الموضوع
:
وصية المليونير.. بقلم: ريما ريماوي
عرض مشاركة واحدة
10-15-2011, 12:18 PM
المشاركة
3
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
تاريخ الإنضمام :
Sep 2011
رقم العضوية :
10476
المشاركات:
801
تنفيذ الوصية 3/8
رقيّة الخادمة
رقيّة في الأربعين من عمرها، تزوجت وترمّلت بسرعة، قبل عقدين من الزمن. كانت سليطة اللسان، تقسو على الخدم وتطردهم دون رأفة أو شفقة.
بغضت عمها لرغبته في امتهان كرامتها بمزاولة هذا العمل الحقير برأيها. وهو يعلم تماما قرب نضوب الثروة التي تركها زوجها الراحل.
من خلال الجريدة وجدت عملا كمرافقة سيّدة مريضة، وكان عليها الاعتناء بها ونظافتها وطعامها، بالإضافة إلى أعمال منزلها الصغير. كان أول يوم عمل شاقّا إذ كان بيت المقعدة مهملا، وكانت متطلّبة نزقة، لم تسمح لها بالراحة. عادت مساء إلى البيت متألمة، تنزّ أصابعها دما. بسرعة غرقت في فراشها الوثير، غفت وأهدابها تغرقها دمعات حرّى.
تعوّدت على خدمة السيّدة منذ الصباح الباكر وحتى تضعها في فراشها بعد العشاء، ثمّ تعود إلى بيتها وقد استنزفها التعب، يرافقها شعور الذّل، فالمرأة لم ترحمها.
بعد مضي أسبوع، تأخّرت على المريضة بعد تأخرها في النوم، وجدت ابنتها الغاضبة في انتظارها، وبدأت تلومها على تأخّر حالة أمّها واتهمتها أنها السبب لسوء خدمتها لها. ثم طردتها شرّ طردة، ولم تبال في أن تدفع لها أجرتها.
عادت إلى بيتها حزينة، ولم تستطع مغالبة دموعها فبكت كما لم تبكِ سابقا.
لمّا هدأت، طلبت من الخادمة الفليبينية عمل مساج لها، وكانت في حاجة إلى تدليل نفسها.
بعدها استراحت، وأصبح التدليك ضمن مهام الخادمة الأسبوعية.
أثناء التدليك أخذت تصغي لخادمتها تخبرها عن أسرار الجيران التي تسمعها من الخادمات الأخريات. وعليه لم يعودوا مجرد ظلال تتحرك، بل ناس يعانون ويحبون ويخونون، يسعدون ويتعسون.
ذات مرة انعكست الأدوار، لمّا مرضت خادمتها. بعدها أصبحت بمثابة المرافقة الخاصة لها. وازدادت أواصر المحبة والألفة بينهما.
ولم تعد تتأنّف عن الأعمال المنزليّة، بل بدأت تتعلّم من خادمتها. بدورها درّبتها على اختصار خطوات العمل ممّا سرّع الإنجاز. وأصبحتا رفيقيتين.
بعد شهرين وجدت إعلانا يطلب مدبرة منزل. عملت اللازم وذهبت في موعد اللقاء، إلى عنوان البيت، ولم يكن بعيدا جدّا عن مكان سكنها.
قابلت هناك السيد "فراس" وأخته، وكانا في خريف العمر، وفي غاية الطيبة واللطف، شرحا وضعهما، وفهمت من المرأة أنّها فضّلت البقاء من غير زواج مثل أخيها لرعاية إخوانهما الصغار. بعد استلام فراس مصلحة العائلة مبكرا، فتح الله عليه في رزقه وتوسعت تجارته في بيع الأقمشة. وحاليّا هما يعيشان بمفردهما بعد أن نضج الأولاد وهاجروا.
بسبب مرض الأخت هما بحاجة إلى مدبرة للمنزل. وتمّ الاتّفاق، باشرت العمل وكانت في كامل الكفاءة، فأحسنا معاملتها وكأنها فرد من العائلة.
لم يفت السيد "فراس" الانتباه لبشرتها ويديها الناعمتين، وفهم أنها ابنة نعمة جارت عليها الأيّام، سمح لها بالجلوس معهما على مائدة الطعام، لمّا رآها تتقن آداب المائدة تأكّد له رقيّها.
بدأ شعور غريب يراوده في حضرتها، يحسّ نبضات قلبه ترتفع تجاهها كأنه مراهق صغير.
حلّ يوم الراتب فأجزل لها العطاء، انصرفت تكاد الطّيران فرحا، هذا أول أجر تتقاضاه من عرق جبينها.
لم تنتبه وهي عائدة إلى البيت إلى أن "فراس" يلاحقها لرغبته في معرفة مكان سكنها.
استغرب دخولها إحدى العمارات الفخمة في حيّ راق، وتحيّة الحارس لها كأنّها ملكة.
اقترب منه مادّا يده يصافحه، ودسّ بيده ورقة مالية من الفئات الكبيرة، وسأله عنها،
فتبسّم الحارس وقال:
- نعم، إنّها السيدة رقيّة، شقتها في الدور واسعة وشرحة.
اتّسعت عيناه دهشة، متسائلا عن سرّها رغم يسر حالها.
كاد أن يطرق عليها الباب ليستوضحها عن الأمر، لكنه تراجع، مفضّلا الانتظار
حتى تبوح من تلقاء نفسها. وتنفّس الصعداء عندما علم أنه لا يوجد شريك لحياتها.
توثّقت أواصر الألفة مع "فراس"، خصوصا أن أخته كانت تمضي معظم وقتها نائمة.
وأصبحت "رقيّة" النزقة، شخصيّة أخرى محبة وحنونة. لم تتكاسل عن الخدمة،
وتعوّد فراس المائل للسمنة على الأطاييب التي تعدها له.
طلب منها أن تدعوه باسمه دون سبقه بسيّد. أصبحت عند إشراقة كل صباح، تطير طيرانا إلى منزل مخدومها العزيز. تسعد بقربه، تزاول أعمالها في المطبخ، وتفرح عندما يساعدها في تحضير الطعام. أو تجفيف الأواني، تلامس الأيادي شعور خاص. وعادت الحياة تدبّ فيهما من جديد.
ذات يوم صارحته بأمر زوجها، ووفاته المبكّرة، وشرحت عن شعورها بالخذلان لكونه تركها وحيدة تصارع الحياة. بكل مشاعر الحرمان التي عاشها طيلة عمره، احتضنها بقوّة، قائلا:
- أنتهت وحدتك عزيزتي، وأنا أيضا عانيت الوحدة وكافحت من أجل إخوتي الصغار،
وأصبح من حقي السعادة والتقاعد بعد ازدهار المحل، أريدك أنت رقية العزيزة
شريكة لحياتي، وإن قبلت بي زوجا سأصبح أسعد إنسان في الدنيا. وأردف:
- أعلم غاليتي أنّك تخفين سرا، أنا أعرف مكان سكنك لكن هذا لا يهمني، أنت،
كما أنت الآن التي أهتم بها، بل أحبّها وحياتي صارت لها وملكها. بين فرح ودموع
أخبرته عن وصيّة عمها، ورضيت به زوجا.
ها هما في خريف العمر يعيشان ربيع الحب، بكل ما فيه من أمل بمستقبل واعد.
من قال إنّ الحبّ لا يهزم العمر وثقل السنين؟!
** يتبع **
رد مع الإقتباس