عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2011, 08:41 AM
المشاركة 90
علي بن حسن الزهراني
أديب وإعلامي سعودي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
خرجت هذا الصباح أبحث عن عيد يحضن فرحة العيد في ثيابي البالية من كل شيء إلا من العطر.. وجدته في أحداق الذاهبين والآيبين على الأرصفة وفي الطرقات.. همست إليه في التياع وحب: "احضني أيها العيد.. احضن فرحة العيد في عطري.. واعذرني، فثيابي بالية.. شاء القدر أن تكون بالية.. صدقني لا دخل للمال والخياطين في ذلك.. أرجوك - فقط - احضني وعاتبني كما تشاء..!!".
هل تعلمون ماذا فعل بي؟!
سرق مني عطري.. عطري الجديد.. وتركني أنزف في ثيابي البالية.. دما ودموعا وقهرا أيضا..!
حضنت دمي، واحتضنت دموعي، وتركت قهري لعامل النظافة الذي لم يجد صعوبة في حمله عني.. هو ينزف ويبكي ويتألم كذلك.. لم أسأله لماذا، فــ"لماذا" ربما أودت بحياته.. وحياته غالية عند ذويه وليس عند ربه؛ لأنه كان مسيحيا، بوذيا يعبد الشمس والبقر.. بل قال لي بأنه لا يعبد أحدا.. أبدا.. انصرف ومعه قهري..!!
عدت إلى وسادتي التي تلطّختْ بالدم.. دمي.. وغرقتْ بالدموع.. أظنها دموعي..! بل هي دموعي التي لم أعرفها لانشغالي بدمي.. ذلك الدم البارد.. كبرودة أعصابي التي لم تقتل بعد بدم بارد..!!
تعالي أيتها الدموع.. تعال أيها الدم..
اسمعاني جيدا.. سآخذكما إلى العيد.. العيد القادم، من العام القادم، وأعدكما بالفرح كالأطفال.. كالأطفال تماما..
ستكون الرياض خالية من الشوارع والطرقات والمنازل والناس، وسأبني لكما حديقة عظيمة، وأطوقها بسور عظيم، كسور الصين العظيم..!
ويحكما..!
استمعا لي جيدا..
أنت أيتها الدموع.. وأنت أيها الدم.. نزفتما من "عظيم" أيضا..!
إنه أنا.. نعم، أنا.. وأنا.. وأنا.. فهل تعيان تلك الــ"أنا"..؟!
والآن..!
انصرفي أيتها الدموع إلى التراب.. تمرغي هناك.. فأنا رجل بدويّ لا أؤمن بالمحارم الورقية.. والحرير للأغنياء فقط..!
عودي إليّ بــ لون التراب الذي منه خلقتُ وفيه أعود..
وأنت أيها الدم النازف..!
هل مازلت تنزف أيها القبيح؟!
الدموع أنثى، لها ما تشاء، أما أنت فــ مذكّر يقهر الصعاب، ويتغلّب على الإحباط.. فكم من بطل وعظيم سال دمه شامخا؛ لكنه لم ينزف..! مات، وأقدام الرجال لم تطأ جبين كرامته وكبريائه و"عَظَمته"..!

انصرف وعد إليّ أبيض كالمسك.. كرائحة عطري الجديدة التي سلبها العيد، قبحه الله..!
أنتما..!
اتركا باب القلعة مفتوحا.. وهدما أسوارها الفولاذية.. واتركا سريري الخشبي كي أشعل فوقه شوق العيد القادم.. من العام القادم.. في الرياض.. وشوارع الرياض.. وعشق الرياض.. .
عظيمة أنت أيتها الرياض؛ رغم "بؤس" العيد فيك..!!

زحمة وجوه وعابرين!