عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
7167
 
أنس بن سليم الرشيد
من آل منابر ثقافية

أنس بن سليم الرشيد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة

رقم العضوية
9807
09-24-2011, 11:14 PM
المشاركة 1
09-24-2011, 11:14 PM
المشاركة 1
افتراضي الحياة الدرامية بين نزار قباني وجبران خليل ..
الحياة الدرامية بين نزار قباني وجبران خليل ..

السيرة الذاتية فن أدبي له أصوله وضوابطه التي ناسبت كونه مدوّنا بين دفتي كتاب , ولكنها عند خوضها عُباب الدراما تـعكس تحولات في بنيتها السيرية ؛ إذ إن ثقافة الصورة عندما تسعى لأن تترجم هذه السيرة سيكون لديها طرقا كثيرة وكل طريقة تصنع عملا يختلف عن الآخر من حيث الجودة وقوة العمل وتأثيره ...
ولدينا شاعران حُولت حياتهما إلى عمل درامي هما نزار قباني وجبران خليل جبران ... والطريقة التي سُلكت لذلك كانت تختلف , فنزار شاعر درامي أكثر من جبران الفيلسوف ولهذا تصالـُح نزار مع صناع الدراما كان أكثر إثارة وتشويق من جبران الذي كتب هو حياته بنفـَس ٍ فلسفي فأثر بدوره على جماليات الصناعة في الصورة ..
نزار ( الدرامي ) مشروع لم يستثمر ... إذ نلتمس في شعر نزار أهم العناصر الجوهرية التي تحتوي عليها الدراما ، فكثير من قصائده تحتوي على صراع وفي قصائد أخر وظف الحوار والشخصيات ؛ ولهذا سأطيل في الكلام عن نزار ومن ثم سأذكر شيئا عن جبران حتى يبيْنَ الفرقُ .
يُعد نزار ممن تأثر بالحداثة التي أزاحت عن الخصائص الأدبية الحدود الفاصلة التي كانت بينها .. فلم يعُدْ لكل جنسٍ أدبي خصائصه المميزة التي تلتحق ببنيته فترسم هيكله الداخلي .. فالتجأ نزار إلى أن يُشكل من
( الحوار) بنية رئيسة في شعره ؛ فهو هنا ( سيناريست ) وظف الحوار كتقنية محورية في شعره .. ليرسم الواقع اليومي بكل ما فيه من بساطة أو إلى النفوذ إلى تعقيدات الواقع ليخرجه بقالب ساخر …
ونزار بصفته السارد لهذا الحوار نصّبَ نفسه ( البطل ) لقصائده .. فهو هنا استخدم السرد الذاتي (= الذي يكون للسارد فيه العلاقة الأساس وارتباط بالشخوص الآخرين , ولو من بعيد ، كأن تجري الأحداث لأشخاص لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع السارد تتضح من خلال صوت السارد الواضح الصريح في أحكامه الذاتية المتفاعلة مع هذه الشخصية أو تلك ) .
ولنأخذ مثالا سريعا ...
يصوّر نزار شخصيتين ...البطل وحبيبته ..
(والمصور في المسلسل بديل الراوي في القصيدة )

اسم العمل : ( طوق الياسمين )
المشهد الأول :
السيناريو :
شاب يُهدي حبيبته فتقابله بالابتسامة فما يكون منه إلا أن ظن خيرا بها .
شكرًا … لطوق الياسمينْ "
وضحكْتِ لي … وظننتُ أنكِ تعرفينْ
معنى سوار الياسمينْ
يأتي بهِ رجلٌ اليكِ
ظننتُ أنكِ تُدركينْ

المشهد الثاني : السيناريو :
تذهب المرأة لتسريح شعرها ومن ثم تحتار في انتقاء ملابسها فتطلب منه مساعدتها فيبادر (البطل ) لاختيار الملابس وهو فرح لاعتقاده بأن كل ذلك من أجله ...
وجلستِ في رُكنٍ ركينْ
تتسرحينْ
وتنقطين العطرَ من قارورةٍ وتدمدمينْ
لحنا فرنسي الرنين
وقصدت دولاب الملابس
تقلعين … وترتدين

الحوار :
وطلبتِ :
أن اختار ماذا تلبسين ...

المشهد الثالث : تتنامى الأحداث لتنتقل إلى مكان آخر يكون بداية لحظة التنوير :
السيناريو : البطل يرى حبيبته وهي ترقص مع المعجبين والمحبين :
هذا المساءْ …
بحانة صغرى رأيتكِ ترقصينْ …
تتكسرين على زنود المعجبين


الآن لحظة التنوير :

وبدأتُ اكتشف اليقين
وعرفت انك للسوى تتجملين
وله ترشين العطور ..
وتقلعين ..
وترتدين…

وفي قصيدة أخرى يقول في مطلعها :
عند جدار البيت ذات يوم
أقبلتِ نحوي تسألين ما اسمي؟
...
وفي آخرها :
يا رحمة الله .. على جدار ٍ
لذنا به طفلين ذات يوم

... فتأمل صناعة المشاهد ببداية شَمِلتْ التعريف بذلك الجدار (المكان ) ونهاية بنداء وتضرع بأن يُرحم ذلك الجدار الذي سمح لهما بأن يلوذا به في إشارة إلى صعوبة اللقاء بين الجنسين ؛ إذ لاذا به وهما طفلان فأجارهما ماداما طفلين , فرحمة الله عليه إذ غيره ممن دبت الروح في جسده يمنعها . وهو هنا يصور حبا ضائعا , لم يبق منه إلا المكان الذي كان شاهدا على هذا الحب .
بل إن نزارا يستخدم ( فن المونتاج ) وهو من التقنيات السينمائية الذي يقوم على ربط شريحة فلمية (لقطة واحدة) مع أخرى وجعلها مع بعضها لتكوين مشاهد والمشاهد ترتبط معا لتكون مقاطع متسلسلة ..
وكل ذلك خدمة للقصيدة الدرامية ..
ولهذا نقول إن نزارا صنع حياته الدرامية بنفسه ومن ثم فإننا نلمس ذلك في مسلسل نزار من حيث المتعة الدرامية ما لم نشهده في مسلسل جبران ..
وحين قلتُ بأن نزاراً مشروع درامي لم يستثمر قصدتُ بأن ما خرج على الشاشة كان مقتضبا لم يستطع القائمون عليه أن يواكبوا الحياة الدرامية التي رسمها نزار لنفسه وهي مع ذلك الاقتضاب رسمت المتعة في تفاصيلها ؛ لأنه من أين استقيت النص فإنك محاط بأجواء درامية كان يعيشها نزار . وثمة فرق بين المتعة في المشاهدة والحكم النقدي .
ولا يكتفي نزار بسرد حكاية يستمدها من الواقع بل يرسل رسالات ضمن قصائده تكون مجالا لفهم أعمق لكثير من تفاصيل حياته .. فيجدر بالسيناريست أن يستوعب هذه الرسائل فيبنيها من جديد لتكون مادة العمل الدرامي لديه ...
فعلى سبيل المثال لو أخذنا (القصيدة الدمشقية) كنموذج مهم ؛ إذ هي من آخر قصائده إذ كان بعدها على موعد مع الموت ؛ ولهذا فإنه اختصر بها مراحل حياته ...
فأولا : نقرأ شخصية نزار وحالته النفسية الحزينة التي تخرج إجبارا على قسمات وجهه من حنينه الدائم الداخلي للماضي من خلال الشخوص والمكان
يقول :
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي... لسالَ منهُ عناقيدٌ.. وتفّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم ... سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا

ثم نراه يرسم الحياة داخل بيتهم الدمشقي إذ نلمح عظم الحقوق والتسامح والجمال .. لدرجة أن الحرية وصلت للقطة .. والحقوق للياسمين
للياسمينِ حقوقٌ في منازلنا .. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ

ثم نجد عطفا نسقيا بين (مكان ووجه ) في قوله :
هذا مكان أبي المعتز منتظر .... ووجه فائزة حلو ولماح
ولاشك أن هذا العطف غريب ؛ إذ ما الرابط ؟!
لا شك أن (المكان ) يوسم عند نزار قباني – عموما- بكونه باهت الملامح مغيب الأوصاف إلا من خلال انعكاسه المباشر في نفس الشخصيات ..
ولهذا فنزار هنا يصنع مشهدا دراميا ... يبين فيه تنامي الصراع النفسي بداخله ...
فنرى مكان أبيه ينتظر ! فبعد أن وصف نزار في أبيات سابقه هذا المكان فإنه اكتفى بلفظة (منتظر ).. فيكون تصوير المشهد :
والد نزار في صحن الدار, و أمامه فنجان قهوته, وعلبة تبغه, و جريدته..
ولفظة ( منتظر ) : تعني أن المكان لم ييأس من رجوع صاحبه فأشار السيناريست إلى هذا برمز سقوط زهر الياسمين حين نشاهد المقطع في مسلسل نزار ...
مشهد لكرسي والد نزار (أبي المعتز ) وقد فقد صاحبه ...
وبقربه تساقط زهرة ياسمين بيضاء..
كأنها رسالة حب قادمة من السماء.. في إشارة إلى انتظار صاحبه ..
وأما العلاقة الضمنية فهي (علاقة نزار مع والديه) فهو يرتبط بوالده (مكانا) وبأمه (عاطفة وملجأ للحب ) .. فوالده كان مستشارا لنزار فنلحظ رهبة الكرسي الدالة على القاضي والمستشار , وأمه كانت الإشارة إليها ( بالوجه ) لأن الوجه مجال وصف .. ومعبر المحبين للدخول في عوالم محبيهم ,وفيه كل تعابير العواطف . فمن خلال هذا البيت نستطيع أن نبني صورة العلاقة بين نزار ووالديه .

وأما مسلسل جبران فالكلام عن العمل الذي قدمه الكاتب نهاد سيريس والمخرج فردوس أتاسي .
أولا نعلم أن جبران قد كتب حياته بنفسه , وهذا ظاهر كذلك حينما اختار السيناريست أن يبدأ العمل من مشهد لجبران وهو يموت ومن ثم يأتي بفلاش باك ليحكي فيه سيرة حياته من خلال ثلاث شخصيات هم :
صديقه الأديب ميخائيل نُعيمة , وأخته باربارا , وصديقته ماري هاسكل ...
والذي أريد أن أطرحه هو المقارنة بين الحياتين ( نزار وجبران )
نزار = درامي .
جبران = فلسفي .
وتأثيرهما على مجريات صناعة المسلسل وتشويقه وإثارته .
جبران كتب حياته بأسلوب فلسفي لا درامي ولهذا نجد أن جبران يسعى في كتبه لتكريس أنه إنسان فوق البشر فكتب ( النبي ) وكتب ( حديقة النبي) و(يسوع ابن الإنسان ) .. وهذا ما سيتعارض مع النص الدرامي الذي يريد أن يبحث عن إلهامات يستقيها لنصه .
ومن هنا جاء التباطؤ في سير العمل (المسلسل ) وبرود في المشاهد
لماذا ؟ لأن الحياة الفلسفية التي كتبها جبران كانت عائقا أمام الصانع الدرامي ..
فلجؤوا إلى أخذ قصة عامّة كان من ضمن الذين عايشوا تلك القصة هو جبران خليل جبران .. ولهذا فنحن أمام أشخاص يسألون :
أين ولد جبران ? فتأتي الصورة لتبين لنا أنه ولد في بلدة ( بشرّي )
ثم يسألون : كيف نشأ ?
فتأتي الصورة لتشرح الأوضاع التي عاش فيها جبران , وكيف كان الوضع في لبنان أيام العهد العثماني !
ثم يسألون :
من هم الذين أثروا في جبران ? ومن الذي رعاه ?
فتأتي الصورة لتخرج لنا سيرة ذاتية أخرى عن أمه (كاملة ) فصار العمل كأنه عن (جبران وأمه ) بحجة أنها صانعة لجبران , وأنه لولاها لما سمعنا بجبران خليل جبران !!
ثم يسألون : ما سبب الهجرة إلى أمريكا ?
فتأتي الصورة لتبين ذلك على برود عجيب !!
ولهذا نلحظ أنه قد أُنْهي المسلسل وجبران في العشرينات من عمره ؛ وذلك لافتقار العمل من دواخل جبران الحقيقية ونفسيته وشاعريته وفلسفته ..
إنما هو عمل يتحدث عن بيت داخل ضيعة يعايش هذا البيت أوضاعا مزرية من جراء الأوضاع حال الحكم العثماني !!
والسؤال/ لماذا لم يستطع العمل الدرامي أن يدخل في عوالم جبران كما دخل في عوالم نزار ؟
هذه هي المعادلة التي أردت أن أبينها في فروقات الحياتين (نزار الدرامي وجبران الفيلسوف )
كما أن جبران كان غامضا في صناعة حياته ..فمهما حاول السيناريست مقاربة حياته من خلال فلسفته فإما أنه سيختلق أحداثا ليست حقيقية أو سيزيد من العمل ضعفا على ضعف وبُطـْأ على بُطء , هذا إن استطاع أن يقلب الفلسفة إلى مشهد حقيقي .
وبيان ذلك أقول : إن ممن يروي عن جبران هي صديقته ( ماري هاسكل)
وقد روى جبران لماري أنه التقى ( يسوع ) أكثر من مرة , وذهب يصف لها ملامحه وثيابه ..!!!!
بل إنه حدثها عن ولادته في الهند ..!!
ونجد جبران يحدث هاسكل عن أنه فوق اللذة الجنسية .. بأسلوب فلسفي يحاول أن يبين فيه أنه ليس عجزا جنسيا إنما هي قداسة تستوجب فقدان اللذة الجنسية (لا العجز ) وعدم الانغماس فيها !!
ولنأخذ هذه الروايات كأمثلة .. فماذا سيصنع السيناريست بها ؟
هل سيأخذ كلام جبران بحذافيره ؟ أم يتغاضى عن الأمر ويأخذ بالروايات الموجودة عند الرواة الآخرين ؟
فإن أخذ كلام جبران كما هو.. فكيف سيعرض المشاهد ؟!
لابد أن يقلبه إلى فانتازيا من الفضاء ؟! وليكتب على المسلسل ( رجل من المريخ ) !! طبعا ولابد حينها أن يستعين بإمكانيات (هوليوود ) !
أم سيتغاضى ونرى ما رأيناه من سطحية في عرض قصة جبران ..!

ولهذا فإني أقول ليس أي شخص تكتب سيرته بسهولة , وتحول إلى عمل درامي مشوق خلاّق إلا أن تكذب وتصوره بصورة أخرى .
إذاً كيف نخرج الفيلسوف جبران إلى الشاشة بعمل خلاق وعظيم ...؟
فأقول : إن نزارا وجبران محتاجان إلى ورشة نص مليئة بأساتذة السيناريو والحوار ومليئة بأساتذة في النقد الأدبي والثقافي وأساتذة في التحليل التاريخي والفلسفي ... ثم تضع هذه اللجان نصا مقاربا لتلك الفلسفة الجبرانية لكنه في الوقت ذاته صالحا للإلهامات التي يستطيع أن يتعامل معها صُنّاع الصورة فيخلقوا لنا عملا عظيما ومشوقا .
فإذا كنا نضع الحسابات أمامنا حينما نريد أن نصنع نصا لحياة أحد أصحاب النبي محمد - عليه وعلى أنبياء الديانات الأخرى السلام - وآخرهم (القعقاع بن عمرو التميمي) فلجنة لصناعة النص ولجنة للنظر في شرعيته ولجنة لتحريره ووو..
وهذا وإن كان لجانب ديني , إلا أنه يجب أن يكون مدخلا لزرع بذرةِ اللجان الصانعة للنص والمحررة له ..
وخصوصا حينما يكون أمر تلك الشخصية منغلق كحال جبران خليل جبران .
أنس بن سليم الرشيد
أبو دريد
10/3/2011م