عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2011, 10:16 AM
المشاركة 9
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
فقال: بقي أن يتصل به نعت العتيق والخلق، فكان من الجواب أن العتيق يقال على وجهين: فأحدهما يشار به إلى الكرم والحسن والعظمة، وهذا موجودٌ في قول العرب: البيت العتيق؛ والآخر يشار به إلى قدم من الزمان مجهول. فأما قولهم: عبد عتيق، فهو داخل في المعنى الأول، لأنه أكرم بالعتق، وارتفع عن العبودية، فهو كريم. وكذلك وجه عتيق لأنه أعتقته الطبيعة من الدمامة والقبح. وكذلك فرس عتيق.
وأما قولهم: هذا شيء خلق، فهو مضمن معنيين: أحدهما يشار به إلى أن مادته بالية؛ والآخر أن نهاية زمانه قريبة. وكان ابن عباد قال لكاتبه مرة - أعني ابن حسولة - في شيء جرى... نعم، العالم عتيق ولكن ليس بقديم أي لو كان قديماً لكان لا أول له، ولما كان عتيقاً كان له أعول، ومن أجل هذا الاعتقاد وصفوا الله تعالى بأنه قديم، واستحسنوا هذا الإطلاق. وقد سألت العلماء البصراء عن هذا الإطلاق، فقالوا: ما وجدنا هذا في كتاب الله - عز وجل - ولا كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا في حديث الصحابة والتابعين. وسألت أبا سعيد السيرافي الإمام: هل تعرف العرب أن معنى القديم ما لا أول له؟ فقال: هذا ما صح عندنا عنهم ولا سبق إلى وهمنا هذا منهم، إلا أنهم يقولون: هذا شيء قديم وبنيان قديم ويسرحون وهمهم في زمانٍ مجهول المبدأ.
فقل: قد مر في كلامك شيء يجب البحث عنه، ما الفرق بين الحادث والمحدث والحديث؛ فكان من الجواب أن الحادث ما يلحظ نفسه والمحدث ما يلحظ مع تعلقٍ بالذي كان عنه محدثاً. والحديث كالمتوسط بينهما مع تعلقٍ بالزمان ومن كان منه.
وههنا شيء آخر، وهو الحدثان والحدثان؛ فأما الأول فكأنه لما هو مضارعٌ للحادث، وأما الحدثان فكأنه اسم للزمان فقط، لأنه يقال: كان كذا وكذا في حدثان ما ولي الأمير، أي في أول زمانه، وعلى هذا يدور أمر الحدث والأحداث والحادثات والحوادث. وفلان حدث ملوكٍ كله من ديوان واحد وواد واحد وسبك واحد. قال: ما الفرق بين حدث وحدث؟ قلت: لا فرق بينهما إلا من جهة أن حدث تابع لقدم، لأنه يقال: أخذه ما قدم وما حدث؛ فإذا قيل لإنسان: حدث يا هذا. فكأنه قيل له: صل شيئاً بالزمان يكون به في الحال، لا تقدم له من قبل.
ثم رجعت فقلت. ولفوائد الحديث ما صنف أبو زيد رسالة لطيفة الحجم في المنظر، شريفة الفوائد في المخبر، تجمع أصناف ما يقتبس من العلم والحكمة والتجربة في الأخبار والأحاديث، وقد أحصاها واستقصاها وأفاد بها، وهي حاضرة. فقال احملها واكتبها، ولا تمل إلى البخل بها على عادة أصحابنا الغثاث. قلت: السمع والطاعة.
ثم رويت أن عبد الملك بن مروان قال لبعض جلسائه: قد قضيت الوطر من كل شيء إلا من محادثة الإخوان في الليالي الزهر، على التلال العفر.
وأحسن من هذا ما قال عمر بن عبد العزيز قال: والله إني لأستري المحادثة من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بألف دينار من بيت مال المسلمين. فقيل: يا أمير المؤمنين، أتقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك وتنزهك؟ فقال: أين يذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصحه وهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف دنانير، إن في المحادثة تلقيحاً للعقول، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهم، وتنقيحاً للأدب.
قال: صدق هذا الإمام في هذا الوصف، إن فيه هذا كله.
قلت: وسمعت أبا سعيد السيرافي يقول: سمعت ابن السراج يقول: دخلنا على ابن الرومي في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله:
ولقد سئمت مآربي ... فكأن أطيبها خبيث
إلا الحديث فإنه ... مثل اسمه أبداً حديث


....يتبع