عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 07:15 PM
المشاركة 9
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
وعَنْ مِعْضَدٍ قَالَ:" لَوْلَا ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ،وَطُولُ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَلَذَاذَةُ التَّهَجُّدِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوبَا "
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ،قَالَ:وَجَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَيْشًا إِلَى الرُّومِ،وَفِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،فَأَسَرَهُ الرُّومُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ،فَقَالُوا:إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ،فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ وَأُشِرِكُكَ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ:" لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ،وَجَمِيعَ مَا مَلَكَتْهُ الْعَرَبُ - وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ:وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْعَرَبِ - عَلَى أَنْ أرْجِعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ rطَرْفَةَ عَيْنٍ،مَا فَعَلْتُ "،قَالَ:إِذًا أَقَتُلُكَ،قَالَ:" أَنْتَ وَذَاكَ "،قَالَ:فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ،وَقَالَ لِلرُّمَاةِ:ارْمُوهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ،وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ،ثُمَّ دَعَا بِقِدْرٍ وَصَبَّ فِيهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ،ثُمَّ دَعَا بِأَسِيرَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا فَأُلْقِيَ فِيهَا وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا،فَلَمَّا ذُهِبَ بِهِ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّهُ بَكَى فَظَنَّ أَنَّهُ رَجَعَ،فَقَالَ:رُدُّوهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى،قَالَ:فَمَا أَبْكَاكَ ؟ قَالَ:" أَبْكَانِي أَنِّي قُلْتُ هي نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى هَذِهِ السَّاعَةَ فِي هَذَا الْقِدْرِ فَتَذْهَبُ،فَكُنْتُ أشْتَهِي أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ كُلِّ شَعَرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تَلْقَى هَذَا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "،قَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي وَأُخَلِّيَ عَنْكَ ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ ؟ " قَالَ:وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" فَقُلْتُ فِي نَفْسِي عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ أُقَبِّلُ رَأْسَهُ ويُخَلِّي عَنِّي وَعَنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ لَا أُبَالِي قال فَدَنَا مِنْهُ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ "،فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْأُسَارَى،فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى عُمَرَ فَأُخْبِرَ عُمَرُ بِخَبَرِهِ،فَقَالَ:حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ،وَأَنَا أَبْدَأُ فَقَامَ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ "
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " رَحِمَ اللَّهُ قَوْمًا يَحْسَبُهُمُ النَّاسُ مَرْضَى،وَمَا هُمْ بِمَرْضَى ".قَالَ الْحَسَنُ:" جَهَدَتْهُمُ الْعِبَادَةُ "
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ rيَسْأَلَانِهِ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ: " مَنْ طَالَ عُمْرُهُ،وَحَسُنَ عَمَلُهُ ".وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ،فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
وعَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:" كَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ إِذَا أَمْسَى يَقُولُ:هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى:هَذِهِ لَيْلَةُ السُّجُودِ فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الْفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ ثُمَّ يَقُولُ:اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ وَمَنْ مَاتَ عُرْيَانًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ "
وعَنْ قَمِيرٍ،امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ،قَالَتْ:" مَا كَانَ مَسْرُوقٌ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَاهُ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَاللَّهِ،إِنْ كُنْتُ لِأَجْلِسُ خَلْفَهُ،فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ "
وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ،قَالَ:انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةِ مِنَ التَّابِعِينَ،مِنْهُمْ:عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،وَأُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ،رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،إِنْ كَانَ لِيُصَلِّي،فَيَتَمَثَّلُ لَهُ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ الْحَيَّةِ،فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ جَيْبِهِ فَمَا يَمَسُّهُ،فَقُلْتُ لَهُ:أَلَا تُنَحِّي الْحَيَّةَ عَنْكَ ؟ قَالَ:أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَخَافَ سِوَاهُ،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،وَتُتَّقَى النَّارُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:وَاللَّهِ لَأَجْهَدَنَّ،فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِنْ دَخَلْتُ النَّارَ فَلِبُعْدِ جُهْدِي،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ،وَتَبْكِي،قَالَ:مَالِي لَا أَبْكِي،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلَا حِرْصًا عَلَى دُنْيَاكُمْ رَغْبَةً فِيهَا،وَلَكِنِّي أَبْكِى عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَكَانَ يَقُولُ:ألهى فِي الدُّنْيَا الْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ،وَفِي الْآخِرَةِ الْحِسَابُ وَالْعَذَابُ،فَأَيْنَ الرَّوْحُ وَالْفَرَجُ.وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،فَقِيلَ لَهُ حِينَ أَصَابَهُ الْفَالِجُ:لَوْ تَدَاوَيْتَ،قَالَ:قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الدَّوَاءَ حَقٌّ،وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ:وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا،وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَوْجَاعُ وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَطِبَّاءُ،فَمَا بَقِيَ الْمُدَاوِي وَالْمُدَاوَى،وَقَالَ غَيْرُهُ:لَا النَّاعِتُ وَلَا الْمَنْعُوتُ لَهُ،وَقِيلَ لَهُ:أَلَا تُذَكِّرُ النَّاسَ،قَالَ:مَا أَنَا عَنْ نَفْسِي بِرَاضٍ،فَأَتَفَرَّغَ مِنْ ذَمِّهَا إِلَى ذَمِّ النَّاسِ،إِنَّ النَّاسَ خَافُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،فِي ذُنُوبِ النَّاسِ وَأَصَرُّوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ،قَالَ:فَقِيلَ لَهُ:كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ قَالَ:أَصْبَحْنَا ضُعَفَاءَ مُذْنِبِينَ،نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا قَالَ:وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَآهُ قَالَ:وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.أَمَا لَوْ رَآكَ مُحَمَّدٌ rلَأَحَبَّكَ،وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ:أَمَّا بَعْدُ:فَأَعِدَّ زَادَكَ،وَخُذْ فِي جِهَازِكَ،وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ.وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،فَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا قَطُّ فَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا،إِلَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ،فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ،فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ قَدِ اجْتَمَعُوا،فَرْجَى أَنْ يَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ،فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ،فَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ:قَدِمَ غُلَامٌ لِي فَأَصَابَ كَذَا وَكَذَا،وَقَالَ الْآخَرُ:جَهَّزْتُ غُلَامِي،فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ،كَرَجُلٍ أَصَابَهُ مَطَرٌ غَزِيرٌ وَابِلٌ،فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِمِصْرَاعَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَقَالَ:لَوْ دَخَلْتُ هَذَا حَتَّى يَذْهَبَ عَنِّي هَذَا الْمَطَرُ،فَدَخَلَ فَإِذَا الْبَيْتُ لَا سَقْفَ لَهُ،جَلَسْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا عَلَى خَيْرٍ،فَإِذَا أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا.قَالَ لَهُ قَائِلٌ حِينَ كَبُرَ وَرَقَّ:لَوْ قَصَرْتَ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَرْسَلْتُمُ الْخَيْلَ فِي الْحَلْبَةِ،أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ لِفَارِسِهَا:وَدِّعْهَا وَأَرْفَقْ بِهَا حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ الْ غَايَةَ،فَلَا تَسْتَبْقِ مِنْهُ شَيْئًا،قَالُوا:بَلَى،قَالَ:فَإِنِّي قَدْ أَبْصَرْتُ الْغَايَةَ،وَإِنَّ لِكُلِّ سَاعٍ غَايَةً،وَغَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ،فَسَابِقٌ وَمَسْبُوقٌ.وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،فَكَانَ مُجَاهِدًا فِي الْعِبَادَةِ،وَيَصُومُ حَتَّى يَصْفَرَّ جَسَدُهُ،وَيَخْضَرَّ،فَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ:لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ هَذَا الْعَذَابَ،فَيَقُولُ:إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ،كَرَامَةُ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ،بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ قَالَ:مَالِي لَا أَجْزَعَ،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ،لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ،إِنَّ الرَّجُلَ لِيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الصَّغِيرُ،فَيَعْفُو عَنْهُ فَلَا يَزَالُ مُسْتَحِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ،وَلَقَدْ حَجَّ ثَمَانِينَ حَجَّةً.وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،فَإِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ:مَا كَانَ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَيْهِ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَإِنْ كُنْتُ وَاللَّهِ لِأَجْلِسَ خَلْفَهُ فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ فَقَالَ:وَمَالِي لَا أَجْزَعَ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ،ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ يُسْلَكُ بِي.وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ،فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنْهُ،مَا كُنَّا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِمُصِيبَةٍ،ثُمَّ قَالَ:نَضْحَكُ وَلَا نَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ:لَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ شَيْئًا،وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ،هَلْ لَكَ بِمُحَارَبِةِ اللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ،إِنَّهُ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى،فَقَدْ حَارَبَهُ،وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا أَكْثَرُ لِبَاسِهِمُ الصُّوفُ،وَلَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ،لَقُلْتُمْ:مَجَانِينُ،وَلَوْ رَأَوْا خِيَارَكُمْ،لَقَالُوا:مَا لِهَؤُلَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ،وَلَوْ رَأَوْا شِرَارَكُمْ لَقَالُوا:مَا يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانًا كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمِهِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ أَحَدُهُمْ عِشَاءً وَلَا قُوتًا،فَيَقُولُ:وَاللَّهِ،لَا أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي،لَأَجْعَلَنَّ بَعْضَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيُتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ،وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحْوَجَ مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ.قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ:فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْعِرَاقَ،أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَإِلَى الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،فَأَمَرَ لَهُمَا بِبَيْتٍ كَانَا فِيهِ شَهْرًا،أَوْ نَحْوَهُ،ثُمَّ إِنَّ الْخَصِيَّ غَدَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ:إِنَّ الْأَمِيرَ دَاخِلٌ عَلَيْكُمَا،فَجَاءَ عُمَرُ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ،فَسَلَّمَ،ثُمَّ جَلَسَ تَعْظِيمًا لَهُمَا فَقَالَ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،يَكْتُبُ إِلَى كُتُبًا،أَعْرِفُ أَنَّ فِيَ إِنْفَاذِهَا الْهَلَكَةَ،فَإِنْ أَطَعْتُهُ عَصَيْتُ اللَّهَ،وَإِنَّ عَصَيْتُهُ أَطَعْتُ اللَّهَ تَعَالَى،فَهَلْ تَرَيَانِ لِي فِي مُتَابَعَتِي إِيَّاهُ فَرَجًا ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ:يَا أَبَا عَمْرٍو،أَجِبِ الْأَمِيرَ،فَتَكَلَّمَ الشَّعْبِيُّ،فَانْحَطَّ فِي شَأْنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟ قَالَ:فَقَالَ:أَيُّهَا الْأَمِيرُ،قَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ مَا قَدْ سَمِعْتَ،قَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ:أَقُولُ:يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ،يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَظًا غَلِيظًا لَا يَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَهُ،فَيُخْرِجُكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ،فَصِرْتَ فِي ضِيقِ قَبْرِكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنْ تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْصِمُكَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَلَنْ يَعْصِمَكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ اللَّهِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَا تَأْمَنْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَى قُبْحِ مَا تَعْمَلُ فِي طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،نَظْرَةَ مَقْتٍ،فَيُغْلِقَ بِهَا بَابَ الْمَغْفِرَةِ دُونَكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَقَدْ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانُوا - وَاللَّهِ - عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ أَشَدَّ إِدْبَارًا مِنْ إِقْبَالِكُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنِّي أُخَوِّفُكَ مَقَامًا خَوَّفَكَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ:ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنَّ تَكُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى طَاعَتِهِ،كَفَاكَ اللَّهُ - وَاللَّهِ - يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَإِنَّ تَكُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،وَكَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ،فَبَكَى عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،وَقَامَ بِعَبْرَتِهِ،فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِمَا،وَجَوَائِزِهِمَا،فَكَثَّرَ فِيهَا لِلْحَسَنِ،وَكَانَ فِي جَائِزَةِ الشَّعْبِيِّ بَعْضُ الْإِقْتَارِ،فَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ النَّاسِ مِنَ اسْتَطَاعَ أَنْ يُؤْثِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ فَلْيَفْعَلْ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،مَا عَلِمَ الْحَسَنُ مِنْهُ شَيْئًا فَجَهِلْتُهُ،وَلَكِنِّي أَرَدْتُ وَجْهَ ابْنَ هُبَيْرَةَ،فَأَقْصَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ،وَكَانَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،مَعَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ،فَحَيَّاهُ وَأَدْنَاهُ.قَالَ:فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُخَادِشٍ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ:كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ قَوْمٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ ؟،فَقَالَ الْحَسَنُ:وَاللَّهِ لِأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ،حَتَّى تُدْرِكَ أَمَّنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفَ،فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ:أَخْبِرْنَا بِصِفَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،فَبَكَى،ثُمَّ قَالَ:ظَهَرَتْ مِنْهُمْ عَلَامَاتُ الْخَيْرِ فِي السِّرِّ وَالسَّمْتِ وَالصِّدْقِ،وَحَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ،وَمَمْشَاهُمْ بِالتَّوَاضُعِ وَمَطْلَعُهُمْ بِالْفَصْلِ،وَطِيبُ مَطْعَمِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ،وَبَصَرُهَمْ بِالطَّاعَةِ،وَاسْتِعْدَادُهُمْ لِلْحَقِّ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا،وَإِعْطَاؤُهُمُ الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لِلْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ،وَبِحِفْظِهِمْ فِي الْمِنْطَقِ مَخَافَةَ الْوِزْرِ،وَمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ رَجَاءَ الْأَجْرِ،وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى،وَمُزَاحَاتِهِمْ،وَكَانُوا أَوْصِيَاءَ أَنْفُسِهِمْ،ظَمِئَتْ هَوَاجِرُهُمْ،وَكَلَّتْ أَجْسَامُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَاسْتَحَبُّوا سَخَطَ الْمَخْلُوقِينَ بِرِضَا خَالِقِهِمْ،لَمْ يُفَرِّطُوا فِي غَضِبٍ وَلَمْ يَخُوضُوا فِي جَوْرٍ،وَلَمْ يُجَاوِزُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ،فَشَغَلُوا الْأَلْسُنَ بِالذِّكْرِ،بَذَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى دِمَاءَهُمْ حِينَ اشْتَرَاهُمْ،وَبَذَلُوا لِلَّهِ أَمْوَالَهُمْ حِينَ اسْتَقْرَضَهُمْ،لَمْ يَكُنْ خَوْفُهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ،حَسُنَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَهَانَتْ مَؤُنَتُهُمْ،كَفَاهُمُ الْيَسِيرُ مِنْ دُنْيَاهُمْ إِلَى آخِرَتِهِمْ.وَأَمَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،فَإِنَّ أَهْلَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ،فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا عِنْدَ بَابَ دَارِهِمْ،فَكَانَتْ تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَالْسَنَتَانِ لَا يَرَوْنَ لَهُ وَجْهًا،فَكَانَ طَعَامُهُ مَا يَلْتَقِطُ مِنَ النَّوَى،فَإِذَا أَمْسَى بَاعَهُ لِإِفْطَارِهِ،وَإِذَا أَصَابَ حَشَفَةً حَبَسَهَا لِإِفْطَارِهِ،فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ،قُومُوا بِالْمَوْسِمِ،فَقَامُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ مُرَادٍ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ قَرَنٍ،فَجَلَسُوا إِلَّا رَجُلٌ،وَكَانَ ابْنُ عَمِّ أُوَيْسِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:أَقَرَنِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَقَالَ:تَعْرِفُ أُوَيْسًا ؟ فَقَالَ:وَمَا تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ،يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَوَاللَّهِ،مَا فِينَا أَحْمَقُ مِنْهُ،وَلَا أَجَنُّ مِنْهُ،وَلَا أَحْوَجُ مِنْهُ،فَبَكَى عُمَرُ،ثُمَّ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ".قَالَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ:فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ،فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلَّا طَلَبَهُ،حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ يَتَوَضَّأُ،فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لِي،فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ لَحِيمٌ آدَمُ شَدِيدُ الْأَدَمَةِ أَشْعُرُ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ،مَهِيبٌ الْمَنْظَرِ،وَزَادَ غَيْرُهُ قَالَ:كَانَ رَجُلًا أَشْهَلَ أَصْهَبَ عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَفِي عُنُقِهِ الْيُسْرَى وَضَحٌ،وَضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ،نَاصِبٌ بَصَرَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ عَلَيَّ،فَنَظَرَ إِلَيَّ وَمَدَدْتُ يَدِي لِأُصَافِحَهُ فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،كَيْفَ أَنْتَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،ثُمَّ خَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ،وَرِقَّتِي عَلَيْهِ،لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالَتِهِ،حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى قَالَ:وَأَنْتَ حَيَّاكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ ؟ فَقُلْتُ:اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،فَقَالَ:لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ،سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا،فَقُلْتُ لَهُ:مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي وَاسْمَ أَبِي،وَمَا رَأَيْتُكَ قَبْلَ الْيَوْمِ قَالَ:أَنْبَأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ،عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ حِينَ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ،إِنَّ الْأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفَاسٌ كَأَنْفَاسِ الْأَجْسَادِ،وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،وَيَتَحَابُونَ بِرُوحِ اللَّهِ تَعَالَى،وَلَوْ لَمْ يَلْتَقُوا وَيَتَعَارَفُوا،وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدَّارُ،وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ،فَقُلْتُ:حَدَّثَنِي،يَرْحَمُكُ اللَّهُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ rفَقَالَ:إِنِّي لَمْ أَرْ رَسُولَ اللَّهِ،وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ،بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ r،وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ أَدْرَكُوهُ،وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَكُونَ مُحَدِّثًا،أَوْ قَاصًّا،أَوْ مُفْتِيًا،فِي نَفْسِي شُغْلٌ عَنِ النَّاسِ،فَقُلْتُ:أَيْ أَخِي،اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،أَسْمَعْهَا مِنْكَ،أَوْ أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا عَنْكَ،فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،قَالَ:فَأَخَذَ بِيَدِي،ثُمَّ قَالَ:أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ رَبِّي وَأَحَقُّ الْقَوْلِ،قَوْلُ رَبِّي،وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ،ثُمَّ قَرَأَ:وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ،مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ:الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ،فَشَهِقَ شَهْقَةً،فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ قَالَ:يَا ابْنَ حَيَّانَ،مَاتَ أَبُوكَ،يَا ابْنَ حَيَّانَ،وَيُوشِكُ أَنْ تَمُوتَ فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِمَّا إِلَى النَّارِ،وَمَاتَ أَبُوكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،وَمَاتَتْ أُمُّكَ حَوَّاءُ،يَا ابْنَ حَيَّانَ،وَمَاتَ نُوحُ نَبِيُّ اللَّهِ r،وَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ،مَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ،وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ r،وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ،إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ،قَالَ:بَلَى،قَدْ نَعَاهُ رَبِّي إِلَى نَفْسِي،وَأَنَا وَأَنْتَ فِي الْمَوْتَى،ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ،ثُمَّ قَالَ:هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ،كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَنَعْي الْمُرْسَلِينَ،وَنَعْي صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ،فَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ،فَلَا يُفَارِقُ قَلْبَكَ طَرَفَةَ عَيْنٍ مَا بَقِيتَ،وَأَنْذِرْ قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ،وَانْصَحَ الْأُمَّةَ جَمِيعًا،وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ،فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ،فَتَدْخُلَ النَّارَ،وَادْعُ لِي فِي نَفْسِكِ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ،وَزَارَنِي فِيكَ،فَعَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ،وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ فِي دَارِكَ،دَارِ السَّلَامِ،وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيًّا،وَأَرْضِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ،وَاجْعَلْهُ لِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنْ نِعَمِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ،وَاجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا،ثُمَّ قَالَ:السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،لَا أَرَاكُ بَعْدَ الْيَوْمِ،رَحِمَكَ اللَّهُ،فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ،وَالْوِحْدَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ حَيًّا،فَلَا تَطْلُبْنِي،وَلَا تَسْأَلْ عَنِّي،وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ،وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَتَرَانِي،فَاذْكُرْنِي وَادْعُو لِي،فَإِنِّي سَأَدْعُو لَكَ،وَأَذْكُرُكَ،إِنْ شَاءَ اللَّهُ،انْطَلِقْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَاهُنَا،فَحَرَجْتُ عَلَيْهِ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً،فَأَبَى عَلَيَّ،فَفَارَقْتُهُ أَبْكِي وَيَبْكِي،فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي بَعْضِ السِّكَكِ،ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ،وَطَلَبْتُهُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ،رَحْمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ،وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ "






هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني