الموضوع: الكابوس الوردي
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2787
 
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


رشيد الميموني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
597

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
تطوان / شمال المغرب

رقم العضوية
9563
08-10-2011, 02:02 AM
المشاركة 1
08-10-2011, 02:02 AM
المشاركة 1
افتراضي الكابوس الوردي
[justify]

الكابوس الوردي

كان عشاء الأمس دسما على غير العادة التي روض نفسه عليها . لكنه اضطر تحت الإلحاح للتحامل عليها ويجر رجليه جرا ، ملبيا دعوة أحد أصدقاء الطفولة ورفاق الدراسة . وها قد زج به في مجلس جله من " الطلبة " ، فلم يعر أحد اهتماما لقلة أكله وعزوفه عن الطبق الثاني .. طبق الدجاج .
وها هو اللحظة في جولته الاعتيادية عبر أرجاء المدينة بريحها الشرقية المحملة بسحب داكنة تنبعث من جهة البحر لتلقي برذاذها على الوجوه . تبدو له الأشياء غامضة مبهمة . ويكفي أن يمر على أحد المكاتب التي تغط في سبات عميق و يستقبله المسؤول ببشاشة غير معهودة ، ويقضي له مآربه في الحين وبدون مقابل ، يكفي ذلك ليجعله يستغرب أيما استغراب ، ويشك في الوثيقة التي بين يديه . وحسبه كلمة رقيقة نبست بها شفتا كبير من الكبراء ، ليقف طويلا قبالة تلك البناية الموحشة التي نال فيها من الشتائم والصفع ما جعله ينكمش لأدنى حركة تصدر حواليه أنى حل وارتحل . وليس هذا بأغرب مما حدث له منذ قليل وهو يهم باجتياز الطريق حين أفسحت له السيارة الفخمة بإشارة لبقة من يد سائق شاب ليس ككل الشباب . وليت الأمر وقف عند هذا الحد . فقد ابتسم له ... أي والله ، وأحنى له رأسه تحية . حمدا لله أنه غالب الدوار الذي أصابه... أيعقل هذا ؟
الآن بدأ يشك . هل هو في حلم ؟... فليستعرض أغرب ما مر به وينتقي ما هو مثير للعجب . وليبدأ بالمصحة حيث أخذ موعدا لزوجته الحامل التي حان وضعها ، وشيعه الطبيب وهو يربت على كتفيه ويكاد يحتضنه . ولم لا وهو سيتقاضى أجرا على ذلك ؟... ألا يكون حادث هذا الصباح جديرا بالاهتمام ؟.. أليس تجمهر ثلة من الشبان أمام بناية الوالي و تفرقهم تحت أنظار الفضوليين واللامبالين ، وفي هدوء ودون تداعيات ، حقيقا بأن يستغرب له ؟
تتمثل له أشياء و أشياء يستعصي عليه كنهها ، فيفرك عينيه و يعض شفتيه.. دون جدوى . وتتوالى الخواطر وتتوارد الأفكار، وتنهال الأحداث ، الواحدة تلو الآخرى ، فيعجز عن التمييز بين الغريب والعادي منها ... محاكمـة دركيين ؟.. شاب يلفظ أنفاسه تحت التعذيب ؟.. رفع الإقامة الإجبارية عن الشيخ ؟ .. الوعود الكاذبة ؟.. القبض على متورطين في الفساد ؟.. احتكار مناصب الشغل ؟.. التناوب ؟.. المركب الرياضي ؟..حقا ، إن مجرد التفكير في هذا يسبب الدوار .
تفضي به خطواته إلى بهو البريد الشاسع حيث الشبابيك والصفوف التي أرهقها الانتظار . يتطلع بشغف إلى حركة للأمام ، ويأخذ مكانه منتظرا . يروقه انضباط الناس.. هذا فأل حسن . يحس بزهو .إنه يساهم في هذا النظام . هكذا تكون الحضارة .. "لا.. ليست هكذا الحضارة .".. قال ذلك وهو يرمق شزرا أحد المصطفين وهو يلقي ببصقة تطاير رذاذها ورن لها البلاط اللامع . أصابه غثيان فمط بوزه و أشاح بوجهه . كم هو مضن هذا الانتظار .. فيم كان يفكر؟ آه .. في الحلم .. في اليقظة . تلك الموظفة الحسناء تحجبت وهي التي طالعته تقاسيم ظهرها ، ومسحت عيناه لأكثر من مرة بياض نحرها.. تحجبت ؟.. وما الغرابة في ذلك ؟.. ثم ، هاهو طفل يدله أبوه على سلة المهملات.. حقا .. لقد تغيرت الدنيا . فهل يتعلق بأهذاب الأمل ، وينجرف فيه مع المفرطين في التفاؤل ؟ أم أن هذا من قبيل المجازفة واستباق الأحداث ؟.. حذار .. فالشتائم والصفعات لا تزال تصم أذنه ، وكلمات الفحش التي قيلت له بصحبة ابنته ما فتئت تقض مضجعه . أما رواد ذلك فإنهم وإن خنسوا ، لا زالوا متربصين . فليصبر و لينتظر إلى الغد ، وإن غدا لناظره قريب . حتى إذا حق له رد الكيد كيدين والصفع صفعتين ، وعز الصفح ، وشق على النفس التواقة للقصاص العفو ، حينئذ فليكد وليصفع هكذا...
- ماذا دهاك يا هذا ؟... أجننت ؟
حملق مشدوها في الجسد البدين أمامه بصلعته اللامعة ، ثم التفت يمينا وشمالا .. الوجوه تتطلع إليه في فضول ، وبعض الأعين ترمقه في استنكار وأخرى في شفقة .. همهمة الناس تزيد من حيرته . ماذا يفعل ؟.. تمتد إليه يـد مقفزة لتسحبه خارج الصف ، فينقاد إليها طواعية . صفعة أخرى ؟.. ليته يحلم .
- سيدي، لقد صدر ذلك على غير وعي مني .. وأنا مستعد للاعتذار.
- حسنا.."
ماذا قال صاحب القبعة والصفارة... الشاب الوسيم ؟.. لا يذكر . فقد كان في حالة لا تسمح له باستيعاب ذلك .. و الآن.. يجد نفسه حرا ، طليقا...وحيدا . ينظر حواليه.. " أأنا في حلم ؟.. ليتها كانت حقيقة . "
في الأفق البعيد ، إلى حيث تتسابق السحب الداكنة ، تبزغ حمرة الغروب مشوبة باصفرار بهيج .. هل يصطدم هذا " الشرقي" باندفاع نسمات المحيط ؟.. إذا أصبح الجو صحوا ، فليمن نفسه من الآن بالانطلاق في رحلة ينفــض بها غبار الكسل والملل .. والقنوط .

[/justify]