عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2011, 11:31 AM
المشاركة 6
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثانى لحفلة

فى السابعة والنصف وخمس دقائق كنت أقف فى بهو القصر أرتدى فستان عسلى اللون ذو بريق خافت وقد عقصت شعرى القصير إلى الخلف ورفضت أن أرتدى أى شئ من المجوهرات الثمينة التى يصر العجوز على إهدائها إلى ولم أضع سوى قرطى الذهبى الصغير هدية أبى فى عيد ميلادى الماضى – فى الحقيقة كنت أعيش فى ثراء مبهر – لكن كل هذا كان يثير فى نفسى الضيق والسخط وأنا أعيش فى جلد فتاة أخرى اسمها ناتالى لبنانية مسيحية – وأنا مصرية مسلمة وقد قلت حتى للجدران الصامتة:-

شادن وصرت أخاطب المرآة لدى استيقاظى ونومى اسمى شادن – أنا شادن
********
نزل العجوز من المصعد الذهبى أقصى يمين البهو رغم أن صحته تحتمل صعود ونزول الدرج المرتفع
لكنه شئ من الترف لا يفوت هذا الطاغية

سار بإتجاهى وأمسك ذراعى برقة مصطنعة ولم يعلق بشئ على مظهرى – فعلمت أنى حزت نوعاً من القبول ، فشعت الكراهية فى كل خلايا جسدى
قادنى كالشاة إلى غرفة استقبال الضيوف الرسمية حيث اصطفت فى انحاءها قطع الأثاث الفرنسية الفخمة وفى منصف الغرفة تدلت ثرية من الكريستال الحر أخبرتنى صوفى مدرسة الفرنسية أنها أثرية كانت يومأ تزين أحد أفخم القصور فى منطقة البوريفاج الفرنسية إبان عصر لويس السادس عشر ؛ قالت هذه المعلومات مبهورة ، وأنا اغمم فى سخرية
- وماذا كان يعمل هذا اللويس ؟
يومها نظرت إلى مذهولة ماذا كانت تتوقع هذه المخبولة من فتاة مصرية فى السادسة عشر كل التشابه بينها وبين اللويس المذكور هو الرقم ستة عشر – هل كان مطلوب منى أن أحفظ تاريخ فرنسا- هؤلاء الحمقى لو كانوا يفهمون أنى شادن ولست هذه الناتالى

هل أعجبتك الثرية – تمتم العجوز

أنا وقد أنتفضت فجأة – ماذا ؟ !!!!!!!
أرك تطيلين النظر
أجيبه – لاشئ – فقط تذكرت محاضرة صوفى السخيفة عنها وعن لويسها
من بين عيونه المغمضة نصف إغماضة وهو يشعل الغليون؛ ثم ينفث الدخان الرمادى فى الهواء – قال تقصدين مدموازيل صوفى ؟

- لا - صوفى
ونظرت إ ليه فى تحدى – لم يرد فقد ابتدأ ضيوفه المترفين فى المجئ.

وكان على أن أتصرف بشئ من الكياسة وأنا أنهض للمصافحة الرسمية

فى الحفلات الرسمية تجنب العجوز تقديمى باسم ناتالى لأنى كنت أجيب على الفور – كلا .. شادن..
وكانت هذه نقطة الفوز الوحيدة التى تغلبت فيها عليه.

توافد ضيوف وزراة التجارة و بعض أصدقاء العجوز – كانوا يربون على اثنى عشر رجل وامرأة منهم من كان فى منتصف العمر مثل السيدة نضال وهبة وهى التى مازلت أتذكر اسمها فقد ذكرتنى بجدتى كثيراً

كان العشاء فخما ومترفاً ؛ كعادة غسان خورى المليادير المشهور ببذخه الشديد ؛ ولكنه بذخ رجال الأعمال الموجه لغرض ما

لم أتذوق من الطعام الا قليله وقد انخرط الجميع فى حديث لا أفقه منه شئ

بعد العشاء انتقلوا لقاعة أخرى يتنالون ما طاب لهم من مشروبات مما أتاح لى الفرصة لكى أهرب من هذا الجو الخانق إلى الشرفة المزدانة بأصص الزرع البلورية النادرة ، وقد هبت رائحة الياسمين قوية منعشة مع ثمة رذاذ خفيف من المطر المبهج ؛ وضعت كأس العصير على الشرفة ومددت ذراعى كطائر حبيس ثم صرت أدور وأدور مغمضة العينين مثل طيور البجع الحبيسة فى المسبح الكبير،
أتذكر أبى يقلنى لمدرستى فى الصباح وهو يتأثب وأنا أنظر إليه فى خجل وضحك ثم ...

تماماً .. مجنونة مثل أمك
جفلت من الصوت القوى ، كان رجل فى الأربعينات اسمه طونى عراجى يماثل أبى فى طوله ولكنه يشع بكثير من ألأناقة التى تخفى كثيراً من سريرة نفسه السوداء

التقطت كاس العصير وارتشفتها ببطء فأنا أعرف هذا الرجل ورأيته مراراً فى قصر غسان خورى ويبدو أنه يعمل لديه وكنت أجفل منه دائماً لأنه ما فتئ يرقبنى بعيون ثعبانية خبيثة ضمت الكثير من المكر والدهاء ولكنها المرة الأولى التى يحدثنى بها على هذا النحو المباشر ويلاحقنى بهذه الطريقة اللزجة فقد وقف منحنى على سور الشرفة الرخامى ثم أقترب وهو يلامس أصابعى المنقبضة على الكأس ونظر لعينى مباشرة مما جعلنى أرتعش بغضب ، فضحك بسخرية
- حتى تلك الإرتعاشة للجفن الأيسر تماماً مثل لوسى الحمقاء ، من المؤسف أنها غادرتنا مبكراً لتعود فى صورة ابنتها

كانت لوسى هى أمى ووصفها بالحمقاء شئ لا يمكن السكوت عليه

لم أدر بنفسى ألا وأنا أغمره بالعصير على رأسه وأرد على سخريته بسخرية أشد ،
- وهل تذكرك هذه الحركة بها أيضاً ؟

وقف للحق مذهولاً وأنا أمامه لا أحرك قيد أنملة لم يهزنى سوى صوت غسان خورى يوبخنى محتداً ، مما زاد غيظى فكسرت الكأس على سور الشرفة بعنف ولسوء حظى انغرست أحدى الشظايا فى يدى تماماً فى الوريد ، ليتدفق سائل الحياة على الأرضية الرخامية فى سرعة مخيفة و أفقد الوعى.

يتبع.........