عرض مشاركة واحدة
قديم 08-27-2011, 08:24 PM
المشاركة 2
حسان العسيري
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
7- الاهتمام بالفرجات الإثنوسينولوجية:


تدرس الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie) ، وذلك حسب جان ماري براديير( Jean-Marie PRADIERمختلف الممارسات الفرجوية والسلوكيات الإنسانية في مختلف ثقافات شعوب العالم، وذلك في أشكالها المنظمة وصيغها المقننة. أي: إنها تدرس الفرجات الشعبية القديمة والأشكال التعبيرية الثقافية الأصيلة. وبالتالي، فهي تدرس جميع ثقافات شعوب العالم ذات الطابع الفلكلوري دون استثناء، ولاسيما التي لم تعرف فن المسرح بالمفهوم الغربي لكلمة المسرح.
وبتعبير آخر، فالإثنوسينولوجيا مجموعة من الفرجات الفطرية والثقافات الإثنية المتنوعة، وهي كذلك مجموعة من الأنشطة الإنسانية الحية المتنوعة، ومجمل الفنون المشهدية الاحتفالية والظواهر البشرية سواء أكانت فردية أم جماعية، والتي يغلب عليها الطابع المشهدي المنظم. وفي إطار هذه الأنشطة والفنون الشعبية، يمكن الحديث عن الألعاب، والأعياد، والاحتفالات، والطقوس، والحركات الصامتة، والرقص، والموسيقى، والرياضة، والجسد، والتراجيديا، والكوميديا، والفكاهة ، والأمكنة الدرامية المفتوحة وفضاءات الهواء الطلق...؛ لأن المسرح الغربي مرتبط في جوهره بالفضاءات المغلقة، وخاصة العلبة الإيطالية. في حين، نجد أن عرض الفرجات الشعبية الثقافية رهين بفضاءات احتفالية شعبية مفتوحة.
ويعني هذا أن الإثنوسينولوجيا تدرس الثقافة الشعبية والفرجات الفلكلورية المتنوعة ، وذلك في مفرداتها ومكوناتها وتلاقحها واندماجها وعطاءاتها. زد على ذلك، تدرس الإثنوسينولوجيا جميع الأشكال التعبيرية الإنسانية سواء أكانت مقدسة أم دنيوية، مكتوبة أم شفوية، ذات ثقافة عالمة أم شعبية، احترافية أم غير احترافية، تقليدية أم معاصرة، كل هذا من أجل خدمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية، والدفاع عنه بشكل من الأشكال. وعلى العموم، تهتم الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie)،باعتبارها علما متعدد الاختصاصات والفروع والشعب، بجماليات تجسيد المتخيل، وتمثيله فنيا وجماليا، وتشخيصه دراميا وفرجويا. كما تهتم الإثنوسينولوجيا بدراسة الظواهر الثقافية العالمية ذات البعد الإثنوغرافي والعرقي والسلالي، والتي تحمل في طياتها فرجات مشهدية مختلفة عن فن المسرح. والمقصود من هذا أن الإثنوسينولوجيا تبحث في الأشكال الفرجوية الفطرية العريقة والأصيلة المختلفة عن بنية المسرح الغربي الأرسطي. أي: إن مجموعة من الفرجات الإنسانية والأشكال الثقافية والظواهر الإبداعية الفردية والجماعية قد تحمل في طياتها فنيات أسلوبية وتقنية، وأفكارا جادة وهامة، ومتعة جمالية، ويمكن أن تتضمن كذلك معارف بيداغوجية تطبيقية، وتحوي ابتكارات إجرائية و تقنية وجمالية، وذلك على مستوى الأداء والتعبير والتشكيل. وكل هذا يمكن أن يستفيد منه الطلبة والأساتذة الباحثون في مجال المسرح والفنون والعروض الفرجوية والمشهدية. ونستحضر من بين هذه الفنون والفرجات الفطرية العريقة: النو، والكابوكي، وكاطاكالي، وأوبيرا بكين (Opéra Pékin)، والكوميديا دي لارتي ، والكراكوز، وتعزية الشيعة، وخيال الظل، والحلقة، والمداح، والحكواتي، وسلطان الطلبة، واعبيدات الرما، والسامر، والمقلداتي، والبساط، والجذبات الصوفية (العيساوة)، والعرائس، والأقنعة، والأعراس الأمازيغية...
ومن هنا، يظهر لنا أن الإثنوسينولوجيا شعبة علمية جديدة تهتم بدراسة الأفكار القديمة، وتعنى بالإبداع الفني والجمالي، ومقاربة الفرجات الفلكلورية في ضوء مناهج النقد العلمي الموضوعي. وبالتالي، فهي متعددة المشارب والمصادر، وقد تشكلت انطلاقتها الأولى في مجال الفنون المشهدية، وتبلورت كذلك داخل النطاق الجامعي، وداخل أروقة اليونسكو ودار ثقافات العالم . وفي العموم، الإثنوسينولوجيا مقاربة أنتروبولوجية وإثنوغرافية للفرجة الإنسانية نظريا وتطبيقيا، إن درسا وإن عرضا.
وقد حان الوقت اليوم للاهتمام بالإثنوسينولوجيا المسرحية، ودراسة جميع الظواهر الفرجوية الشعبية العربية بصفة خاصة والعالمية بصفة عامة. ويمكن استعراض هذه الفرجات في مركبات ثقافية عامة أو خاصة، أو في ساحات عمومية أو رياضية أو فنية أو ثقافية مفتوحة، تشرف عليها مؤسسات الدولة أو مؤسسات خاصة، يحضرها النقاد والمبدعون والمهتمون بالمسرح والثراث الشعبي، فتعرض جميع الفرجات الشعبية الفطرية أمام نخبة من النقاد والمبدعين والأكاديميين وطلبة المسرح ، من أجل الاطلاع عليها، وتقويمها دلالة وصياغة ومقصدية، والاستفادة منها إخراجيا (ميزانسينيا ) في بناء الدراما العربية المعاصرة.

8- الاهتمام بمسرح الطفل ومسرح الشباب والمسرح الجامعي:

ينبغي على المؤسسات الحكومية المشرفة على قطاع التثقيف والفعل الدرامي أن تهتم بمسرح الطفل اهتماما كبيرا، و تعمل على تشجيعه ماديا ومعنويا. كما ينبغي على وزارات التربية والتعليم والمعارف في وطننا العربي أن تبادر إلى تدريس المسرح بالتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي. كما نطالبها أيضا بخلق مباريات ومهرجانات ومسابقات ولقاءات وندوات لتنشيط مسرح الأطفال أو المسرح المدرسي بكل فروعه وأنواعه ، من أجل مسايرة الحداثة الحقيقية، وذلك بخدمة الطفل خدمة صحيحة ، ومراعاة حقوقه الطبيعية والمكتسبة.
ولابد من الاهتمام كذلك بمسرح الشباب باعتباره ظاهرة اجتماعية صحية في المجتمع العربي، وتكوين هؤلاء الشباب والفتيان تكوينا فنيا وجماليا وأخلاقيا وتربويا؛ لأن مسرح الشباب يحمل رسالة نبيلة ومسؤولية جسيمة، تتمثل في رفع مستوى الوعي المعرفي لدى الشباب. وبالتالي، تسمح لهم بحرية التعبير أدبيا ودراميا عن قضايا الواقع الموضوعي، والإحاطة بمشاكله العديدة الشائكة ، وذلك عبر المعالجة الجدية، والانتقاد الصارخ ، ناهيك عن رصد همومهم الداخلية، واستبطان دواخلهم الشعورية واللاشعورية، بارتجالية تامة، وعفوية صادقة، وحوارات متقدة.
ولايمكن الحديث إطلاقا عن أمة متحضرة وواعية وراقية في غياب مؤسسات المسرح بكل أنواعها العمرية والكيفية، وغياب الثقافة الجمالية والفنية، فالأمم المتقدمة تعرف بعدد مسارحها ومدارسها ومعاهدها وجامعاتها ليس إلا.

9- تشجيع المسرح القرائي داخل المؤسسات التربوية:

لايمكن لأمة ما أن تحقق التقدم والازدهار والرقي إلا برعاية المسرح رعاية صادقة وحقيقية، والاعتناء به بشتى السبل، وتدريسه في المؤسسات التعليمية والتربوية، وإدخاله ضمن مقررات الشعب في المؤسسات الجامعية والمعاهد الأكاديمية. ويعني هذا أن يتحول المسرح إلى مادة تعليمية- تعلمية من جهة، وطريقة للتدريس الحديث والفعال من جهة أخرى، وذلك ضمن ما يسمى بالمسرح القرائي، أو المسرح التعليمي، أو المسرح المدرسي ،أو مسرح الطفل، أو مسرح الشباب، أو المسرح الجامعي.
والمقصود بالقراءة المسرحية أو الممسرحة أن يقدم المدرس درس القراءة اعتمادا على التمثيل والتشخيص ، وتحويل النص القرائي إلى نص مسرحي، أو تمثل مقومات الدراما والمسرح، لتحسين مهارة القراءة لدى المتعلمين. ومن ثم، يصبح التلميذ في هذا السياق التربوي والتعليمي قارئا مسرحيا بامتياز.
وبناء على ماسبق، فمسرح القارئ Readers Theatre هو الذي يهدف إلى مسرحة القراءة الصفية، عن طريق توفير كل الظروف الدرامية الممكنة لجعل المتعلم يتفاعل إيجابيا وديناميكيا مع درس القراءة ، وذلك من خلال الجمع بين هدف التعليم وهدف اللعب، وبين والترفيه والتسلية، قصد خلق الحيوية والحب والسعادة ، مع العمل بصدق وجدية على تحقيق الحياة المدرسية الناجحة والفعالة.
وهكذا، فاستخدام الدراما أو المسرح من أهم التقنيات الديداكتيكية والبيداغوجية التي تسعف المتمدرس على التحكم في مهارة القراءة الصفية وغير الصفية، وتحسين مستواها أداء وتعبيرا وتواصلا وتشخيصا. كما أن مسرحة القراءة تساعد التلميذ على فهم الدرس القرائي فهما جيدا، واستيعابه بسهولة ويسر ومرونة ، مع الاستمتاع به تسلية وترفيها، مادام هذا الدرس يؤدى عن طريق الدراما والمسرح. وبذلك، يولد هذا النوع من المسرح في نفوس المتعلمين حب القراءة بنهم كبير، وإقبال شديد؛ لأنهم يجدون فيه متعة وجدانية، وراحة نفسية، وسعادة روحانية، وحياة مدرسية زاخرة بالحركة والنشاط والتفاعل الديناميكي.
كما تسعف القراءة الممسرحة المدرس على إخراج التلاميذ من شرودهم وعزلتهم وانطوائهم وانكماشهم ، وذلك عن طريق إدماجهم في أدوار مسرحية وجماعات فاعلة، لكي يساهموا في تنشيط الفعل القرائي ، وذلك عبر أداء مجموعة من الأدوار البشرية والواقعية. ويعني هذا أن القراءة الممسرحة تطهرهم من أدران الشر والحقد والعدوان ، وذلك عن طريق إثارة الخوف والشفقة، كما تحررهم من نوازع النفس الأمارة بالسوء، وتخلصهم من عقدهم المكبوتة، عبر التفريغ، والتسامي، واللعب، والتقمص، والتشخيص الدرامي.
وعليه، فما أحوجنا اليوم إلى تطبيق المسرح في تعليم القراءة ضمن منظومتنا التعليمية والتربوية ! لما له من دور إيجابي في تسهيل عملية استيعاب الدروس ، وذلك عن طريق الجمع بين التعلم والمتعة، والتعليم والترفيه.
ولا يتصور المدرس أن مسرحة القراءة مكلفة أو صعبة المران، تستلزم التكوين العميق في مجال الفنون الجميلة بصفة عامة وفن المسرح بصفة خاصة، كما تتطلب مجموعة من الإمكانيات المادية والمالية التي يصعب الحصول عليها. لأن المعلم دائما " يرتاب من كلمة " مسرح" ، فيتبادر إلى ذهنه خشبة المسرح، وما يتبعها من مؤثرات وديكورات وأزياء وساعات من الحفظ والتدريب والمران. بينما الأمر أسهل من ذلك بكثير، إذ هو لا يعدو في الحقيقة مجموعة من التلاميذ، يقفون على خشبة المسرح الذي هو في الحقيقة مقدمة الصف، ويمثلون أدوارهم الصغيرة ، من دون حاجة إلى أي مؤثرات أو مشاهد أو ديكورات، ما خلا ورقة النص التي يحملونها بأيديهم"[1]. وهكذا، فمسرحة القراءة وسيلة مهمة وناجعة، وطريقة ديداكتيكية هادفة، وتقنية بيداغوجية فعالة لتحقيق مدرسة النجاح والإبداع.


10- بين الهواية والاحتراف:

ينبغي أن يكون المسرح العربي محترفا، وذا خصوصية مهنية من جهة، مع الحفاظ على مسرح الهواية من جهة أخرى، وكل ذلك من أجل أن يبقى المسرح حيا نابضا بالحياة والحركة والتطور. ومن المعلوم أن المسرح الاحترافي هو الذي يحقق إلى حد ما كرامة الممثلين ، ويدافع عن جميع حقوقهم الطبيعية والمكتسبة ، ثم يحافظ على أنفتهم داخل المجتمع الليبرالي، وذلك عن طريق تأطيرهم داخل مؤسسات فنية احترافية منظمة قانونا وتشريعا. إن هذا النوع من المسرح المنظم والخاضع للتأسيس القانوني والتشريعي هو البديل المستقبلي للمسرح العربي:"إن التسليم بتراكم المسرح [العربي] كما وكيفا يقضي بضرورة تفريغه في إطار مهني احترافي، يوفر له سندا على الصعيد القانوني والتنظيمي، على اعتبار أن المهنية هي مرحلة نضج الممارسة الفنية، وبلوغها نوعا من التردد، يلزم بتوضيح موقع ممارسيها، وموقع نوازلها داخل شبكة اجتماعية للممارسة الفنية. إن المهنية اعتراف بممارسة فنية وبوقائعها ضمن ما يعترف به في المجتمع من ممارسات ووقائع حرفية ومهنية وغيرها. "[2]
ويعني هذا أن النظرية المهنية هي التي تربط المسرح بالاحتراف، والاشتغال داخل إطار قانوني ونقابي منظم، وتنظيم العملية المسرحية تأليفا واقتباسا وتشخيصا وإخراجا وتأثيثا. كما تربط هذه النظرية الاحترافية الفرجة المسرحية بمؤسسة العرض ترويجا وإنتاجا وتقديما، وتقرنها بفكرة التسويق القائمة على شباك التذاكر. لكن دون التفريط في مقومات مسرح الهواة ، وذلك عن طريق الدعم المالي ، والتشجيع المادي والمعنوي.

11- إنشاء هيئة أو جمعية لرجال المسرح والنقاد المسرحيين:

لايمكن للمسرح العربي أن يحقق تطوره الحقيقي إلا بتأسيس جميعة أو هيئة لرجال المسرح بصفة عامة ، تهتم بهمومهم ومشاكلهم ، وتدافع عن حقوقهم المشروعة، وتعرفهم بواجباتهم ومكتساباتهم. كما ينبغي أن تكون هناك هيئة أخرى لنقاد المسرح للبحث عن أسباب تراجع المسرح العربي، والسعي نحو إيجاد الحلول الكفيلة لكل المشاكل التي تعاني منها الدراما العربية، وتحديد الخطط الناجعة لإنقاذها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، مع تبيان مختلف التصورات الإستراتيجية للسمو بالمسرح نحو مدى أرحب وأفضل. ولن يتحقق كل هذا إلا بوجود جمعية أو رابطة أو ناد أو هيئة عليا تجمع النقاد المسرحيين، ولاسيما النقاد المعاصرين الأكفاء الذين يمتلكون أدوات القراءة والتحليل والتقويم والتوجيه والنقد الحداثي. والآتي، أن تكون لديهم خبرة وفيرة، وعدة منهجية صلبة، وتجربة محنكة ومتمرسة في هذا المجال. وليس كل من يؤرخ للظاهرة المسرحية ، أو يدرسها دراسة أكاديمية ، أو يعد رسالة أو أطروحة جامعية، يعتبرا ناقدا، فالنقد موهبة معرفية، وكفاءة منهجية مصقولة، وممارسة إجرائية نصية متقنة.
وفعلا، فقد تأسست جمعيات وهيئات تضم مجموعة من نقاد المسرح البارزين، كالجمعية العربية لنقاد المسرح العربي بمصر، والهيئة العربية لنقاد المسرح بالإمارات العربية المتحدة. وثمة نقابات وهيئات أخرى تضم رجال المسرح في مختلف ربوع الوطن العربي، لكن يجب تفعيلها تفعيلا ديناميكيا حقيقيا ، لكي تؤدي أدوارها المنوطة بها، ولابد من تنفيذ أنشطتها المبرمجة سنويا،وأجرأتها على أرض الواقع على أحسن وجه.

12- نحو مسرح الجمال والجودة:

يكون العرض المسرحي جميلاوجيدا، عندما يخلق المخرج عرضا جماليا متكاملا متناغما، تنسجم فيه جميع العناصر والمكونات داخل هرمونية فنية متناسقة. ويكون العرض جميلا كذلك ، عندما يترك وقعا جماليا على المتفرج بمفهوم يوس وإيزر، ويحقق لذة ومتعة حينما يتحقق التفاعل التواصلي على حد مفهوم رولان بارت، أو حينما يكون العرض المسرحي نصا مفتوحا، زاخرا بالدلالات السيميائية، والحمولات التناصية، والمستنسخات الذهنية، والانطباعات الجمالية ، وذلك حسب تصورات أمبرطو إيكو. ويكون العرض خطابا جماليا جيدا، عندما يستجيب لأفق انتظار الراصد (القارئ)، إبهارا وإمتاعا وتكيفا، أو يخيب أفق انتظاره عن طريق الانزياح والإغراب والإدهاش، أو يؤسس ذوقه من جديد ، وذلك من خلال تمثل مسافة جمالية جديدة ذات وقع جمالي آخر غير معهود من قبل.
هذا، ويختلف التقبل الجمالي من راصد إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر ، وهذا الاختلاف هو الذي يغني العرض الدرامي، ويثريه بالحيوية المتجددة، ودينامكية التأويل، وكثرة الملء الدلالي والمرجعي.
وتأسيسا على ماسبق، يتبين لنا بأن المسرح في جوهره الحقيقي هو - قبل كل شيء- عرض درامي ممتع، و فرجة لسانية وحركية متناغمة، ومشاهد كوريغرافية متناسقة، يتداخل فيها ماهو سمعي وماهو بصري. وفي الوقت نفسه، يهدف هذا المسرح إلى الإمتاع والإفادة ، وتغيير المتلقي المتفرج ذهنيا ووجدانيا وحركيا ، وصناعة فن جمالي جذاب.

12- إنشاء قناة فضائية خاصة بالمسرح :

ثمة مجموعة من القنوات الإعلامية الفضائية في الغرب تعنى بالمسرح في كل طقوسه وأنواعه وممارساته وتنظيراته، بينما نفتقد عربيا لقناة مسرحية متخصصة ، إلا ما ما يتم إدراجه من برامج مسرحية ضمن القنوات الثقافية، كالقناة الثقافية المصرية أو القناة الثقافية السعودية. لذا، آن الأوان لإنشاء قناة عربية متميزة متخصصة في قضايا المسرح العربي، والبحث في نظرياته وممارساته الفرجوية. كما ينبغي أن تتكلف هذه القنوات التلفزية والفضائية والإعلامية بعرض مختلف المسرحيات العربية والغربية الكلاسيكية والتجريبية على حد سواء، مع تقديم برامج وندوات ثقافية حول العروض المسرحية، وتقديم دروس في مواد المسرح تمثيلا وتأليفا وإخراجا وتأثيثا. وهنا، يمكن الانفتاح على إنتاج المسرح العالمي وإبداعاته الفنية والجمالية لمعرفة مواطن التميز والقوة والنضج. وفي الوقت نفسه، ينبغي العمل بجدية على نقل التجارب المسرحية العربية القديمة والحديثة والمعاصرة، ومناقشتها رصدا وتحليلا وتقويما وتوجيها.

13- بناء المواقع الرقمية الخاصة بالمسرح:

بما أن عصرنا هو عصر المعلومات والرقميات، فمن الأفضل إنشاء مواقع إلكترونية خاصة بالمسرح، تعرف المتلقي الافتراضي بفن المسرح، وتقدم له تاريخه القديم والحديث، وتعرفه كذلك بمكوناته الفنية والجمالية، وتهتم بتوثيق المسرح العربي تحقيبا وتصنيفا وجمعا ودراسة، مع التعريف كذلك برجاله ومخرجيه ومبدعيه، فتقدم له دروسا تكوينية في شتى فروع المسرح ، عن طريق استجماع النصوص والدراسات، وأرشفة الأنشطة والأبحاث والكتب والإبداعات المسرحية .
ومن المعلوم أن ثمة بعض المواقع العربية التي تعنى بالمسرح،سواء أكانت مدونات شخصية أم مواقع ثقافية عامة. ومن بين هذه المواقع الهامة، نذكر: موقع مسرحيون لقاسم مطرود،وموقع المسرح دوت.كوم، وموقع الفوانيس المسرحية، وموقع مسرحي... ولكن تبقى هذه المواقع غير كافية، وفي حاجة إلى التطوير اليومي لتتبع كل الأنشطة المسرحية في العالم العربي، مع الانفتاح على مختلف الأقلام المسرحية العربية.

تركيـــب واستنتــاج:

تلكم – إذاً- نظرة مقتضبة حول أهم عناصر الخطة الإستراتيجية لتحقيق التنمية المسرحية في عالمنا العربي، ولايمكن تحقيق هذه التنمية إلا في مجتمع ديمقراطي، يؤمن بالتعددية الحزبية، والاختلاف الفكري والسياسي، والحوار البناء ، والانفتاح على الشعوب الأخرى حضارة وثقافة ومدنية . وقد قدمنا في هذه الورقة مجموعة من الاقتراحات والتصورات التي نراها ضرورية من أجل الرفع من مستوى المسرح العربي، والحفاظ على وجوده وهويته وكينونته. وبالتالي، لايمكن الحفاظ على الأمن والسلم العربيين إلا بإشغال الشباب، والإنصات إلى مواهبهم ، وتشجيعهم على ممارسة الفن، ودفعهم إلى التعبير عن آرائهم بصراحة وحرية وديمقراطية، وإلا فسيأتي يوم سينفجر فيه الجميع، حيث سيحولون مسرح الكلمة والقمع والكبت والقهر إلى مسرح الممارسة والتفعيل والتغيير الشامل. وآنئذ، لايمكن أن نعود بعجلة التاريخ إلى الخلف.