عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-2011, 02:27 AM
المشاركة 23
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
حديث الكرز المر

كانت المرة الأولى التى أجلس على مائدة الإفطار مع العجوز ... الذى بد مستريحاً ومنتعشاً للغاية .. يحرث بطريقة مدربة لا تخلو من نهم طريقه فى الأطباق العامرة بالمربى والزبد والجبن و الكرز الأحمر القاتم ..وقد جلس بكل جبروته يأكل.... ولم يرهبنى حضوره هذا فقد كنت أكتنز له كراهية لا مثيل لها .. كراهية تجلب السقم للنفس ..غير أن لقاء بسام والأمل الذى شملنى هذا الصباح بالإعتراف بهويتى جعل شهيتى قوية للطعام وقد انتظرت حتى جاء طبقى المفضل الذى أوصيت جوجى به فى حديثنا الهامس منذ قليل
وقد انغمست آكل منه بكل لهفة وحنين ، والعجوز ينظر لى مستاءاً وهو يرتشف شيئا من العصير ويهتف بتأنيب
- متى تنسين أمر هذه البقوليات
- يسمى "فولاً" مسيو غسان ... وهو أساسى لدينا ، يبدو أنه يحتوى على ما يسمى هرمون السعادة
أمسك بمنديل ورقى ومسح فمه – و هو يقول باستغراب مفتعل
- لديكم... سعادة!!!!!
- أكملت وأنا أغمس اللقيمة فى الطبق
- هذه حقيقة علمية بعلمها الكثيرون
ضحك باستخفاف
- لذا يطلق عليكم الكثير (فوالين)
غصت الكلمة فى حلقى وأنا أبتلع معها الإهانة الماكرة التى تضمنت إعترافاً مختلساً بهويتى المصرية .. فأمسكت بالطبق وأنا أقول
- هؤلاء الفوالين هم من اشعلوا فتيل الحضارة و..
وقبل أن أكمل قرب طبق الكرز تجاهى وهو يقول فى مودة زائفة
- لا أحب أغضابك ناتالى ، تذوقى قليلا منه يا صغيرتى وسيغير مزاجك الكئيب
نظرت للكرز الأحمر القاتم يلمع فى وهن فى الطبق البللورى وأنا أهمس فى ضعف وشئ من الدموع يحرق عينى
- لا أحد يحب الكرز ، خاصة الصغار
ضحك فى خفة
- تقولين تفاهات .. أى تفاهات وهراء
-على النقيض مسيو خورى ، ينكهون به الدواء .. فنكره الطعم منذ الصغر ..
أحسست أنى رددت عليه كلامه
عقد بين حاجبيه وقبل أن يرد بكلمة "ناتالى" قلت محتدة
- ليست صعبة الأربعة أحرف على النطق
- ماذ!!ا؟
- ش ا د ن .. أعنى شادن
تنهد العجوز فى تعب لم يفقده شهيته النهمة وهو يرتشف عصيره مرة أخرى
وقال
- تملكين عناد "لوسى" ومكر "سيلين" ولكن كلتاهما لم يكن لديها شيئاً من ذكائك المتقد .. أنت الابنة الحقيقة لعائلة خورى ..
قالها وهو يضع الكأس فى قوة على المائدة
هتفت بى أعماقى هذا هو الجنون المطبق وتصارعت الكلمات فى أعماق وتموجت كالإعصار المكبوت وكأنها ترتسم فى دمائى وتسممها
"لعنة الله على خورى وعائلته " ولكنها بالطبع لم تتجاوز شفاهى التى غممت فى حيرة
سيلين .. من هى سيلين تساءلت والعجوز يغص بغته وقد فجأه سؤالى .. نم عنه تشابك أصابعه وتوتر جفنه الأيسر

فى تلك اللحظة التى لم يحر فيها جواباً وقد علق سؤالى فى هواء الغرفة ..دخل تونى عراجى

وقد جلس على المائدة بعد إشارة من غسان وقال فى برود :-
كيف حالك أنسة ؟
نظرت إليه بنفور وأنا أمسك السكين وأمرره على الطبق فى صوت مسموع وبحدة فى تهديد صريح وأرفع رأسى فى قوة ... وقد جزلت كثيرا وأنا ألمح نظرة الذعر فى عيني هذا الجبان الذى تذكر حادثة الشرفة .. بينما ضاقت عينا العجوزوهو يرقب المشهد الطريف فى ابتسامة صفرواية مغمماً
فتاة شريرة وجلجلت ضحتكه الساخرة أنحاء المنزل وخاصة وهو يرى وجه تونى يمتقع امتقاعاً شديداً وأنا أنهض فى اعتداد وأغادرفى هدوء تتبعنى ضحكته الشريرة.
أغلقت الباب خلفى وأنا أخرج مرة أخرى للحديقة حيث جو الأخرس يقبع مزيلاً بعض الحشائش الضارة غائباً عن العالم فى جلسته المنحنية - يا لك من شخص طيب يا جو- .. بينما الرياح الجافة تهز زهر الإقحوان الأصفر وتطير زغبه الرقيق فى دوائر ... تمشيت حول حوض السباحة المترف وقد تموجت مياهه فى رتابة بينما نظرت للسماء الخالية سوى من بضعة شذرات سحابية خجول تستجديها الريح استجداءاً.... فتتمايل وتتجمع كى تهبط على الأرض الرؤوم ثم تتلاشى ... ضحكت فى استغراب للهو الطبيعة وقلت يا له من مطر كاذب بينما جو يمنحنى ابتسامة وادعة وهو يعطينى زهرة أوركيد برتقالية ويمضى حاملاً حقيبته القطنية الأثيرة .... بينما راحت عينى تتعلق بمنزل نادر رئيس الحراس لعل بسام أو فدوى يخرجان وقد جلست قرابة الساعة حتى تيبست أطرافى وداعب النعاس الخدر جفونى فى رقة ... ثم أفقت مذعورة على باب يصطفق فى حدة ... ونادر يمر بى بقامته الطويلة وبنيته القوية فى تؤدة دون أدنى كلمة بل إنه أدار وجهه حينما رأنى وأتجه إلى البوابة الرئيسية وهو يملى بعض الأوامر على الحرس ... لايحتاج الأمر الكثير من البراعة لأخمن أنها تخصنى وأن هناك شئ جرى فى بيت آل جارحى بعد زيارتى شئ غير سار بالمرة ... نظرت مرة أخرى للسماء وهالنى تلك السحب الرمادية الكئيبة تتجمع فوق قصر غسان خورى ...يينما أنشقت السماء عن ضوء لامع غمر منزل بسام وفدوى .. غممت – كثير من الشر---كثيرمن الخير وأنا أدلف عبر دهليز المنزل المظلم المؤدى لغرفتى

…………