عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2011, 10:19 AM
المشاركة 11
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
لكن تطيرت عند رؤيته ... من عورٍ موحش ومن برص
وبابنة مثل ما بوالده ... وهذه قصة من القصص
فقال: قاتله الله، فلقد أوجع وبالغ، ولم يحفظ ذمام العلم، ولم يقض حق الفتوة. حدثني عن درجته في العلم والحكمة، وعرفني محله فيهما من محل أصحابنا ابن زرعة وابن الخمار وابن السمح والقومسي ومسكويه ونظيف ويحيى بن عدي وعيسى بن علي. فقلت: وصف هؤلاء أمر متعذر، وبابٌ من الكلفة شاق؛ وليس مثلي من جسر عليه، وبلغ الصواب منه؛ وإنما يصفهم من نال درجة كل واحد منهم، وأشرف بعد ذلك عليهم؛ فعرف حاصلهم وغائبهم، وموجودهم ومفقودهم. فقال: هذا تحايلٌ لا أرضاه لك، ولا أسلمه في يدك، ولا أحتمله منك؛ ولم أطلب إليك أن تعرفهم بما هو معلوم الله منهم، وموهبة لهم، ومسوقه إليهم، ومخلوعه عليهم، على الحد الذي لا مزيد فيه ولا نقص؛ إنما أردت ان تذكر من كل واحد ما لاح منه لعينيك، وتجلى لبصيرتك، وصار له به صورةٌ في نفسك؛ فأكثر وصف الواصفين للأشياء على هذا يجري، وإلى هذا القدر ينتهي.
فقلت: إذا قنع مني بهذا، فإني أخدم بما عندي، وأبلغ فيه أقصى جهدي. أما شيخنا أبو سليمان فإنه أدقهم نظراً، وأقعرهم غوصاً، وأصفاهم فكراً، وأظفرهم بالدرر، وأوقفهم على الغرر؛ مع تقطع في العبارة، ولكنةٍ ناشئة من العجمة وقلة نظرٍ في الكتب، وفرط استبداد بالخاطر، وحسن استنباط للعويص، وجرأة على تفسير الرمز، وبخلٍ بما عنده من هذا الكنز.
وأما ابن زرعة فهو حسن الترجمة، صحيح النقل، كثير الرجوع إلى الكتب، محمود النقل إلى العربية، جيد الوفاء بكل ما جل من الفلسفة؛ ليس له في دقيقها منفذ، ولا له من لغزها مأخذ، ولولا توزع فكره في التجارة، ومحبته في الربح، وحرصه على الجمع؛ وشدته في المنع؛ لكانت قريحته تستجيب له، وغائمته تدر عليه؛ ولكنه مبدد مندد، وحب الدنيا يعمي ويصم.
وأما ابن الخمار ففصيح، سبط الكلام، مديد النفس، طويل العنان، مرضي النقل، كثير التدقيق، لكنه يخلط الدرة بالبعرة ويفسد السمين بالغث، ويرقع الجديد بالرث؛ ويشين جميع ذلك بالزهو والصلف، ويزيد في الرقم والسوم، فما يجديه من الفضل يرتجعه بالنقص؛ وما يعطيه باللطف يسترده بالعنف؛ وما يصفيه بالصواب، يكدره بالإعجاب. ومع هذا يصرع في كل شهر مرة أو مرتين.
وأما ابن السمح، فلا ينزل بفنائهم، ولا يسقى من إنائهم؛ لأنه دونهم في الحفظ والنقل والنظر والجدل، وهو بالمتبع أشبه، وإلى طريقة الدعي أقرب، والذي يحطه عن مراتبهم شيئان: أحدهما بلاده فهمه، والآخر حرصه على كسبه؛ فهو مستفرغ مح البال مأسور العقل، يأخذ الدانق والقيراط والحبة والطسوج والفلس بالصرف والوزن والتطفيف؛ والقلب متى لم ينق من دنس الدنيا لم يعبق بفوائح الحكمة، ولم يتفوح بردع الفلسفة، ولم يقبل شعاع الأخلاق الطاهرة المفضية إلى سعادة الآخرة.
وأما القومسي أبو بكر، فهو رجل حسن البلاغة، حلو الكناية، كثير الفقر العجيبة، جماعةٌ للكتب الغريبة؛ محمود العناية في التصحيح والإصلاح والقراءة، كثير التردد في الدراسة؛ إلا أنه غير نصيح في الحكمة؛ لأن قريحته ترابية، وفكرته سحابية؛ فهو كالمقلد بين المحققين، والتابع للمتقدمين؛ مع حبٍ للدنيا شديد، وحسد لأهل الفضل عتيد.
وأما مسكويه، ففقير بين أغنياء، وعيي بين أبنياء، لأنه شاذ، وأنا أعطيته في هذه الأيام صفو الشرح لإبساغوجي وقاطيغورياس، من تصنيف صديقنا بالري. قال: ومن هو؟ قلت: أبو القاسم الكاتب غلام أبي الحسن العامري، وصححه معي؛ وهو الآن لائذ بابن الخمار، وربما شاهد أبا سليمان وليس له فراغ، ولكنه محسن في هذا الوقت للحسرة التي لحقته فيما فاته من قبل.


.... يتبع