الموضوع
:
تعلم كيفية الثبات فى زمن المتغيرات
عرض مشاركة واحدة
08-13-2011, 01:14 AM
المشاركة
11
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
ولم يكن هذا الأمر هو الأمر السلبي الوحيد ..
بل أفرز الإستفتاء نتيجة خطيرة للغاية وهى تفرد الإعلام المغرض بمقدرات الناس وتفجير قضية طائفية فى موضع ليس له أى مكان من الإعراب ! , فى نفس الوقت الذى يفتقد فيه المجلس العسكري لأى وسيلة إعلامية حقيقية تدافع عن سياسته وتتبناها بالإيضاح للشعب ,
لا سيما وأن الصحف القومية والإعلام الرسمى الذى ورثه من النظام السابق لا يساوى مقدار خردلة من القيمة بين الناس لافتقاده أدنى قدر من المصداقية واتباعه سياسة (
عاش الملك .. مات الملك
)
وهو ما أدى بكل صاحب بوق أن يتفرد بوعى الجماهير وتفجرت الصراعات الإعلامية مدوية لهذا السبب
ففجأة أصبحت التعديلات الدستورية ـ
دون أدنى سند من الواقع
ـ عبارة عن صراع طائفي على المادة الثانية من الدستور والقاضية بأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع !
ولست أدرى أين هو من تحدث عن تعديل هذه المادة أو حذفها ! وكل التعديلات المقترحة كانت تخص مواد دستورية تنظيمية لا علاقة لها إطلاقا بالمبادئ الدستورية الواردة فى الباب الأول من الدستور والتى تعتبر تعبيرا عن حالة المجتمع وغير وارد إطلاقا تعديلها أو المساس بها سواء فى الدستور القديم أو الدستور الجديد ..
وحتى يستوعب القارئ مدى تفاهة مضمون الصراع الذى دار فى أن التصويت بنعم يعنى الإنحياز للإسلام والتصويت بلا يعنى العكس ..
ينبغي لنا أن نفهم أولا ما هو الدستور ومم يتكون , ولماذا تعتبر المادة الثانية مبدأ دستوريا غير قابل للمساس به وإلا اختل الدستور فى مضمونه ..
فالدستور فى أى دولة فى العالم هو أبو القوانين , ولا يتكون من مواد قانونية تفصيلية كتلك الموجودة فى القوانين العادية بأكواد مرقمة مثل قانون العقوبات أو القانون المدنى , بل يتكون من شقين ..
الشق الأول وهو المبادئ التى تعبر عن المجتمع .. وهى مبادئ شارحة لثقافة المجتمع وتوجهاته وتاريخه
والشق الثانى وهو الشأن التنظيمى للنظام الحاكم لتلك البلد والذى وقع عليه اختيار الجمهور سواء كان برلمانيا أو جمهوريا ..
وبالنسبة للشق الأول
..
فهو يحتوى ـ كما سبق القول ـ المبادئ العامة التى تصف حالة المجتمع الذى يوضع له الدستور , ولهذا فهى عبارة عن مبادئ واقعية غير قابلة للتغيير ولا تخضع للتعديل , لأنها وببساطة تصف طبيعة المجتمع الذى يوضع له الدستور ,
وتحتل هذه المبادئ الأبواب الأولى من الدستور ..
وكمثال للإيضاح ..
فإن المادة الثانية مثلا فى الدستور المصري هى توصيف لطبيعة دين الأغلبية فى القطر المصري وهو دين الإسلام فمن الطبيعى أن تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الأصلي الذى تنبع منه سائر القوانين مع عدم الإخلال بالأقليات , وأى مساس بها يعنى ببساطة أن الدستور غير مطابق لواقع حال هذا المجتمع ومن ثم يعتبر دستورا معيبا .,
بالضبط كما لو كنا بصدد إعداد كتاب عن أحوال مصر أو أى قطر فنحن نضع فى هذا الكتاب ما تعبر عنه الأغلبية ونصفه بغض النظر عن رأينا فيه ,
فإذا جاء كاتب أوربي مثلا وأعد كتابا عن مصر وقال فيه أن مصر دولة إسلامية فهو هنا لا يضع رأيا بل ينقل واقعا وإذا دس وجهة نظره هنا وقال خلاف ذلك لكان كتابه وقوله وهما فى وهم وخيال فى خيال
!!
نخلص من هذا الأمر إلى أن المادة الثانية أو أى مادة من مواد المبادئ الدستورية غير قابلة للنقاش أو الطرح إلا إذا تغيرت أحوال المجتمع نفسه !
فعلام إذا كان الصراع من الأساس ؟!
وبالنسبة للشق الثانى
من الدستور فهو يختص بنظم الحكم , وهذا الجانب هو الذى جاءت مواد التعديلات الدستورية لمعالجته , وهى مواد قابلة للتغيير والتبديل بحسب تغير نظام الحكم ووفقا لما تتعارف عليه قوى المجتمع السياسية ,
فالثورة فى مصر وفى أى بلد فى العالم عندما تقوم بالتغيير فإنها لن تتناول شيئا من مواد الأبواب الأولى الخاصة بالمبادئ لأنها بطبيعتها مواد واقعية لا قانونية , وسيقتصر التعديل على مواد النظام السياسي الذى تعالجه بقية أبواب الدستور ومن ثم فإن التيارات الدينية التى أشعلت المعركة الأخيرة وكذلك التيارات العلمانية التى نافستها على قول نعم أو لا كانوا يتصارعون فى ميدان الجهل فى صراع ديكة لم يخلف إلا الفتن ,
فما أعلنته التيارات الدينية أن المعركة معركة المادة الثانية كان كلاما فارغا وغير ذى أساس والمواد التى تم تعديلها بالكامل لا يوجد فيها مادة واحدة تمس الإسلام من قريب أو بعيد !!
والتيارات العلمانية التى تحارب اليوم لإلغاء المادة الثانية تنافس التيارات الأخرى فى الجهل لأن مواد المبادئ إنما تعبر عن طبيعة المجتمع ولما كان المجتمع المصري بأكمله مجتمع متدين سواء فى الغالبية العظمى المسلمة أو الأقلية المسيحية فهذا يعنى أن العلمانية ليس لها أى مكان بالمجتمع ومن ثم فأى نص دستورى لها هو محض تخريف ..
والنداءات الأخرى التى ظهرت تنادى بإضافة الشريعة النصرانية كمصدر إضافي للمادة الثانية مع الشريعة الإسلامية هى أصوات أيضا تحارب فى ميدان الجهل العقيم ,
فأقل الدارسين فى مجال الأديان يعلم بالضرورة أن الشريعة الإسلامية هى التشريع الوحيد المحفوظ بحفظ الله بنظام كامل متكامل للدولة والقوانين فى المجالات السياسية والعقابية والمدنية , وأن كافة الأديان السماوية السابقة لم تأت إطلاقا بتنظيم سياسي أو تنظير دستورى يحكم نظام الدولة بالقوانين واللوائح التى تنظم حياة المجتمع ..
وحتى لو فرضنا وجوده ,
فهل يستطيع المسيحيون واليهود اليوم أن يسندوا هذه الشريعة إلى الله تعالى أو رسله عيسي وموسي عليهم السلام , بينما يدرك أهل الذمة أنفسهم قبل أى شخص أن شريعة موسي وعيسي غائبة عنهم غيابا تاما
بانقطاع فى الإسناد يبلغ أربعمائة عام
على الأقل ؟!
أى أنهم ببساطة لا يملكون إقامة شبهة دليل على نسبة أى تشريع أو أى قاعدة إلى موسي وعيسي عليهما السلام بأى نوع من الإسناد أيا كان
فالشريعة الإسلامية هى الوحيدة بين كافة الأديان التى تم حفظها وتديونها ونقلها كلمة كلمة , وحرفا حرفا من الله عز وجل إلى نبيه عليه السلام إلى الصحابة على مر القرون حتى وصلت إلينا اليوم بإسناد لا يقبل الشك مصداقا لوعد الله تعالى بحفظ كتابه وشريعته ..
وهو الوعد الذى أخبرنا به القرآن مقرونا بحقيقة لا تقبل الجدل وهى ضياع شرائع الأمم السابقة ضياعا تاما ووقوعها رهن تحريف الرهبان والأحبار
بالإضافة لميزة هامة وموضوعية ـ
تخص موضوع نقاشنا اليوم
ـ وهى أن الشريعة الإسلامية هى الشريعة الوحيدة التى نزلت متكاملة دين ودولة وبها كافة البنود التى تعالج كافة المبادئ التى يقوم عليها نظام الدولة فى الإسلام بغض النظر عن شكلها سواء كان برلمانيا أو جمهوريا ,
بالإضافة إلى احتواء الشريعة الإسلامية على نظام اقتصادى كامل يعتمد على دور الدولة فى التحكم فى مجالات الإنتاج السيادية ومنع الإحتكار وفى نفس الوقت إطلاق الحريات الفردية فى التجارة الحرة الخاضعة لنظام المشاركات والمرابحة الخالية من النظام الربوى الذى ثبت فساده قطعا فى الأزمة المالية الأخيرة ..
هذا فضلا على احتواء الشريعة الإسلامية على القوانين الجنائية والمدنية التى تعالج الحقوق والواجبات مع نظام دقيق فى الإجراءات الجنائية وأدلة الثبوت وغيرها
فأين هو فى الشريعة الكنسية أو اليهودية مثل هذا النظام الحاكم الذى يعالج كل كبيرة وصغيرة فى الحكم ؟
!
وإذا كانت شريعة الكنيسة لا تعالج إلا الجانب الدينى فى أمور العقيدة والجانب المدنى فى الزواج والطلاق التى يسمح الإسلام للنصاري أن يحتكموا لها ..
فأين هو النظام السياسي الذى يريدون إضافته لنظام الشريعة الإسلامية وهو غير موجود أصلا , وعلى أى أساس يتم إضافة كلمة (
شريعة مسيحية
) إلى مصادر التشريع ؟!
فهل كان هناك داع ـ بعد الذى شرحناه ـ للمعركة حامية الوطيس التى ساهمت فى بذر الفرقة وزيادة الإستقطاب والعمل بسوء نية ؟!
هذا بالإضافة إلى أن زلزال التعديلات الدستورية استمر فى إفرازه للتوابع القاصمة التى هزت أركان المجتمع لليوم , فلولا هذه المعركة غير المبررة لما ظهر الصراع بين طائفتى (
الدستور أولا
) و (
الإنتخابات أولا
) لا سيما وأن جامعة القاهرة والعديد من خبراء القانون الدستورى أعلنوا أن وضع دستور جديد لنظام الحكم القادم لا يكلف الدولة شيئا وأن إعداده لن يستغرق الوقت الذى تلكأ به المجلس العسكري ..
بالإضافة إلى وجود دستور جاهز وكامل مكمل أعده كبار خبراء القانون بمصر فى الخمسينيات طبقا لأوامر الرئيس
عبد الناصر
الذى أمر بتشكيل لجنة دستورية تضع للبلاد دستورا نموذجيا وأسند المهمة ورياسة اللجنة إلى أبو القانون فى العصر الحديث العلامة الدكتور
عبد الرازق السنهورى
.. واستغرق عمل اللجنة عامين كاملين
واجتمعت اللجنة التى ضمت أساطين الفكر والقانون ووضعت دستورا تحسدنا عليه بريطانيا وفرنسا , ورفعوه إلى عبد الناصر الذى رفضه تماما عندما وجده دستورا ديمقراطيا على أعلى مستوى يقلص صلاحيات الحكومة ورئيس الدولة لصالح رقابة الشعب ..
وأمر بإعداد دستور آخر وظل دستور السنهورى محفوظا إلى اليوم بكامل بنوده التى توازى مطالب الثورة المصرية اليوم
ومن الآثار السلبية لمعركة الإستفتاء ايضا
..
ظهور بدعة (
المبادئ فوق الدستورية
) التى حاولت القوى العلمانية فرضها على المجتمع وهى بدعة غير موجودة فى أى دستور لأى دولة فى العالم ولم يخترعها العلمانيون وتابعتهم القوى المدنية فى ذلك إلا تخوفا من الإسلاميين ومن نوايا المجلس العسكري بعد نتائج معركة الاستفتاء ..
وتطايرت الإتهامات إلى التيار الإسلامى أنه يريد دولة دينية ـ
رغم أن الإسلام لا يعرف هذا المصطلح أساسا كما سنشرح لاحقا
ـ وأدى هذا إلى أن المجتمع تخوف فعلا من التيارات الإسلامية وأخشي ما أخشاه أن يساهم هذا التخوف فى تمهيد الأرض للعلمانيين ليجنوا لأول مرة قاعدة شعبية لهم فى المجتمع الذى لفظهم منذ ظهورهم بالقرن الماضي ,
والسبب يعود فى المقام الأول إلى ممارسات التيارات الإسلامية التى أساءت للإسلام بأكثر مما فعل العلمانيون أنفسهم عندما قدموا أنفسهم على أنهم خلفاء الله فى الأرض ومن معهم فهو مع الله ومن يعاديهم فهو مع الشيطان متناسين أن الله تعالى لم يعط العصمة لأحد بعد الأنبياء ..
ومتناسين أن أصل شريعة الإسلام يعود إلى تحكيم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ثم الإجتهاد فيما لا نص فيه , وكلنا يعرف أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصي أحد أصحابه إن هو حاصر أهل حصن وقبلوا النزول على حكمه فلينزلهم على حكمه هو ولا يقول أن ينزلهم على حكم الله والصحابي بشر كالبشر لا يعرف إن حكم هل سيصيب حكم الله أم لا ..
وهى الواقعة التى أسست لكيفية تحكيم الشريعة وبيان أن طرق تحكيم الشريعة ليست واحدة بين البشر وقابلة للإختلاف , وهو الأمر الذى تروج التيارات الإسلامية لعكسه مما يصب لمصلحة العلمانيين فى المقام الأول عندما يحاربون الإسلام عقيدة وشريعة !
ومن الآثار السلبية أيضا ظهور فجوة تتسع كل يوم بين المجلس العسكري وبين رموز الثورة ورجالها وشبابها
,
والإختلاف بينهم لم يكن واردا من الأساس لأن الجهتين ( المجلس العسكري والقادة ) كلاهما فى مركب واحد وإخلاصهم لرسالتهم يجب أن يجمع بينهم لا أن يفرق .. وهذه الفرقة الغريبة تسببت فى تسلسل العناصر النفعية لسكب الزيت على النار بعد أن وجدوا الفرصة سانحة لدى المجلس العسكري فى اتهامات التخوين التى لا أساس لها وتزايدت فجوة عدم الثقة بين رموز الثورة وقادة الجيش وكلا الطرفين يلقي باللوم على الآخر , ونتعشم أن يجتمع عقلاء الطرفين على كلمة سواء فى ظل تلك الظروف
فمن هو المستفيد من تلك الفتن التى ضيعت وقت الخبراء وأهل السياسة والحكم وتسببت فى ضياع ستة أشهر فى صداع مستمر وغفلنا عن أخطر وأهم القضايا التى تهم الوطن فى تلك المرحلة الحساسة ..
ولعل أهل الرأى وأهل التنفيذ ينتبهون قبل فوات الأوان إلى خطورة مرور الوقت قبل إحداث التغييرات الملموسة التى يجب أن يستشعرها الشعب واضحة قبل أن يفقد ثقته فى كافة من يتصدون لقيادته سواء كان المجلس العسكري أو رموز الوعى القومى فى البلاد من أهل الإعلام الجاد ..
ولنا لقاء مع البقية ..
الصفحة الشخصية بموقع فيس بوك
القناة الخاصة بيوتيوب
رد مع الإقتباس