عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 04:21 AM
المشاركة 210
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
(1) ما يُنْصَبُ مِنَ المَصَادِرِ على إضْمَارِ الفِعل غَيْرِ المُسْتَعْمَل إظْهَارُه:
وذلك قولك: "سَقْياً ورَعْياً" ونحو قولك "خَيْبةً، ودَفْراً، وجَدْعاً، وعَقْراً، وبُؤْساً، وأُفَّةً، وتُفَّةً، وبُعْداً، وسُحْقاً" ومن ذلك قولك "تَعْساً، وتَبّاً، وجُوعاً وجُوساً" (الجُوس: الجوع، يقال: جوعاً له وجوساً) ونحو قول ابنِ مَيَّادَة:
تَفَاقَد قَومي إذ يَبِيعون مُهْجَتي * بِجَارِية بَهْراً لَهُم بَعْدها بَهْرَا
(نسبُه المبرد إلى ابن المفرِّغ، تَفَاقَد قومي: فَقَد بعضُهم بَعْضاً، إذا لم يعينوني على جارية علقت بها، فكأنهم باعوا مهجتي) أي تَبّاً.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
ثم قَالُوا تُحبُّها قلتُ بَهْراً * عَدَدَ النَّجْمِ والحَصَى والتراب
(أراد بالنجم اسم الجنس، ويروى: عدد الرمل والحصى والتراب وبَهْراً: في الأساس يقولون: بهراً له، دعاء بأن يغلب)
كأنه قال جَهْداً، أي جَهْدي ذلك.
وإنمال يَنْتَصِبُ هذا وَمَا أشْبَهَهُ إذا ذُكر مَذْكُورٌ فَدَعَوتَ له أَوْ عَلَيه على إضمار الفِعل كأنَّك قلتَ: سَقَاك اللَّهُ سَقْياً، ورَعَاكَ اللَّهُ رَعْياً، وخَيَّبَكَ اللَّهُ خَيْبَةً، فَكُلُّ هذا وأشْبَاهه على هذا يَنْتَصِب. وقَدْ رفَع بَعْضُ الشُّعراء بَعْضَ هذا فجَعَلُوه مُبْتَدأً، وجَعَلوا مَا بَعْدَه خَبَراً، مِن ذَلِكَ قول الشَّاعِر:
عَذِيرُك مِن مَوْلىً إذا نِمْتَ لم يَنَمْ * يَقُولُ الخَنَا أو تَعْتَرِيك زَنَابِرُهُ
فلم يَجْعلِ الكَلامَ على اعْذُرْني، ولكنَّه قال: إنما عُذْرُكَ إيَّايَ مِنْ مَوْلىً هذا أمْرُه.
(2) مَا يَنْتَصِبُ على إضْمَارِ الفِعْلِ المَتْرُوكِ إظْهَارُه مِن المَصَادِرِ غيرِ الدُّعاء:
ومن ذلكَ قولُك: حَمْداً، وشُكراً لا كُفْراً وعَجَباً، وافْعَلُ ذَلك وَكَرَامَةً، وَمَسَرَّةً، ونُعْمَةَ عَيْنٍ، وحُبّاً، وَنَعَامَ عَيْن. ولا أفْعَلُ ذلك لاَ كَيْداً ولاَ هَمّاً، ولأفْعَلَنَّ ذلكَ وَرَغْماً وهَوَاناً، فإنَّما يَنْتَصبُ هذا على إضْمَارِ الفِعْل، كأَنَّكَ قلت: أحْمَدُ الله حَمْداً، وأشكرُ اللَّهَ، وكأنك قلت: أعْجَبُ عَجَباً، وأُكْرِمُك كرامةً، وأسُرُّكَ مَسَرَّةً، ولا أكاد كَيْداً، ولا أهُم هَمّاً، وأُرْغِمُكَ رَغْماً.
وإنَّما اخْتُزِلَ الفِعلُ هَهُنا لأنَّهم جَعَلوا هذا بَدَلاً من اللفظ بالفعل، كما فَعلُوا ذلكَ في باب الدُّعاء، كأنَّ قولك: حَمْداً في مَوضِع أحْمدُ اللَّهَ، وقدْ جاءَ بعضُ هذا رَفْعاً يُبْتَدَأُ به ثُمَّ يُبْنَى عليه - أي الخَبَر - يقول سيبويه: وسَمِعْنَا بَعْضُ العرب المَوْثُوق به يُقال له: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ فيقول: حَمدُ اللَّهِ وثَنَاءٌ عليه، كأن يقول: أمْرِي وشَأْنِي حَمدُ الله وثَنَاءٌ عَلَيه.
وهَذَا مثلُ بيتٍ سَمِعناهُ مِن بعضِ العَرَب المَوْثُوقِ به يَرْوِيه - وهو للمُنْذِر ابنِ دِرْهم الكلبي:
فَقَالتْ حَنَانٌ مَا أتى به هَهنا * أذُو نَسَبٍ أَمْ أنْتَ بالحَيِّ عَارِفُ
قالت: أمْرُنا حَنَانٌ، ومثله قوله عزَّ وجلَّ: {قَالُوا مَعْذِرَةٌ إلى رَبِّكم} (الآية "164" من سورة الأعراف "7" ) كأنهم قالوا: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرةٌ إلى رَبِّكم.
(3) المصدر المُنْتَصب في الاسْتِفْهَام:
فَذَلِكَ نحو قَوْلِكَ: "أَقِياماً يا فُلانُ والنَّاسُ قُعُودٌ" ونحو "أجُلُوساً والناسُ يَعْدُون" لا يُريدُ أنْ يُخْبِر أنَّه يجْلِسُ ولا أَنَّه قد جَلَس وانْقَضَى جُلُوسُه ولكنَّه في تِلك الحال - أي حالِ قُعُودِ الناس وعَدْوِهم - في قِيَامٍ وفي جُلُوسٍ، ومن ذلك قول الرَّاجز - وهو العجاج -:
أطَرَباً وأنْتَ قِنَّسْرِيُّ
وإنما أرَادَ: أتطربُ وأنْتَ شَيخٌ كبير السن.
ومن ذلك قول بعض العرب - وهو عَامِرُ بن الطفيل - "أغُدَّةً كَغُدَّةِ (هذه الغدَّة خَرجتْ على رُكْبَته لما أصيب في حَادِثة انظرها في أمثال الميداني، وسَلُول: أحطُّ بيتٍ في العرب، يضرب في خَصْلتين إحْداهما شَرٌّ من الأُخرى) البَعِير، ومَوْتاً في بَيْتِ سُلُولِيَّة" كأنَّه إنما أرَاد:
أَأُغَدُّ غُدَّةً كَغُدَّةِ البَعير، وقال جرير:
أعَبْداً حَلَّ في شُعَبَى غَريباً * ألُؤماً لا أبَا لَك واغْتِرَابا
يقول: أتَلْؤُمُ لُؤْماً، وأتَغْتَربُ اغتراباً، وحَذَفَ الفِعْلَين لأنَّ المَصْدَر بَدَلُ الفِعل.
وأمّا عَبْداً فإنْ شئت نَصَبْتَهُ على النِّدَاء، وإنْ شِئْتَ على قوله: أتَفْتَخر عَبْداً، ثم حَذَفَ الفِعْلَ، وقدْ يأتي هذا الباب بغير استفهام نحو "قاعِداً عَلِمَ اللَّهُ وقد سَارَ الركب" حذف الاستفهام بما يَرى مِنَ الحَالِ.
(4) مَصَادِرُ لاَ تَتَصَرَّف تَنصِب بإضْمار الفِعل المَتْرُوك إظْهَارُه:
وذلكَ قَوْلُك: سُبْحَانَ اللَّهِ، ومَعَاذَ الله، ورَيْحَانَه، وعَمْرَكَ اللَّهَ، وقِعْدَكَ اللَّهَ إلاَّ فَعَلتَ (=في حروفها).
(5) المَصْدَر المنصوبُ الواقعُ فِعْلهُ خبراً إمَّا لمُبْتَدأ أو لغيره:
وذلك قولك "مَا أنْتَ إلاَّ سَيْراً" أي تَسِير سَيْراً، و "ما أَنْتَ إلاَّ سَيْرَ البَريد سَيْرَ البرِيد" فكأنَّه قال في هذا كُلِّه: ما أنْتَ إلاَّ تَفْعَلُ فِعلاً، وما أنت إلاّ تَفْعلُ الفِعْلَ، ولكنهم حَذَفُوا الفِعْلَ في الإخبار والاسْتِفْهام، وأَنَابُوا المَصْدَرَ، ويُشتَرَطُ فيه التَّكرارُ أو الحَصْر.
وتقول: "زَيْدٌ سُيْراً سَيْراً" و "أنَّ زَيْداً سَيْراً سَيْراً" و "ليْتَ زَيْداً سَيْراً سيْراً" ومِثْلُها لَعَلَّ ولكِنَّ وكَأَنَّ وكذلكَ إنْ قُلْتَ "أنْتَ الدَّهرَ سَيْراً سَيْراً" و "كانَ عبدُ اللَّهِ الدَّهرَ سَيْراً سيراً" و "أنتَ مُذُ اليوم سَيْراً سَيْراً".
وإنَّما تكرر السَّير في هذا الباب ليُفيدَ أنَّ السير مُتَّصلٌ بَعْضُه بِبَعْض في أيِّ الأحوالِ كان ومن ذلك قولك: "ما أنْتَ إلاَّ شُرْبَ الإِبِلِ" و "ما أنْتَ إلاّ ضَرْبَ النَّاسِ" وأما شُرْبَ الإِبِلِ فلا يُنَوَّنُ - لأنَّه لم يُشْبَّه بِشُرب الإِبل.
ونظيرُ ما انتَصَبَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ: {فإمَّا مَنَّاً بَعْدُ وإِمَّا فِدَاءً} (الآية "4" من سورة محمد "47") أي فإمَّا تَمنُّون مَنّاً، وإمّا تُفَادُونَ فِدَاءً. ومثلُه قولُ جرير:
أَلَمْ تَعْلمِي مُسَرَّحِيَ القَوَافي * فلا عِيّاً بِهِنَّ ولا اجْتِلاَبَا
يَنْفي أنه أعْيَا بِهِنَّ عِيّاً أو اجْتُلبَهُنَّ اجْتِلابَا.
قال سيبويه: وإنْ شئت رَفَعْتَ هذا كلَّه فَجَعَلْتَ الآخِرَ هو الأوَّلَ فجَاز على سَعَةٍ من الكَلام ومن ذلكَ قولُ الخَنساء:
تَرتَعُ مَا رَتَعَتْ حتَّى إذا ادَّكَرَتْ * فإنَّما هيَ إقْبَالٌ وإدْبَارُ
فَجَعَلها - أي الناقة - الإِقْبالَ والإِدْبَارَ، وهذا نحو نهارُك صَائِمٌ وليلُكَ قَائِمٌ.
(6) نَصْبُ المَصْدر المُشَبَّه به على إضْمار الفِعلِ المَتْرُوكِ إظْهَارُه:
وذَلكَ قَوْلُكَ: "مَرَرْتُ به فإذا له صَوْتٌ صَوْتَ حمار" - أي كَصَوتِ - و "مرَرْتُ به فإذا له صُرَاخٌ صُراخَ الثَّكْلَى".
وقال النابغة الذبياني:
مَقْذُوفةٍ بِدَخِيسِ النَّحضِ بَازِلُها * لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بالمَسَدِ
(النَّحْض: اللحم، والدَّخِيس: ما تداخَلَ من اللحم وتَرَاكب، والبَازِل: السِّن تَخْرج في التاسعة من عمر الناقة، الصَّريف: صوت أنياب الناقة إذا حَكَّت بعضها ببعض نَشَاطَاً، القَعْو: ما تَدُور عليه البكرة من خَشَب، والمسد: الحبل)
وقال النَّابِغَةُ الجَعْدِي:
لَهَا بعدَ إسْنَادِ الكلِيم وهَدئِه * ورَنَّةِ مَنْ يَبْكي إذا كانَ باكيا
(إسْناد الكليم: إقْعادُ المَجْروح مُعتمداً على ظَهْره. ورَنَّةُ: الصوت بالبكاء)
هَدِيرٌ هَدِيرَ الثَّوْر يَنْفُضُ رَأْسَهُ * يَذُبُّ بِرَوْقَيْه الكِلابَ الضَّوارِيَا
(الرَّوق: القِرن، الضواري: الكلاب التي اعتادت على الصيد)
فإنَّما انْتَصب هذا لأنَّكَ مَرَرْتَ به في حال تَصْوِيتٍ، ولم تُرِدْ أن تجعلَ الآخِرَ - أي الصوتَ المَنْصُوبَ - صِفَةً للأَوَّل ولا بَدَلاً منه - أي فترفَعُه - ولكنَّك لما قُلْتَ: له صَوْتٌ عُلِمَ أنَّه قد كانَ ثمَّ عَمَل فَصَارَ قَوْلُكَ: له صوتٌ بمنزلةِ قولِك: فإذا هو يُصوِّت - صَوتَ حمار - . ومثل ذلك "مَرَرْتُ به فإذَا لَهُ دَفْعٌ دَفْعَكَ الضَّفِيف" ومثل ذلك أيضاً "مَرَرْتُ به فإذا لهُ دَقٌّ دَقَّكَ بالمِنحَاز (المِنْحَاز: آلة الدق) حَبَّ الفُلْفُلِ" ومثلُ ذلك قول أبي كبير الهذلي:
مَا إنْ يَمسُّ الأرضَ إلاّ مَنْكِبٌ * منه وَحَرْفُ السَّاق طَيَّ المِحْمَلِ
(الشاهد فيه: طيَّ المِحمل، والمِحْمل: عَلاَّقة السيف وإنما نصبَ طيَّ بإضْمار فعل دلَّ عليه أي إنه طُوِي طَيَّ المِحْمَل)




هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني