عرض مشاركة واحدة
قديم 08-24-2011, 04:03 AM
المشاركة 12
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الرابعة
أسطورة الدولة الدينية وتخاريف العلمانية !


رغم أن الثورة المصرية قامت أصلا لإسقاط النظام جملة وتفصيلا , وهدم التشوهات التى أضافها إعلامه الرسمى عن عمد طيلة الفترة السابقة , وأهمها تشويه صورة الإسلام والمتدينين حتى أصبح كل ذى لحية متطرفا , وأصبح كل متدين متمسك بشعائر الدين خارجا عن التحضر !
رغم هذا إلا أن ما يسمى بأوساط النخبة ( أهل الإعلام والثقافة ) لم يدركوا أن استمرار هذا التشويه يعتبر منافيا تماما لحقيقة أهداف الثورة التى اعترف الجميع فيها بأن النظام مارس تشويها منتظما متعمدا للقيم الإسلامية وصب فى مصلحة العلمانية وتعمد تغييب دور الأزهر وتطويعه وأعلن الحرب على كافة رموز وقيم الحضارة الإسلامية
وبالتالى يكون التصرف الطبيعى من الكافة سواء الشعب أو النخبة هو رفض ورفع هذا الحظر على قيمنا وحضارتنا وفتح المجال أمام حقيقة الإسلام وتاريخه ورموزه وفلسفته ,
إلا أن هذا حدث مع الشعب الذى ظل رافضا دوما أى أسلوب للتشويه , ولكنه لم يحدث مع النخبة المتصدرة لوسائل الإعلام واستمرت دعاوى رفض الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا قائمة , بل وزادت قنوات الإعلام ودعوات العلمانية شراسة فى رفض أى حديث عن الحضارة الإسلامية وشريعتها ونظم حكمها ومبادئها رغم الطنطنة المستمرة عن حرية الرأى !!
وطغى فى المجتمع الإعلامى لوثة عقلية تحارب التيارات الدينية المتمثلة فى الإخوان والسلفية واختصرت الإسلام ـ عن عمد ـ فى هذين الفريقين , وجلبوا الآراء الشاذة والمشوهة وقدموها على أنها تمثل الدين والتدين لكى ينفذوا غرضهم من إقصاء الدين الإسلامى عن الحياة السياسية تماما !

ولما كان هذا الهدف الإقصائي هو بعينه هدف النظام السابق , ولما كان هذا الإقصاء ينافي فى شدة دعاوى الديمقراطية التى يتذرع بها العلمانيون والليبراليون , فقد انكشف لكل منصف ومتأمل حقيقة الدعوة العلمانية وكيف أنها كانت أكثر المستفيدين من جبروت النظام السابق وتسلطه حيث كانت تتعمد تسليط قوة الدولة للقضاء على الإسلام فى صورة محاربة أى تيار يحمل حضارته حتى لو كان تيار الأزهر الشريف
وهذا ليس غريبا بالطبع فالعلمانية انتعشت ووجدت لها موطنا فى الدولة تحت رعاية نظام مبارك وكان على رأس وزارة الإعلام دوما دعاة العلمانية والتحرر الفوضوى , من صفوت الشريف ـ القوّاد السابق ـ إلى أنس الفقي ـ راقص الباليه السابق أيضا ! ـ
وكان على رأس وزارة الثقافة فاروق حسنى الإنسان المشوه الذى كان يري الدين خصما تجب محاربته , وهو الذى تمكن من إنهاء دور وزارة الثقافة تماما وجعلها بوقا للعلمانية والنظام وتسلط رموزها فى شتى المجالات على كافة أنشطة الوزارة ,
وفتح الباب لمتطرفي العلمانية كى ينشروا بذاءاتهم ضد الأخلاق والدين بأموال الدولة ,
وكلنا يتذكر رواية الكاتب السورى حيدر حيدر ( وليمة لأعشاب البحر ) والتى شبه فيها القرآن بالفضلات والعياذ بالله , وتمت طباعتها على نفقة الوزارة , كذلك كتب المتطرف العلمانى الكافر بإجماع علماء الأمة المسمى سيد القمنى المزور الذى قام بسرقة أفكار المستشرقين ونشرها على أنها من أفكاره وأعطته وزارة الثقافة جائزة الدولة التقديرية على كتاباته التى يقرر فيها أن القرآن إنما هو مؤلف بشري نسجه محمد عليه السلام بالتعاون مع عمه أبو طالب لتأكيد زعامة بنى هاشم !! فضلا على اتهامه للسيدة العذراء عليها السلام بإنجاب عيسي عليه السلام الزنا مع كاهن المعبد !! فضلا على ديوان شعر ( الآية جيم ) الذى قدمه صاحبه مقلدا آيات القرآن الكريم !
ووجد سيد القمنى وأمثاله من حثالة الكتاب من يدافع عنهم ويروج لأفكارهم ..
وغيرهم كثير مثل روايات البذاءة الثلاث التى كانت تحتوى فضائح جنسية ونشرتها الوزارة أيضا فضلا على عشرات الكتب الأخرى التى كانت تهتم فقط بترويج أى تيار متطرف للفرق الإسلامية الشاذة كالمعتزلة والصوفية الفلسفية والشيعة الإسماعيلية وغيرها ...
وينبغي لنا أن نلاحظ بشدة أن التيار الإعلامى الرسمى والعلمانية ودعاتها كانوا يرصدون العداء فقط لصحيح الإسلام القائم على السنة الصحيحة وحدها , بينما فى المقابل يرجون هم بأنفسهم لكافة التيارات البدعية التى خرجت من الفرق الشاذة فى تاريخ الإسلام ويقدون شخصياتها المشوهة على أنهم كبار دعاة التنوير
مما يشي لأى متأمل بحقيقة الهدف الذى ترمى إليه العلمانية وهو محاربة صحيح الإسلام عن طريق معاداة التدين والإنتماء الحضاري الإسلامى وفى نفس الوقت تشجيع المسلمين على اتباع الفرق المبتدعة كالمعتزلة والصوفية الفلسفية والشيعة الرافضة بكافة فرقها وتقديمهم لهم على أنهم ضحايا قهر الإسلام السنى !
باختصار كانت مهمة وزارة الثقافة ووزارة الإعلام طيلة فترة مبارك هى الحض على السخرية من الدين والتدين والحضارة الإسلامية وفتح الباب للتيار العلمانى بدعاوى التحضر واستضافة الأفكار الشاذة تحت اسم التجديد وفى نفس الوقت التضييق بكل السبل على أى تيار معتدل أو علمى محترم يقدم الحضارة الإسلامية كما هى بعيدا عن التشوهات السياسية ,

ولهذا فعلينا أن ندرك تماما أن التيار العلمانى فى مصر إنما هو جزء من النظام البائد عاش معه واستفاد منه وركب الثورة على حين غفلة متوقعا أن يجد له مكانا مستفيدا من الفزاعة التى تُخوف من الإسلام ومستغلا الأخطاء الغبية التى وقعت فيها تيارات السلفية والإخوان ليروج لفكرة أن الإسلام لا يعنى إلا التطرف والإرهاب ورفض الآخر بينما التيار العلمانى بممارساته ومحاولاته الدءوبة لقمع الفكر الإسلامى يمثل الصورة الأبلغ لمحاكم التفتيش الإسبانية التى قامت منذ قرون فى إسبانيا لنفس الغرض !
ومن أعجب العجب أن يرتكبون أبشع أنواع قهر الرأى الآخر ويرمون التهمة على الثقافة الإسلامية ودعاتها !
ولا يفوتنا أن ندرك مدى حنق وغضب التيارات العلمانية من الثورة وأبطالها لأنهم وجدوا الشعب ـ بعد كل هذا التشويه ـ لا زال متمسكا بعقيدته يحدوه الأمل فى توفيق ربه , وكانت مشاهد الثورة معبرة بشكل قاطع عن أصل هذا الشعب ومدى رسوخ إيمانه , وصار ميدان التحرير يحفل بملايين المصلين خلال الثورة وحافلا بكل أنواع الدعاء المرتبط بالله تعالى المتوكل عليه فى إشارة بليغة إلى فشل الدعاوى العلمانية من التسرب لقلب المواطن المصري البسيط الذى يرفض أمثال هذا النداءات المخرفة باعتبار الدين والتدين مظهرا من مظاهر التخلف , بينما الغرب ـ الذى يروج له العلمانيون ـ هو نفسه يتمسك بعقيدته المحرفة وبكتبه المزورة ويريد العلمانيون منا نحن أبناء الإسلام أن نتخلى عن حضارتنا وديننا الثابت ثبوتا مطلقا منذ أربعة عشر قرنا كى نبلغ التحضر ـ كما يزعمون ـ

وعندما ضحى أبطال الثورة بحياتهم كانت أعينهم معلقة بالشهادة كجزاء أوفي , وهذا أمر طبيعى لأن الأمر لو سار كما هو منهج العلمانية لما بذل أى شهيد نفسه وحياته فى سبيل الآخرين بلا أى جزاء على ذلك , ولولا وجود الجزاء الأخروى النابع من الإيمان فعلى أى أساس كان الشهداء يضحون بحياتهم وهم يعلمون أن انتهاء حياتهم معناه أنهم لن يجنوا من ثمار ثورتهم شيئا !!

لكنها هكذا هى التيارات العلمانية تتميز بالجهل المدقع فضلا على التجهيل والتشويه واللجاجة وإثارة القضايا التى تمت مناقشتها والرد عليها آلاف المرات !
ورغم ذلك يكررونها فى ملل رهيب لأنهم بالفعل لا يملكون سواها فى هذا المجال , وبعض الإنتقادات التى يوجهونها للإسلام عمرها عشرة قرون وأكثر ! وتم الرد عليها مرارا وتكرارا لكنهم كانوا يعمدون إلى كتب المستشرقين القديمة ويستخرجون منها الشبهات ويعيدون تكرارها أمام العامة الذين لا يدركون أن قضايا مثل رضاع الكبير وشبهات ثبوت السنة وغيرها هى قضايا عفا عليها الزمن ورد عليها العلماء منذ القرن الثالث الهجرى كما فى كتاب ( تأويل مختلف الحديث ) لابن قتيبة مثلا .. وهم فى إحيائهم لتلك الأمور إنما يفعلونها اعتمادا ورهانا على ضعف الذاكرة وقلة العلم والإنتباه وعدم وجود وسائل إعلام مستقلة تعرض وجهة نظر علماء المسلمين الذين كانوا قادة الأمة طيلة أربعة عشر قرنا وكانوا هم مفجرو ثورات التحرر فى تاريخنا الوطنى ,
لا سيما مع افتقار عشرات العلماء الأزهريين وغيرهم لأى وسيلة إعلام تروج لردودهم العلمية , واقتصار الإعلام وتمويله الضخم على التيارات العلمانية والسلفية الإخوان وكلٌ له أجندته الخاصة التى يتاجر بها
ولو عدنا للتاريخ الإسلامى القديم والوسيط سنشهد أن شخصيات مثل مالك والشافعى وبن حنبل وأبي حنيفة والأوزاعى وبن تيمية والعسقلانى وبن كثير وغيرهم كانوا هم قادة الهمة العالية المدافعين عن المجتمع وعن الشريعة فى المقام الأول الحافظين لذاكرة الأمة وحضارتها .. وهم كذلك قواد الثورات والدعاة إلى الجهاد ضد الظلم وضد الحروب على مختلف أشكالها
ولو عدنا للتاريخ الحديث وتأملنا تاريخ الرافعى مثلا لوجدنا أن علماء الأزهر كانوا هم السبب فى الصحوة الوطنية المصرية فى العصر الحديث فى بداية القرن التاسع عشر كما كانوا قبلها هم حماة الشعب فى مواجهة ظلم المماليك , وبعدها كانوا قادة ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية وكانوا هم مستشاري محمد على الكبير وصانعى شعبيته ودولته ,
ولم يتراجع دورهم قط إلا مع التغييب المتعمد للأزهر فى فترة ما بعد ثورة يوليو 1952 والتى ظهرت معها أفكار الإشتراكية والعلمانية ووجدت فى الساحة الإعلامية متسعا لها مع التضييق على الأزهر بالقانون الذى عرف باسم قانون إصلاح الأزهر !

وعن عمد وتحت تأثير جهل العامة يتفرد دعاة العلمانية بالإعلام ويتابعهم فى ذلك بعض حسنى النية ممن لا يدركون حقيقة تلك الأساطير التى يروج لها العلمانيون لتخويف الناس من أى ذكر للإسلام , ومنها أسطورة اختصار الإسلام فى التيارات السلفية والإخوان ! والتى ساعد عليها قطعا عدم خلوص نوايا تلك التيارات واستباحتهم لكل رقي حضارة الحوار فى الإسلام سعيا وراء المكاسب السياسية
وبلغ الجهل والإسفاف بالإعلام الرسمى والتيارات العلمانية أنها حسبت صلاة المتظاهرين فى الميادين دليلا على أنهم من قوى الإخوان المسلمين ! وكأن الإسلام وشعائره لا يؤديها فى مصر إلا هذه الفئة !
ومنها أيضا الترويج لما يسمى الدولة الدينية التى يتوعدون بها الناس إن هم لزموا الدين أو طلبوا تحكيم الشريعة الإسلامية ..
وهذه كلها أساطير لا وجود لها فى الإسلام الذى لا يعرف كهنوت الدولة الدينية ولا يقره , ولو أن أى عاقل تأمل فى دعاوى العلمانية واستعاد فى ذاكرته التاريخ القديم والحديث لسأل نفسه سؤالا منطقيا يهدم كافة الدعوات التى تنادى بإقصاء الدين عن الحياة العامة ..
وهو أننا أمة نشأت وترعرعت وسادت على كافة الأمم بالدعوة الإسلامية وحدها التى وحدت أولا عرب الجزيرة العربية بعد أن كانوا شتاتا .. ولولا العقيدة الإسلامية لما نشأ مصطلح العروبة من الأساس , ثم اعتمدت الإسلام وعقيدته كعامل مشترك يجمع أقطار الأرض فى الشرق والغرب على كلمة لا إله إلا الله .. محمد رسول الله ..
وبهذه الدعوة وحدها تكونت إمبراطورية الإسلام وسادت على العالم منفردة طيلة ثلاثة عشر قرنا بعد أن قضت بالعقيدة والإيمان على إمبراطوريات الشرك والكهنوت المتمثلة فى الرومان والفرس وحكم المسلمون من الصين شرقا حتى الأندلس غربا ..
ثم تصدت للمغول وأرجعتهم عن حدودها وأعادت خلق الخلافة من جديد على يد الظاهر بيبرس الذى اعتمد القاهرة ودمشق كعاصمتين للخلافة العباسية فى مرحلتها الثالثة واستمر الإسلام بدوله المتعددة حتى قامت الخلافة العثمانية وملكت مساحة هائلة من الأرض فى إفريقيا وآسيا وأوربا وأخضعت الدول العظمى فى زمانها حتى أفل نجم الخلافة وانهارت من الداخل وظهرت على إثرها دعوات المذاهب الإنسانية ..
والسؤال المنطقي الآن ..
لقد جرب المسلمون فى التاريخ عقيدتهم الإسلامية واتخذوها أساسا لبناء دولتهم فحكموا العالم أجمع طيلة القرون السابقة ,
ثم تخلى المسلمون طواعية عن هذه العقيدة تحت تأثير دعاوى النعرات القومية الضيقة التى يعتبرها الإسلام من دعاوى الجاهلية , وتحت تأثير دعوات العلمانية التى قامت فى أوربا لرفض حكم الكهنة والكنيسة واتبعت الأنظمة العربية هذه الدعاوى منذ منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا ؟!
فماذا كانت النتيجة عندما كان المسلمون متمسكون بعقيدتهم ؟! وكيف أصبحت النتيجة بعد أن تخلوا عنها لصالح المذاهب الإنسانية ؟!

وسنعرض تفصيلا لأساطير العلمانية التى تروجها حول الدين الإسلامى فى المجال السياسي وأهمها أسطورة الدولة الدينية بعد أن نتعرف باختصار على ما هية العلمانية وحقيقة أهدافها ..

العلمانية فى الغرب
العلمانية ثقافة خاطئة حكمت بعض العلمانيين العرب ممن ينتهجون المناهج الغربية لمجرد أنها غربية ولا يطالعون أصل الفكر عند أهله ؟!
وهو فكر خرج هو وفكر الشيوعية والصهيونية من مشكاة واحدة ألا وهى إبعاد الدين عن سائر قضايا الحياة فلا يكون الدين رقيبا أو حكما أو مشرعا بل يصبح أمرا شخصيا يخص صاحبه داخل جدران منزله فحسب بمعنى أنه لا يقبل أن يخرج بتدينه إلى خارج حدود المنزل
ورأينا هذا واضحا بالطبع فى قضية رفض فرنسا لحجاب المسلمات وتعطيل أى مظاهر دينية فى تركيا منذ أيام أتاتورك

وقد قامت حمى العلمانية بأوربا بعد عصور الظلام مباشرة وعند بدء عصر النهضة كرد فعل طبيعى على الكوارث التى تسببت فيها الكنيسة ومحاكم التفتيش على مدى قرون فحاربت الكنسية كل منهج وبسطت سلطتها على سائر شئون الدولة فأفسدتها أيما إفساد , بعد أن نصب الكهنة أنفسهم كرجال دين وتشريع متحدثون باسم الله ولهم سلطانه على الأرض !
وفى نفس الوقت وفى مقابل عصور الظلام كانت الحضارة الإسلامية فى قمة تألقها بالفكر الإسلامى والحكم الإسلامى الذى يعود بالسلطة ومصدر التشريع لأحكام المشرع وهو الله جل وعلا وحده وما أنزله فى رسالته الخاتم بعكس الأسلوب الكنسي القائم على حق الحاكم فى السلطة بمقتضي الحق الإلهى وهى نظرية قانونية جعلت من الحكام والأباطرة حاكمون باسم الله
وقامت الثورة الفرنسية وهدمت سلطة الكنيسة وأعلنت العلمانية منهجا وبالمثل قامت الثورة البلشفية فى روسيا وأسقطت الدين من حساباتها بدستورها الناص على أنه لا إله والحياة مادة ..
ونفذت أوربا تجربة العلمانية بعد قرون التخلف التى تسلطت فيها الكنيسة والرهبانية ومحاكم التفتيش وكلها أمور تم إستخدامها من العلمانيين العرب فى مواجهة الإسلام عن جهل عنيف ومغالطة مقصودة لأن هذه المفاهيم لم يعرفها الإسلام فى أى عصر من عصوره بل قامت أحكامه على أن كل بن آدم خطاء , وليس هناك حجة لشخص فى الدين إطلاقا بعد النبي عليه الصلاة والسلام , وكلٌ يؤخذ منه ويُرد إلا صاحب مقام الرسالة
ومنذ تسعينيات القرن الماضي تنبه الغرب لحقيقة فادحة أفصح عنها وركز عليها تركيزا شديدا وهى أنهم فى ظل المادية البحتة عطلوا كل منافذ الروحانيات الضرورية وهى الأمور التى فشلوا فى التعبير عنها بمفهومها الأصلي وهى غياب الدين عن شئون الحياة لأنهم خرجوا من خطأ إلى خطيئة
فبدلا من أن يعدلوا من عقيدتهم الفاسدة للعقيدة الصحيحة رفضوا العقائد فى مجملها فتكشفت لهم نتيجة ذلك فى إحصائيات مفزعة تبين انتشار معدلات الإنتحار لدرجة الهوس وتفكك المجتمع وإنحلاله وغياب القيم لأن غياب الدين معناه غياب الدافع التقليدى الحاض على الفضيلة فغاب الضمير وبقي فقط الخوف من القانون .. وهو خوف دنيوى لا يمنع أية آثار سلبية
ومهما كانت مواد القانون حازمة ودقيقة ومهما كان المنفذون واعون لهذا فلن يستطيعوا أن يراقبوا كل شخص بكل وقت مع غياب أهم قيمة إنسانية وهو الضمير
وظهر العلماء والمفكرون ليطرحوا المسألة على مائدة البحث ليفهموا ما الذى ينقص الحضارة الأوربية فى ظل بحوث البروفسور أنوكى الذى شرح أن المخ له نصفان أيسر مسئول عن الماديات ومخ أيمن مسئول عن الروحانيات والمعنويات وهو النصف الذى صار معطلا بفعل الإهمال وشرح كيف أن غياب الجانب الروحى والتغذية الروحية ينتزع من الإنسان إنسايته ويحوله لمجرد ترس فى آلة لا يملك من إرادته شيئا ولا يملك هدفا واضحا
وعبر أحد المفكرين عن تلك النتيجة قائلا " أن أوربا الآن منذ عصر النهضة تعيش بنصف مخ فقط "
وكانت النتيجة التى نقلها لنا د. مصطفي محمود أن العلماء بالغرب اتخذوا قرارا جوهريا بدئوا بتطبيقه ألا وهو إعادة النظر فى المنهج كله والعمل على تخريج أجيال تهتم بالفص الأيمن المعطل لأن الحضارة ليست فى الأجهزة والأبنية بل هى فى الفكر وحده .. وأوربا ذاتها عندما تفخر بتاريخها إنما تفخر بنتاج فلاسفتها ومفكريها لا مهندسيها وأبنيتهم
وعلى حد قول د. مصطفي محمود أيضا فى مقالاته العديدة فى هذا الشأن ..
فإن الغرب مختل الإدراك النفسي بسبب هذا البعد عن الإيمان وتجد الشباب هناك يهملون الروابط الأسرية ويتركون آبائهم وأمهاتهم فى دور المسنين وفى نفس الوقت يعطون جل عاطفتهم للكلاب والقطط ويتفنون فى التعبير عن عاطفتهم نحوها ولهذا نجد للكلاب والقطط فى أوربا حقوقا تفوق حقوق البشر أنفسهم !
هذا فضلا على الإختلال الأسري الناجم عن العزوف عن الزواج والشكوى الرئيسية فى معظم أوربا الآن هى قلة النسل بسبب ركون الشباب للعلاقات الحرة بلا مسئولية وبسبب قوانين الزواج والطلاق التى تمثل رادعا قويا للشباب فى الزواج حيث ينص القانون هناك على مناصفة المرأة المطلقة لزوجها فى كامل دخله وثروته !
وهذا المصير الذى وقعت فيه اوربا اليوم هو ما يريد العلمانيون العرب لنا السعي إليه واتباعهم فيه !