،وَإِنَّهُ جَاءَهُ لِيُعَلِّمَهُ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ،لِيَسْتَرْشِدَ بِهِ،فَهَلْ يَسْمَحُ لَهُ بِمُرَافَقَتِهِ؟
فَقَالَ الرَّجُلُ:إِنَّهُ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللهِ لاَ يَعْلَمُهُ مُوسَى،وَلاَ يَسْتَطِيعُ مُوسَى أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مُرَافَقَتِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَهُ.ثُمَّ قَالَ لَهُ:وَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ عَلَى أُمُورٍ لاَ تَعْرِفُ أَنْتَ خَفَايَاهَا،وَالمَصْلَحَةُ البَاطِنَةُ فِيهَا،التِي أَطْلَعَنِي اللهُ عَلَيْهَا؟
فَقَالَ لَهُ مُوسَى:سَتَجِدُنِي صَابِراً إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى مَا سَأَرَى مِنَ الأُمُورِ مِنْكَ،وَلَنْ أَعْصِي أَمْراً لَكَ،وَلَنْ أُخَالِفَكَ فِي شَيْءٍ .
وقال الشعراوي:" كأن موسى عليه السلام يُعلِّمنا أدب تلقّي العلم وأدب التلميذ مع معلمه،فمع أن الله تعالى أمره أن يتبع الخضر،فلم يقُل له مثلاً: إن الله أمرني أن أتبعك،بل تلطّف معه واستسمحه بهذا الأسلوب: { هَلْ أَتَّبِعُكَ.. } [الكهف: 66] والرشد: هو حُسْن التصرّف في الأشياء،وسداد المسلك في علة ما أنت بصدده،وسبق أن قلنا: إن الرُّشْد يكون في سنِّ البلوغ،لكن لا يعني هذا أن كل مَنْ بلغ يكون راشداً،فقد يكون الإنسان بالغاً وغير راشد،فقد يكون سفيهاً.
لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن اليتامى قال:{ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى }[النساء: 6] أي: اختبروهم،واختبار اليتيم يكون حال يُتْمه وهو ما يزال في كفالتك،فعليك أنْ تكلّفه بعمل لإصلاح حاله،وتعطيه جزءاً من ماله يتصرَّف فيه تحت عينك وفي رعايتك،لترى كيف سيكون تصرفه.
عليك أنْ تحرص على تدريبه لمواجهة الحياة،لا أن تجعله في مَعْزل عنها إلى أنْ يبلغَ الرشْد،ثم تدفع إليه بماله فلا يستطيع التصرف فيه لعدم خبرته،وإنْ فشل كانت التجربة في ماله والخسارة عليه.
إذن: فاختبار اليتيم يتمُّ وهو ما يزال في ولايتك،وتحت سمعك وبصرك رعاية لحقه.{ حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ.. }[النساء: 6] وهو سن البلوغ،ولم يقُلْ بعدها: فادفعوا إليهم أموالهم؛ لأن بعد البلوغ شرطاً آخر{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً.. }[النساء: 6] فعلى الوصيّ أنْ يُراعِيَ هذا الترتيب:
أنْ تُراعي اليتيم وهو تحت ولايتك،وتدفع به في مُعْتَرك الحياة وتجاربها حتى يتمكن من مواجهة الحياة ولا يتخبط في ماله لعدم تجربته وخبرته،فإن علمت رشده بعد البلوغ فادفع إليه بماله ليتصرف فيه،فإن لم تأنس منه الرشد وحسن التصرف فلا تترك له المال يبدده بسوء تصرفه. لذلك يقول تعالى في هذا المعنى:{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ.. }[النساء: 5] ولم يقُلْ: أموالهم؛ لأن السفيه لا مالَ له حال سَفَهه،بل هو مالكم لِتُحسِنوا التصرف فيه وتحفظوه لصاحبه لحين تتأكد من رُشْده.
إذن: فالرشد الذي طلبه موسى من العبد الصالح هو سداد التصرف والحكمة في تناول الأشياء،لكن هل يعني ذلك أن موسى ـ عليه السلام ـ لم يكن راشداً؟ لا،بل كان راشداً في مذهبه هو كرسول،راشداً في تبليغ الأحكام الظاهرية.
أما الرشد الذي طلبه فهو الرشد في مذهب العبد الصالح،وقد دلّ هذا على أنه طلب شيئاً لم يكن معلوماً له،وهذا لا يقدح في مكانة النبوة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال:{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[الإسراء: 85] وقال للنبي r:{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }[طه: 114]
لذلك يقول الشاعر:
كُلّما ازْدَدْتُ عُلوماً زِدْتُ إيقَانَاً بجْهلي
لأن معنى أنه ازداد عِلْماً اليوم أنه كان ناقصاً بالأمس،وكذلك هو ناقص اليوم ليعلمَ غداً.
والإنسان حينما يكون واسعَ الأفق محباً للعلم،تراه كلما عَلِم قضية اشتاق لغيرها،فهو في نَهمٍ دائم للعلم لا يشبع منه،كما قال r: " منهومان لا يشبعان: طالب علم،وطالب مال ".
والشاعر الذي تنَّبه لنفسه حينما دَعَتْه إلى الغرور والكبرياء والزَّهْو بما لديه من علم قليل،إلا أنه كان متيقظاً لخداعها،فقال
قالتِ النفْسُ قَدْ علِمْتُ كَثِيراً قُلْتُ هَذَا الكثيرُ نَزْعٌ يسيِرُ
ثم جاء بمثل توضيحي:
تمْلأُ الكُوزَ غَرْفَةٌ من مُحيِط فَـيَرى أنَّـهُ المحيـطُ الكَبـيِرُ
ثم يقول الحق سبحانه: { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
هنا يبدأ العبد الصالح يُملي شروط هذه الصُّحْبة ويُوضّح لموسى ـ عليه السلام ـ طبيعة عِلْمه ومذهبه،فمذهبُك غير مذْهبي،وعلمي من كيس غير كيسك،وسوف ترى مني تصرفات لن تصبر عليها؛ لأنه لا عِلْم لك ببواطنها،وكأنه يلتمس له عُذْراً على عدم صَبْره معه؛ لذلك يقول: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }.فلا تحزن لأني قُلت: لن تستطيع معي صبراً؛ لأن التصرفات التي ستعترض عليها ليس لك خُبر بها،وكيف تصبر على شيء لا عِلْمَ لك به؟
ونلحظ في هذا الحوار بين موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ أدبَ الحوار واختلافَ الرأي بين طريقتين: طريقة الأحكام الظاهرية،وطريقة ما خلف الأحكام الظاهرية،وأن كلاً منهما يقبَل رأْيَ الآخر ويحترمه ولا يعترض عليه أو يُنكره،كما نرى أصحاب المذاهب المختلفة ينكر بعضهم على بعض،بل ويُكفِّر بعضهم بعضاً،فإذا رأَوْا مثلاً عبداً مَنْ عباد الله اختاره الله بشيء من الفيوضات،فكانت له طريقة وأتباع نرى من ينكر عليه،وربما وصل الأمر إلى الشتائم والتجريح،بل والتكفير.
لقد تجلى في قول الخضر: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [الكهف: 68] مظهر من مظاهر أدب المعلّم مع المتعلِّم،حيث احترم رأيه،والتمس له العُذْر إن اعترض عليه،فلكُلٍّ منهما مذهبه الخاص،ولا يحتج بمذهب على مذهب آخَر.
فماذا قال المتعلم بعد أن استمع إلى هذه الشروط؟ { قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ.. }.أي: أنا قابل لشروطك أيُّها المعلم فاطمئن،فلن أجادلك ولن أعارضك في شيء. وقدّم المشيئة فقال: { إِن شَآءَ اللَّهُ.. } [الكهف: 69] ليستميله إليه ويُحنَّن قلبه عليه { صَابِراً.. } [الكهف: 69] على ما تفعل مهما كان { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [الكهف: 69] وهكذا جعل نفسه مأموراً،فالمعلم آمراً،والمتعلّم مأمور.
وهذا تأكيد من الخضر لموسى،وبيان للطريقة التي يجب اتباعها في مصاحبته: إنْ تبعتني فلا تسألْني حتى أخبرك،وكأنه يُعلِّمه أدب تناول العلم والصبر عليه،وعدم العجلة لمعرفة كل أمر من الأمور على حِدة.





هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني