الموضوع: حب وغصة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
15

المشاهدات
7518
 
راما فهد
رشة عطر

اوسمتي


راما فهد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,410

+التقييم
0.28

تاريخ التسجيل
Aug 2011

الاقامة
الاردن_عمان

رقم العضوية
10318
10-01-2011, 05:32 PM
المشاركة 1
10-01-2011, 05:32 PM
المشاركة 1
افتراضي حب وغصة
كعادتها كل صباح باكر؛ نهضت من فراشها بخفة ومرح ونشاط؛ فهي ابنة العشرين عاما؛ تختال في غرفتها بزهو وفرح؛ تطير من هنا إلى هناك كفراشة رشيقة تلاعب أكمام الزهر في الصباحات الندية؛ تطربها أصوات العصافير على نافذتها التي تستطيع من خلالها رؤية الآخرين في صباح كل يوم وهم يذهبون إلى أعمالهم جنبا إلى جنب مع خيوط أشعة شمس كل صباح؛ تكاد تميزهم دون أن تعرف أحدا منهم؛ فهي تراهم يوميا على هذا النحو وبنفس التوقيتات.

اليوم قد يكون هو الأكثر إشراقا وفرحا في حياتها وربما سيكون نقطة انطلاقها وتحولها لعالم أجمل؛ هو اليوم الذي حلمت به طويلا وحدّثت نفسها وصديقاتها عنه وبأنه سيأتي لا محالة وفق اختيارها ورغباتها؛ فالحب لا يمكن أن يكون في حياتها مجرد دمية تتلهى بها؛ سيكون حياتها التي ستجابه به كل الدنيا وستقف صامدة كقلعة حصينة أمام كل ما من شأنه أن ينغّص عليها لحظة جميلة من حبها وعشقها لهذا الذي رسمته في أحلامها فتبسمت الأيام لتراه ماثلا أمامها حقيقة لا خيالا.

اليوم قررت أن تضع حدا جميلا لهذا الانتظار الممل الذي لا ينذر بفرج قريب؛ فعقدت العزم على أن تكون هي البادئة فيما ترنو له نفسها وبأن تكون شجاعة لتضع النقاط الصحيحة فوق الحروف المتخمة بيأس الانتظار؛ وهل في هذا خروج على المألوف؟ إذن فليكن فسأمارس قناعاتي بمحض إرادتي؛ أأكبت حبي وألوذ محتمية بصمتي لأنني مثلما يقولون مجرد أنثى؟

التقته دون تخطيط أو سابق إنذار ؛ أثناء تسوقها في أحد المحلات التجارية ؛ أدركت أنه مهتم بها ويلاحقها بنظراته وهي تحاول القفز فوق رغباتها بألا تعطيه إشارة أو اهتماما قد يفهمه بطريقة أخرى؛ كانت تنظر إليه خلسة كلما أمكنها ذلك؛ فلقد شعرت بأنها تعرفه منذ زمن ؛ ملامحه مطابقة لكل ما رسمته في عقلها في كل أيامها وسنواتها الماضية؛ أخذت تفكر باسمه وبمكان سكنه وباقي تفصيلات حياته ؛ أنهت تسوقها وخرجت؛ نظرت إلى الخلف خلسة فرأته يتابعها بنظراته وبابتسامة تعلو محياه.

مضت أيام وهي تذهب إلى نفس مكان التسوق فتراه وكأنها على موعد مع الحلم الجميل الذي قد يصبح حقيقة في يوم ما؛ لم يكن يتكلم معها سوى أن نظراته المتلاحقة تتابعها في كل تحركاتها ونفس الابتسامة في اللقيا والوداع.

كان في غاية الجمال والروعة وكل ما فيه جميل سيما عيناه؛ طوله وشكله وهندامه؛ يهتم بمنظره وأناقته كأروع وأجمل ما يكون ؛ يبدو أنه لا يكبرها إلا ببضعة أعوام وأنه في غاية الوداعة واللطف؛لكن المشكلة الكبرى هو هذا السؤال الذي يكاد يقتلها ويميتها ويمزّق أحشاءها ولا تجد له جوابا: لماذا يصر على السكوت ولا يكلف نفسه عناء التفوه بكلمة أو حرف؛ لماذا لم يحاول أن يتكلم معي؛ يسألني أي سؤال؛ يسألني عن اسمي؛ رقم هاتفي..الخ.

حسنا؛ الساعة ما زالت السابعة صباحا وسأذهب ‘إلى مكان التسوق في الرابعة مساء؛ أخشى أن أذهب قبل ذلك فلا أجده ؛ قررت أن أعلن عليه الحب وليكن ما يكون؛ أليس من حقي أن أبوح بالحب لمن أحب أو أن ألمّح له بذلك بإشارات خاطفة؛ أم أترك الحب وشأنه هكذا لرياح الأيام ؛ بلى سأكلمه أنا.

تمضي الساعات متثاقلة كعجوز انتابته الأمراض أو كغيمة سوداء مثقلة بالبرد؛ تحاول مع كل هذا الوقت الممل أن تلهو بشيء فلا تستطيع؛ فهذا الحب يأخذ منها كل تفكيرها وكيانها؛ تقف ثم تنهض وما تلبث أن تطل برأسها من النافذة ثم تعود إلى أريكتها أو سريرها؛ تذهب إلى المطبخ وتعاود المجيء إلى غرفتها.

ساعات لا تكاد تنقضي إلا بشق الأنفس ولا ينفع معها كل محاولات التلهي عنها؛ وعقارب الساعة تتجه بكل تثاقل إلى الثالثة عصرا؛ لبست أجمل ثيابها واستجمعت كل مخزونها من الجرأة والشجاعة؛ وصممت على أن يكون هذا اليوم مفصليا نحو غد مشرق؛ سأقول له: هنا ترتبك قليلا: ماذا سأقول له: أحبك.. لا ... مستحيل هذا كثير ومن المستحيل أن أقدم نفسي بهذه الطريقة الساذجة التي سيفهمها بطريقة سيئة.

أذن سأطلب منه معرفة اسمه ورقم هاتفه ؛ فالكلام على الهاتف سيكون أسهل بكثير؛ استقر رأيها على طلب رقم هاتفه؛ وسيأتي الله بالفرج بعدها.

الساعة الرابعة تماما بتوقيت حب جديد يخيم على كيانها ويأخذ كل تفكيرها؛ تدخل المكان؛ ها هو يستقبلها بنظراته الساحرة وابتسامته الجميلة المعهودة؛ لم تدع مجالا للخوف والارتباك ومزيد من الحيرة ؛ ذهبت إليه مباشرة؛ وقفت أمامه : مساء الخير.

لم يرد بشيء؛ أعادت تحيتها فابتسم محركا يديه وشفتيه دون صوت مفهوم لها؛ تقدم منها صاحب المحل: عفوا آنستي .. هل من خدمة ؛ أنت تتكلمين مع هذا الشاب .. هو ابني ولكنه أخرس ؛ هل أستطيع أن أقدم لك ما تريدين؟

لم تستطع أن تتلفظ بحرف واحد؛ وجوم وصمت وحيرة وارتباك؛ تلعثم في الكلمات القليلة للرجل: شكرا ..

غصة في الحلق وحب في الخيال يتحول بلمح البصر إلى سكين في الخاصرة؛ ودمعة تتلجلج في العيون ما تلبث أن تتهادى بحرارة؛ وسؤال يتحول إلى سائل يطرق أبواب القلوب تارة فتصده ليذهب إلى أبوب العقول: هل عندك استعداد للحب أو للارتباط بشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وهل كل ما ندّعيه في الحب وبأنه فوق الحسابات والشروط وخارج حسابات المنطق والممكن ما هو إلا محض افتراء وادّعاء؟