عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
25

المشاهدات
9806
 
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة

روان عبد الكريم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
238

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2009

الاقامة

رقم العضوية
7565
11-05-2011, 09:32 PM
المشاركة 1
11-05-2011, 09:32 PM
المشاركة 1
افتراضي احلام المطر رواية طويلة
احلام المطر
الفصل الأول

الطاغية
حينما يشتد العطش ويلفحنا القيظ وتتشقق الأر ض فى أسى وهى تبتهل للسماء فى تضرع أن تهطل زخات المطر السحرى؛ فتضربها رياح الجبال القاسية ؛ كنت أقف على هذه الأرض المحتضرة أهفو لماء المطر يبلل حياتى اليابسة ؛ البائسة ، أستجدى الدموع كى تغسل وجنتى الجافة ......... أفيق من أحلامى على يدً قاسية تهزنى فى خشونة وصوت جهورى يقول فى نفاذ صبر:-

ناتالى , ناتالى استيقظى

أفتح عينى فى كسل وأنظر للحديقة الغناء الموشاة بأطايب الزهر؛ الغارقة بظلال أشجار البرتقال والكرزوالمترفة بالنجيل الأخضر وقد بلله مطر الصباح فأنتعش قليلاً ثم أتذكر الرجل الغاضب الواقف كالنسر العجوز فوق رأسى وهو يردف فى تأنيب :--

إلى متى يستمر إهمالك هذا أيتها الصغيرة العابثة

أنظر إليه بلا مبالاة وقد تكور جسدى فوق الآريكة الوثيرة واتجاهله فى تعمد ثم أشيح بنظرى إلى المسبح المائى الكبير وثمة بجعات شقية غالية تلهو فيه فى سعادة ...وأتساءل هل هن سعيدات بهذا الأسر.

يجلس بجانبى وقد تملكه الحنق ( الغضب ) من تجاهلى لكلماته ويربت على شعرى القصير وهوينظر لجسدى النحيل ويزفر فى عمق :

- فيما أنت شاردة...ويردف فى حنو أكرهه ؛ ناتالى يا صغيرتى إنك فى السادسة عشر من عمرك ولست بطفلة لتغفين هكذا فى الحديقة .

أرفض الرد عليه وأشيح ببصرى مرة أخرى .. فيتحول حديثه إلى صراخ

- أيتها الفتاة الجاحدة اظهرى قليلاً من الاحترام لجدك العجوز
ثم يخبو صوت ويردف

- " ناتالى أنسى حياتك الماضية وأنظرى لنفسك الأن إنك حفيدة غسان خورى أغنى أغنياء بيروت "


عند هذا يجتاحنى الألم وأذكر أبى فأهب واقفة فى أنتصاب وتحدى وأنا أقول

- كف عن مناداتى بناتالى هذه
وأقول ضاغطة على الحروف
- اسمى" شادن سميح محمود " ؛ إن عام من الأسر لديك أيها الجد الزائف لن يغير شيئا من هويتى هل تفهم لن يغير شيئا؛ لن يغير شيئا

يسود وجهه الصخرى ثم يجلس الرجل فى هدوء وغطرسة وهو ينظر فى ساعته

- إنها السابعة مساءاً .. نصف ساعة لتحضير نفسك للعشاء .. كافية .. ؛ لدينا ضيوف مهمين من وزارة التجارة ؛ لدى وصيفتك فكرة عما ستردين
وأردف بنبرة قوية قاسية قبل أن يمضى
- وأرجو أن تلتزمى اللياقة وإلا تعرضت للعقاب.

نهض هو لا يلوى على شئ وتركنى هذا الجبار وأنا أرتعش.. وأتذكر مأساتى وكيف اختطفنى من حضن أبى حيث كنا نعيش فى بيتنا الصغير فى القاهرة مع جدتى الحنون التى اعتبرتها أمى
وذات صباح كئيب كنت فى رحلة مع المدرسة للمتحف المصرى أتجول بين تماثيل عصر بناة الأهرام ثم أحسست بالأرض تميد تحت قدمى ولم أستيقظ إلا لأجد نفسى فى هذا المكان ؛ بين جدران قصرً منيف تحوطه الجبال الشاهقة و تتشعب ممراته كقصر التيه.. ويمتلؤ بالخدم الغادين الصامتين أبدا ...ورجال الحراسة يتبعونى كظلى ؛ بعد أن لبثت شهوراً أصرخ للشيخ المخبول "أنى لست هذه الناتالى حفيدته"

وهو قد صنع من صخر جلمودى لا يهز صراخى فيه شعرة .

فى الصباح تأتى مدرسة الفرنسية التى أمقتها تماماً ثم مدرسة الفيزياء والكيمياء وبعدها الرياضيات
كانوا موجهين لتعليمى فقط ولم يسمح لهم بالرد على أسئلة شخصية أو تتعلق بكينونتى

ولقد تمردت على هذه التماثيل القاسية وقاومت وحاربت بكل قوتى وجهدى ولكنى تجرعت أنواع رهيبة من العقاب فقد حرمت مرات من الطعام وحوصرت فى غرفتى مثل الأسرى فى ظلمة مخيفة ولا زلت أذكر أنى حاولت الهرب مرة فألقانى الحراس بأمر من هذا الجد المخبول فى المسبح وأنا لا أجيد السباحة حتى قاربت على الغرق.

كان كل يوم يمر يكسر الكثير من أرادتى ؛ كنت كمن يضرب هامته فى الصخر بلا فائدة ...لم تعد لى قدرة على المقاومة....عزيمتى تخبو يوماً بعد يوم.

وهكذ تبعته فى خضوع عبر الباب الحديدى للقصر المنيف المزخرف بإقونات إغريقية غريبة حتى السلم الرخامى حيث وقفت أشاهده يدلف عبر باب مكتبه الأثرى وهو يلقى نظرة غربية فى اتجاهى ويقول فى السابعة والنصف أراك.

دلفت عبر حجرتى لأجد جانو الوصيفة كما يطلق عليها العجوز فى انتظارى بلباسها الأخضر الفيررزوى الموشى بتطريزات راقية من اللون الأحمر الياقوتى الزى المميز لخدم الدرجة الأولى فى القصر ، فالرمادى لخدم الدرجة الثالثة وهم المسئولون عن التنظيف والأزرق لخدم الدرجة الثانية ويختصون بالطبخ وتقديم الطعام

وهكذا الناس فى هذا المكان مرتبات ، يشذ عن هذه القاعدة "جو" عامل الحديقة يلبس ما يحلو له وهو مشاكس بطبعه ، لو أنه أخرس لصار لى حليفاً ونصيراً فهو الوحيد الذى يتعامل معى بإنسانية فى الضيعة كما يطلقون عليها وكثيرا ما اتحفنى بزهرة أو فاكهة غريبة الطعم حلوة المذاق أتقبلها منه شاكرة و.......

سيدتى حان وقت الإستحمام والسيد الكبير نافذ الصبر يجب أن تكونى جاهزة فى الموعد – قالت جانو – لتقطع أفكارى التى صرت أغوص فيها كهروب من واقع أمقته....... نظرت إليها ببرود وأنا أدخل الحمام وهى فى أثرى تتبعنى فى صمت رغم تحذيرى لها فى كل مرة أنى أجيد الإستحمام بنفسى منذ كنت فى الرابعة ولا احتاج لرفقة فى هذا المكان الخاص ؛ فلم أجد بدأً من دفعها بخشونة لتقع فى الحجرة وتشهق مذهولة وأنا أقفل باب الحمام على .. ثم أضرب يدى فى الحائط وأبكى و أغتسل بعدها بهدوء .


يتبع...........................