الموضوع: التوحيد
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-16-2010, 07:35 PM
المشاركة 4
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو خلف موسى بن خلف وكان يعد

من البدلاء , حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن الحارث

الأشعري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه

السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وأنه كاد أن يبطئ

بها فقال له عيسى عليه السلام : إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني

إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن فقال : يا أخي إني أخشى إن سبقتني

أن أعذب أو يخسف بي . قال : فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى

امتلأ المسجد فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله أمرني بخمس كلمات

أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإن مثل ذلك

كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير

سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وأن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا

وأمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأمركم

بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن

خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل

أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه . وقال لهم : هل لكم أن أفتدي

نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وأمركم بذكر الله كثيرا وإن

مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه وإن العبد

أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم " وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في

سبيل الله فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع

ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جثاء جهنم" قالوا : يا رسول الله وإن صام وصلى .

فقال " وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله عز

وجل المسلمين المؤمنين عباد الله " هذا حديث حسن والشاهد منه في هذه الآية قوله " وإن

الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا " وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة

وحده لا شريك له وقد استدل به كثير من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع

تعالى وهي دالة على ذلك بطريق الأولى فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية

واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة علم

قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه كما قال بعض الأعراب وقد سئل ما

الدليل على وجود الرب تعالى ؟ فقال : يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير وإن أثر

الأقدام لتدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ؟ ألا يدل

ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟ . وحكى الرازي عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك

فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه

عن وجود الباري تعالى فقال لهم : دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن

سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها وهي مع

ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث

شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد . فقالوا هذا شيء لا يقوله عاقل . فقال : ويحكم هذه

الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس

لها صانع . فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه وعن الشافعي أنه سئل عن

وجود الصانع فقال : هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم وتأكله

النحل فيخرج منه العسل وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرا وروثا وتأكله الظباء فيخرج

منها المسك وهو شيء واحد . وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال : هاهنا

حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز

فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح

يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة . وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد :

تأمل في نبات الأرض .. وانظر إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات.. بأحداق هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات .. بأن الله ليس له شريك

وقال ابن المعتز :

فيا عجبا كيف يعصى الإله .. أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

وقال آخرون : من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار

والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم

وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب

والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال

تعالى : " ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب

والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء " وكذلك هذه الأنهار السارحة

من قطر إلى قطر للمنافع وما ذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف

الطعوم والأراييج والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء استدل على وجود الصانع

وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا

رب سواه عليه توكلت وإليه أنيب والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدا