عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2011, 10:22 AM
المشاركة 12
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
فقال: يا عجباً لرجل صحب ابن العميد أبا الفضل ورأى من كان عنده وهذا حظه! قلت: قد كان هذا، ولكنه كان مشغولاً بطلب الكيمياء مع أبي الطيب الكيميائي الرازي، مملوك الهمة في طلبه والحرص على إصابته مفتوناً بكتب أبي زكرياء، وجابر بن حيان؛ ومع هذا كان إليه خدمة صاحبه في خزانة كتبه؛ هذا مع تقطيع الوقت في حاجاته الضرورية والشهوية؛ والعمر قصير، والساعات طائرة، والحركات دائمة والفرص بروق تأتلق، والأوطار في غرضها تجتمع وتفترق، والنفوس على فواتها تذوب وتحترق؛ ولقد قطن العامري الري خمس سنين جمعة ودرس وأملى وصنف وروى فما أخذ مسكويه عنه كلمة واحدة، ولا وعى مسألة، حتى كأنه بينه وبينه سد؛ ولقد تجرع على هذا التواني الصاب والعلقم، ومضغ بفمه حنظل الندامة في نفسه، وسمع بأذنه قوارع الملامة من أصدقائه حين لم ينفع ذلك كله. وبعد فهو ذكي حسن الشعر نقي اللفظ، وإن بقي فعساه يتوسط هذا الحديث، وما أرى ذلك مع كلفة بالكيمياء، وإنفاق زمانه وكد بدنه وقلبه في خدمة السلطان، واحتراقه في البخل بالدانق والقيراط والكسرة والخرقة؛ نعوذ بالله من مدح الجود باللسان، وإيثار الشح بالفعل، وتمجيد الكرم بالقول ومفارقته بالعمل؛ وهذا هو الشقاء المصبوب على هامة من بلي به، والبلاء المعصوب بناصية من غلب عليه.
وأما عيسى بن علي، فله الذرع الواسع والصدر الرحيب في العبارة، حجة في النقل والترجمة، والتصرف في فنون اللغات، وضروب المعاني والعبارات؛ وقد تصفح ما لم يتصفح كثير من هذه الجماعة، وقلب بخزائن الكبراء والسادات، وأعين بالعمر الطويل والفراغ المديد؛ ولكنه مع هذا الفضل الكثير بخيل بكلمة واحدة، ونصيحٌ على ورقة فارغة، لسودائه الغالبة عليه، ومزاجه المتشيط بها.
وأما نظيف، فإنه متوسط، لا يسفل عن أقلهم حظاً ولا يعلو على أكثرهم نصيباً؛ ويده في الطب أطول، ولسانه في المجالس أجول؛ ومعه رفق وحذق في الجدل.
وأما يحيى بن عدي، فإنه كان شيخاً لين العريكة فروقة، مشوه الترجمة، رديء العبارة، لكنه كان متأتياً في تخريج المختلفة وقد برع في مجلسه أكثر هذه الجماعة، ولم يكن يلوذ بالإلهيات، كان ينبهر فيها ويضل في بساطها، ويستعجم عليه ما جل، فضلاً عما دق منها؛ وكان مبارك المجلس.
فقال: ما قصرت في وصف هذه الطائفة، وتقريب البغية التي كانت داخلة في نفسي منهم.
حدثني عن مذاهبهم في النفس وما يقولون فيها؛ وإلى أين ينتهون من يقينهم بشأنها، وكيف ثقتهم ببقائها بعد فناء أبدانها؟ فقلت: علمت أني لا أجد ما أريد من حديث النفس عند أصحابنا الباقين، أعني أبا الوفاء علي بن يحيى السامري والمعري والقوهي والصوفي وغلام زحل والصاغاني، وكذلك غيرهم أعني ابن عبدان وابن يعقوب وابن لالا وابن بكش وابن قوسين والحراني، لأن هؤلاء ليسوا يحرثون هذه الأرض، ولا يرقمون هذا البز ولا يجهزون هذا المتاع ولا يتعاملون به؛ هذا ينظر في المرض والصحة والداء والدواء، وهذا يعتبر الشمس والقمر، وليس فيهم من يذكر كلمة في النفس والعقل والإله، حتى كأنه محظور عليهم، أو قبيح عندهم.
وقلت: إن هؤلاء القوم - أعني الطائفة الأولى - متفقون في الاعتراف بأنها جوهر باقٍ خالد؛ فأما اليقين فما الحكم به لهم، لأنهم لو كانوا على ذلك - أعني واجدين لليقين ذائقين لحلاوته - لما كدحوا للدنيا التي تزول عنهم ويزولون عنها مضطرين؛ فلو أنهم كانوا على ثلج من النفس، ويقظة من العقل، واستبصار من القلب، وسكون من البرهان، لما تعجلوا هذه اللذات المنقوصة، والأوطار الفاضحة، والشهوات الخسيسة، مع التبعات الكثيرة والأوزار الثقيلة؛ ولا عجب فإنه إذا كانت الركاكة العائقة تمنع الإنسان من العدو والسفر، ومن سرعة الخطو، لأن الحركة قد بطلت بالركاكة الداخلة عليه في أعضائه وآلائه، فأي عجب من أن تكون النفس التي استعبدتها الشهوات الغالبة، والعقيدة الرديئة، والأفعال القبيحة معوقةً ممنوعةً من الصعود إلى معانق الفلك ومخارق النجوم وعالم الروح ومقعد الصدق ومقام الأمن ومحل الكرامة ومراد الخلد وبلد الأبد ومعان السرمد.
قال: هذا كلام تام؛ وسأسألك بعد هذا عن النفس وما تحفظ عنهم فيها لكن تعم لي ما كنا فيه، كيف علم أبي سليمان بالنجوم وأحكامها؟ قلت: لا يتجاوز التقويم. ثم قال: فما تقول في الأحكام؟
قلت: أنشدت منذ أيام:


....يتبع